صحة

صفر في الإملاء وفشل في القراءة… انه الديسليكسيا!

حين تتشقلب حروف الأبجدية وتُخلط الكلمات وينال الطفل صفراً مكعباً في الإملاء قد نكون أمام نموذج: ديسليكسيا! الديسليكسيا الذي قد يُظهر الطفل المصاب غبياً كسولاً، أصاب ذات يومٍ: ألبرت اينشتاين وليوناردو دافنتشي وبابلو بيكاسو وونستون تشرشل ووالت ديزني ودافينتشي وتوماس أديسون وجورج واشنطن وتوم كروز… فما هو الديسليكسيا هذا؟ وهل هو داء العباقرة أم هو داء لا يميز بين غبي وعبقري؟ الديسليكسيا، عسر القراءة، من التشخيص الى العلاج.

هي إمرأة رائعة: كاتبة، مهندسة معمارية، متحدثة لبقة، لكنها لا تُطالع. لا تستطيع أن تُطالع كما يُطالع كل البشر! لماذا؟ ما بالها؟ ما بها؟ قصر نظر؟ طول نظر؟ تجيب بإبتسامة: انه داء الديسليكسيا أصابني منذ الصغر. ديسليكسيا؟ الإسم في حد ذاتِهِ صعب! فماذا يعني؟ ماذا يُقصد بالديسليكسيا؟ ولماذا هي؟ كيف نجحت في تجاوز الداء وأصبحت إمرأة مميزة؟ كيف قرأت إذاً دروسها وأتمت فروضها؟ وكيف عبرت الى الجامعة ونالت اختصاصاً وبرعت؟ وكيف لها أن تكتب الشعر والنثر؟
حالتها حالة الكثيرين ممن نجهل، في الأساس، أن لهم حالة خاصة! فهناك في الولايات المتحدة الأميركية وحدها نحو أربعين مليون إنسان يعانون من قصور في تعلم اللغة والقراءة والكلام والتخاطب، لكن ليس كل من يفشل في القراءة والإملاء هو مريض الديسليكسيا… فمن هو إذاً مريض الديسليكسيا؟!
 

الديسليكسيا قصة حياة
تبتسم المهندسة – الكاتبة التي تنتمي جذوراً الى رام الله في فلسطين مرددة: الديسليكسيا قصة حياة، تُسرد طوال العمر، فنتآلف معها حتى الرمق الأخير! ماذا يعني هذا؟ هل نفهم من هذا أن الداء يُلازم الإنسان من المهد الى اللحد؟ ألا يمكن التغلب عليه في أي مرحلة عمرية؟
يُقصد بكلمة ديسليكسيا المتحدرة من القاموس اليوناني: ديس، أي الصعوبة، وليكسيا، أي الكلمات المقروءة، يعني هي، في التعريف وفي المضمون، مشكلة تعليمية تتعلق بفك الرموز الكتابية! وهذه المشكلة، لمن يهمه الأمر، لا تعالج بحبة دواء بل من خلال العمل على تطوير مهارات المصاب، عبر الإهتمام الإستثنائي به، من خلال خبراء في هذا المجال. وكلما جرى اكتشاف من يعانون من تلك العثرات باكراً كلما أتى العلاج مجدياً. واللافت في هذا الموضوع أنه تكاد تُطبق فيه مقولة: أن العبقرية تتفتق من رحم الحاجات الخاصة! فكثير من العباقرة هم، كما سبق وذكرنا، مرضى ديسليكسيا!
طبياً، يُقال أن الطفل السليم يُفترض أن يميز بين يمينه ويساره في عمر الخمس
سنوات، فإذا لم يفعل، سيعاني لاحقاً، في عمر متقدم أكثر، من ارتباك في الكثير من المفاهيم العامة! في البداية إذاً: أنظروا الى الطفل الذي أمامكم واسألوه: أين يمينك وأين يسارك؟ ثم اسألوه مجدداً: أين يميننا نحن وأين يسارنا! وسيكون هذا هو الإختبار الأول في اكتشاف حسن فهم الطفل واستيعابه للإتجاهات والمحيط.
الخلل في تحديد الاتجاهات قد ينعكس خللاً في التمييز بين الكلمات والحروف، بمعنى أن كلمة اب قد يقرأها با وأم ما وبدل ضرب سيكتب درب وبدل سقط سكت ويشقلب الأرقام فيكتب 12 بدل 21 و61 بدل 16 وبدل 2013 يكتب 3102… طفل الديسليكسيا يعيش في اختصار خللاً في اتجاه البوصلة التي يفترض أن تقود الإنسان، في أي عمر، فلا يعود قادراً على التمييز بين ما هو صحّ وما هو خطأ! فيعكس الحروف والأعداد والكلمات!
في كل حال، قبل أن يُصار الى تشخيص الديسليكسيا وإعلان الطفل مصاباً، يفترض استبعاد
كل العوامل الأخرى التي قد تتسبب بدورها في تعثر القراءة الصحيحة، وهذا يتم عند اختصاصي النطق عادةً، ويفترض في هذه الحال، كي يعتبر مريض ديسليكسيا، أن تكون اللغة التي يُخطىء في لفظ كلماتها وإنجاز فرض الإملاء فيها وتعداد أرقامها لغته الأم لا لغة أخرى عابرة. ويجب ألا يكون الطفل يعاني، في الأساس، من اضطرابات عضوية في البصر أو السمع أو اضطرابات نفسية وانفعالية أو من تخلف عقلي.

 ذاكرة ضعيفة
تبدو ذ
اكرة مريض الديسليكسيا عادةً ضعيفة وكثيراً ما نراه يتردد وهو يقرأ،  ويميل الى وضع الحروف والنقاط بالمقلوب، كما قد يُفاجئنا بحركات غريبة في الرأس والجسم وفي مقلتي العينين، وقد نشعر به تعباً، مرهقاً، وهو يحاول عبثاً إنهاء فرض القراءة، فلا هو قادرٌ على التركيز في القراءة ولا هو قادر على فهم ما يقرأ! فيكرر الأخطاء نفسها حتى ولو قرأ النص عينه عشرات المرات وأُنِّب مئات المرات فيقرأ: كلمة بر رب، وكرز زرك، وهرّ  ره…  وربما يُسقط كلمات من أساسها مثل: مع، من، على، في، أو حتى جملٍ كاملة… حتى إن المعلمة قد تستشيط غضباً لكثرة تذمرها من قلة استيعابه، غير مدركة أن هذه هي قدرات الطفل القصوى التي يتطلب تحسينها عناية تتجاوز الحصة الدراسية!
وطفل الديسليكسيا نادراً ما يكتب على السطر، فهو، من دون أن يعي، يكتب الى أعلى أو نحو أسفل، وتبدو الأسطر التي يكتبها متماوجة، وتكون ذاكرته بطيئة غير قادرة على استدعاء الرموز اللغوية بسرعة وترجمتها في الكتابة ما يجعله ينال معدلات منخفضة جداً في مادة الإملاء. وقد يجد هذا الطفل صعوبة في تعلم أغنيات الأطفال.
الديسليكسيا خلل في القراءة والتعبير لكنه، نذكر للمرة الثالثة، ليس خللاً في الذكا
ء! فالطفل المصاب كثيراً ما يباشر بنفسِهِ البحثِ عن سبلٍ لحلّ مشاكله كأن يستبدل كلمة يصعب قراءتها بكلمة أخرى أسهل في الحفظ وفي اللفظ. في كل حال، قد يسهل اكتشاف طفل الديسليكسيا بعد عمر السادسة، بعد أن يكون مثله مثل كل الأولاد، قد تلقى الأسس التعليمية الأولى وبات عليه أن يترجمها حفظاً أو رسماً أو كتابة أو قراءة، عندها يبدأ بإرتكاب الأخطاء ما يؤشر الى وجود مشكلة.

 العلاج
مصاب طفلكم بالديسليكسيا… ماذا عن العلاج؟
النقطة الأولى التي يفترض العمل عليها هي إعادة تعزيز ثقة الطفل بذاته، وهو الذي يكون قد نال كثيراً من التوبيخ، بسبب فشله في القراءة والإملاء والحفظ! يفترض إذاً أن يعمل الإختصاصي المعالج على هذه النقطة بالذات كي يقتنع الطفل مجدداً أن لديه قدرات لكن تحتاج الى تدريب كي يصبح مثله مثل كل الآخرين.  ويُنصح بإعطاء الطفل المصاب لوحاً يُمكنُه من إعادة تصحيح الأخطاء بسهولة بدل تمزيق الورقة أو شطب الأخطاء الإملائية أو الحسابية
بقلم أحمر. ويُحبذ في هذا الإطار تدوين الكلمات التي يُخطىء فيها دائماً على كرتونة ووضعها، بألوان مختلفة، في غرفته كي يتذكرها من دون أن يؤنّب طبعاً على أخطائه. ويفترض، على الرغم من كل الأخطاء التي قد يرتكبها نسيان مقولة «فالج ما تعالج» معه، وإعادة تكليفه بعمليات حسابية وبموضوعات إنشائية وبالقراءة بصوت مرتفع بلا ملل أو كلل. وتذكروا أنه كلما منحتم طفل الديسليكسيا مزيداً من الوقت أعطاكم مزيداً من النتائج الإيجابية.
يُحسّن العلاج كثيراً من حال الطفل المصاب، فيكبر تقريباً عادياً، أو حتى عبقرياً، لكن القراءة تظل تجهده مدى العمر. يقرأ لكن أصعب من الآخرين. وهذا ربما ما قد يميزه، في مرحلة تالية ايجابياً، عن كل الآخرين!

الاسباب
ما سبب الديسليكسيا؟
تُرد المشكلة طبياً الى عطبٍ واقعٍ بين القسمين الأيمن والأيسر من الدماغ، ما يتسبب بخللٍ في وظائف بعض الأعصاب الدماغية يتأتى عنها اضطراب الاتصال بين المواقع التي تدير وظائف القراءة والكتابة وتفسير الأصوات.
أطفال الديسليكسيا طبيعيون وذكاؤهم، اطمئنوا، طبيعي، وحاستا السمع والبصر لديهم تكونان عادةً طبيعيتين، ومشكلتهم الوحيدة تكمن في ذاك الخلل الكامن في الدماغ الذي يتسبب بإضطراب في قدراتهم على القراءة والكتابة، ما قد يؤثر لاحقاً على تعليمهم ونفسيتهم وثقتهم بأنفسهم! أطفال الديسليكسيا قد يكونون قريبين جداً منكم، في بيوتكم، فلذات أكبادكم، فلا تغمضوا أعينكم عن أمور قد تشعرون بها «فاقعة» لكنكم تتجنبون الإعتراف بوجودها خشية أن يُقال عن أطفالكم: كسالى! أطفالكم قد يكونون كسالى وقد يكونون مرضى مصابين بعسر القراءة والتعليم! راقبوهم جيداً فربما وراء الهمود الذي فيهم عبقرية!.

نوال نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق