مسرح

مترو المدينة اقلع «هشك بشك»

صحيح أن زمن «الهشك بشّك» ينطبق على كل شيء في هذا البلد، لكن المشهد في «مترو المدينة» مختلف تماماً! هناك قد تكتشف معنى جديداً للثقافة، وقد تتنشق عطر بيروت من الطبقة الثالثة تحت الأرض حيث مسرح «المترو». كل ليلة عرض، ولكل منه هويته التي تختلف عن الأخرى، لكنها حتماً تنقل الساهرين في كاباريه الثقافة إلى عالم لطالما افتقده، وفكرّ أنه اقفل مع ستارة مسرح المدينة وجلسات مقهى الـ «موكا» والأرصفة التي كانت تستقطب عشاق الفن والثقافة. الى مترو المدينة حيث «تحية إلى تحية» وغداً «هو صحيح الهوى غلاب؟» وهو كذلك إلا في مترو المدينة.

هو ليس وسيلة لنقل الزبائن، ولا جزءاً من ثقافة الخدمات في الوطن. في اختصار هو مطعم يجمع بين التراث والفن ويقدم على خشبة مسرحه المصممة على شكل «مترو» غذاء الروح والعقل. في الطبقة الثالثة تحت الأرض وتحديداً في شارع الحمرا الرئيسي، أرادت مجموعة من الشباب أن تحول أحد الملاجئ إلى «كاباريه» يقدم المأكولات والمشروبات مع مسرح مصمم على شكل عربة المترو. الإسم يصدم وكذلك الموقع الجغرافي. لكن هنا لا يمكن للزائر إلا أن يتفاءل ويشعر بالأمان. فهو اولاً تحت الأرض، كما جرت العادة في الحروب حيث يتقاتل الناس فوق الأرض، وتحتها يسهرون ويستمتعون قبل أن «تدق الساعة». وهنا أيضاً الناس لا يشبهون بعضهم، وهنا يكمن سر هذا المكان.

  كما المترو… من محطة الى اخرى
منذ نحو العام افتتح مترو المدينة أبوابه أمام عشاق السهر والفن الممزوج بنكهة التراث اللبناني والمصري. أما نشاطاته فتشبه حركة المترو «يعني اننا ننتقل من نشاط إلى آخر تماماً كما المترو الذي ينقل ركابه من محطة إلى أخرى»، والكلام للمدير الفني قي مترو المدينة هشام جابر. أما مجموع الأعمال الشهرية التي يقدمها المترو فيقارب الـ 23، والأهم أنها تتمتع بمنسوب عال من الغنى الفكري والثقافي الذي لا يشبه سواه.
حتى الساعة يجزم جابر أن الفكرة التي على أساسها وضع المترو على سكة المدينة أصابت: «كل يوم هناك عرض مختلف عن الآخر. وكل يوم هناك شريحة جديدة من الناس تدخل الكاباريه لتشرب كأساً من الفن والثقافة. ومرة في الأسبوع يتحول المسرح إلى شاشة سينما تعرض القديم والجديد والموجه فكرياً وإجتماعياً. وفي مرات أخرى يتحول المترو إلى ملاذ لقراءة القصص والقصائد، وقد يتحول إلى «بازار» لبيع الملابس والقطع الأثرية وأثاث البيوت والكتب واللوحات والقطع الموسيقية، أو مزاداً علنياً بمعدل مرة واحدة شهرياً ويعود ريعه الى دعم قضيّة اجتماعية وإنسانية. وحتى اليوم حقق المزاد دعماً «لانتفاضة المرأة في العالم العربي»، والثاني لدعم النازحين السوريين في لبنان، والثالث لدعم «الحريات في مواجهة الرقابة» وهذا من أبسط الأمور لأن المكان كان مخصصاً سابقاً لدائرة مراقبة الأفلام التابع للأمن العام».

هشك بشك
صدفة؟ ربما. لكن لا نعلم إذا كان خيار عناوين النشاطات يأتي أيضاً بالصدفة: «هشّك بشّك»، «تحية إلى تحية»، «ليلة عرس»، «ليلة قصف»، «طنجرة ضغط». ويقول جابر: «أحياناً نتعمد اختيار عناوين لافتة وتصدم في الوقت ع
ينه. ومرات يكون عنوان العمل مجهزاً ومقولباً من معديه. وهذا هو سر تنوع الجمهور الذي يحضر بخلفية العارف بتفاصيل العمل الفني». ويعتمد المسؤولون عن المسرح على أنفسهم وعلى أفكارهم لتمويل هذا المكان وتحديداً على المطعم لأن أسعار العروضات وضعت لتناسب فئة الشباب والطلاب والطبقة المتوسطة.
المروحة اذاً كبيرة. نعلم. لكن الأهم أن السياسة بمفهومها المباشر ممنوعة «علماً بأن هناك رسائل سياسية وإجتماعية يتم تمريرها كل ليلة لكن «عا قد ما بيحمل البلد» لأن الوضع دقيق، وأي
كلام قد يفسر بحسب الإصطفافات السياسية أو قد يؤخذ في غير معناه».
إل
ى أي مدى ساهم «مترو المدينة» في التعويض عن الفراغ الذي احدثه إقفال مسرح المدينة؟
حتماً هو لم يعوض الفراغ الحاصل على خلفية إقفال مسرح المدينة، ولن يستطيع أن يؤمن ذلك يوماً في مدينة فقدت هويتها بشكل كامل. لكنه على الأقل يساهم في إعادة تخزين الذاكرة وإيجاد هوية لهذا المكان.
لكن البعض يخشى أن تكون هوية ثقافية موجهة؟
(مقاطعاً) همنا إعادة خلق هوية ثقافية جديدة لأن ليس كل ما كان في بيروت لماعاً وبراقاً. هناك الكثير من «العفونة» التي تخزنت في الذاكرة ومطلوب خلق حالة فكرية في إطار جديد على رغم كل الظروف لأن ليس أمامنا احتمالات كثيرة، وعلينا أن نبدأ من هذا المكان.

  تحية الى تحية كاريوكا
ثمة من يسأل عن الهدف من إعادة إحياء التراث المصري كما هو حاصل في عرض «من تحية إلى تحية»؟
العرض هو كناية عن رقص شرقي في تحية إلى الراقصة المصرية تحية كاريوكا. لكن الإضاءة لا تقتصر فقط على الرقص الشرقي إنما تشمل كل نشاطات الفنانة تحية كاريوكا، لا سيما السياسية منها. في النهاية لا أحد ينكر ان مصر هي مرتع الفن العربي وأم الدنيا في كل ما يمت إلى الفن بصلة.
وفي ليلة أخرى هناك عرض للفنان عبد الكريم الشعار الذي سيؤدي أغنية «هو صحيح الهوى غلاب» لكوكب الشرق أم كلثوم، على من تراهنون في أمسية لا تتضمن إلا أغنية واحدة؟
على «السميعة». صحيح أنهم صاروا قلة لكنهم موجودون.
هل يمكن أن يعيش «مترو المدينة» في زمن أقفلت فيه غالبية منابر الفن والثقافة وآخرها مسرح المدينة؟
نحن مستمرون على رغم كل الظروف وموقعنا الجغرافي تحت الأرض حوّل مترو المدينة
إلى ملجأ للثقافة والسميعة والأمن.
لكن التحديات الإقتصادية وربما الفنية موجودة؟
وضع
البلد هو التحدي الأكبر، عدا ذلك كل شي ماشي.
هل تشمل مروحة أعمار «مترو المدينة» الجيل الجديد؟
هو أساس جمهورنا. فالمكان في حد ذاته جذاب وهم يشعرون أنه يشبههم. في النهاية نحاول أن نقدم ما يريده الجمهور لكن من دون أن ننحدر في مستوى الثقافة أو نرتقي بها إلى درجة يعجز الجيل الصاعد عن أن يستوعبه.

بين الكاباريه والثقافة
لكن المتداول به ان الفن الراقي لا يتقبل فكرة العرض أمام جمهور يجلس إلى طاولة؟
هناك عروضات تقدم يكون فيها الجمهور واقفاً، وأخرى جالساً على الكراسي من دون طعام. لكن هناك أيضاً عروضات مع مائدة مفتوحة ومشروب. يعني هو جو كاباريه لكن من دون مساومة على الثقافة.
كلمة «كاباريه» وحدها تثير الجدل؟
صحيح لكنها مطلوبة أحياناً لإحداث تغيير ما. وهذا ما قصدناه في «كاباريه مترو المدينة» حيث التغيير بدأ في مفهوم الفن والثقافة وحتى في الأعمال والعناوين، وزيارة واحدة إلى هناك تكشف حقيقة هذا الكلام.

ج. ن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق