رئيسيسياسة عربية

خريطة طريق اميركية لما بعد القرار الاوروبي

يعرض تقرير بحثي اميركي، وضعته جهة شاركت عملياً في الضغط على الاتحاد الاوروبي وعلى الدول الاعضاء لكي تفرض حظراً على «حزب الله»، المسارات التي سبقت اتخاذ القرار بادراج الحزب على لائحة المنظمات الارهابية المحظورة. ويضع خريطة طريق لآليات متابعة تنفيذه وبعض العقبات التي قد تؤثر في استهدافه التنظيم المالي للحزب.

يقول التقرير البحثي الاميركي: “بعد أشهر من المداولات التي غالباً ما كانت عاصفة، عقد المسؤولون الأوروبيون الكبار اجتماعاً وزارياً في بروكسل في الثاني والعشرين من تموز (يوليو) أعلنوا خلاله إدراج الجناح العسكري لـ «حزب الله» في قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية المحظورة. ويأتي هذا القرار في أعقاب انعقاد حلقتين نقاشيتين على مستوى السفراء (في النصف الاول من تموز- يوليو) وبعد عقد اجتماعين سابقين لمجموعة العمل الفنية الخاصة بـ «الموقف الأوروبي المشترك لمكافحة الإرهاب 931» والتي يطلق عليها اسم «(سي پي 931)»، وهي الأساس القانوني الذي يستند إليه الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بإدراج المنظمات الإرهابية على لائحة الإرهاب الأوروبية. وتعطي أهمية خاصة لهذا الحظر لأن «حزب الله» كان قد استأنف عملياته في أوروبا بعد قيامه بتقديم الدعم المالي واللوجستي هناك لفترة استمرت اعواماً (…)».

سير القرار
ويشير التقرير الى انه «بمجرد قيام بريطانيا بتقديم اقتراح رسمي لفرض الحظر على تلك المنظمة من الدول الأوروبية، اجتمعت لجنة «سي پي 931» للتشاور في ما إذا كانت تتوافر الشروط اللازمة في الجناح العسكري لـ «حزب الله» لإدراجه في اللائحة، وتوصلت إلى أن تلك الشروط تتوافر فيه بالفعل. واللجنة هي تكنوقراطية في طبيعتها وتقتصر على القضية المحددة المتعلقة بالأنشطة الإرهابية، وليس على اعتبارات سياسة خارجية، ويحدد تفويضها بشكل واضح جداً أنواع الأنشطة التي تعتبر عمليات إرهابية وأي أنواع من المعلومات يمكن اعتبارها أدلة. وتنص المادة 31 من النظام الأساسي لمجموعة «سي پي 931» على أن «الأعمال الإرهابية» هي «الأعمال المتعمدة التي قد ينجم عنها – بحكم طبيعتها أو سياق حدوثها – وقوع أضرار بالغة بدولة أو منظمة دولية، والتي تُعرّف على أنها جريمة يعاقب عليها القانون المحلي». ويدرج النص بعد ذلك أمثلة تشمل «هجمات على حياة شخص قد تسبب الوفاة»، و«تصنيع أو حيازة أو اقتناء أو نقل أو تزويد أو استخدام» الأسلحة أو المتفجرات، و«المشاركة في أعمال جماعة إرهابية»، بما في ذلك من خلال تقديم المعلومات أو الموارد المادية، أو عن طريق تمويل أنشطتها بأي شكل من الأشكال، مع معرفة أن هذه المشاركة ستسهم في الأنشطة الإجرامية للجماعة».
ولكي تقع هذه الأعمال ضمن تعريف الأعمال الإرهابية، «يجب أن يكون الهدف منها ترويع السكان على نحو خطر، أو إقناع حكومة أو منظمة دولية على نحو غير ملائم بالقيام بأي عمل أو الامتناع عن القيام به، أو زعزعة أو تدمير استقرار الهياكل السياسية أو الدستورية أو الاقتصادية أو الاجتماعية الأساسية لبلد أو منظمة دولية، بصورة خطرة». كما أن النص محدَّد جداً في توضيح ما يمكن اعتباره كدليل: «تسري تدابير السياسة الخارجية والأمنية المشتركة 2001/931/CFSP على الأفراد والجماعات والكيانات المتورطين في أعمال إرهابية وذلك عند اتخاذ قرار من قبل سلطة مختصة بحق الفرد أو الجماعة أو الكيان المتورط. وقد يتعلق هذا القرار بتحريك عملية التحقيقات أو ملاحقة قضائية لعمل إرهابي، أو محاولة تنفيذ أو تسهيل تنفيذ العمل الإرهابي اعتماداً على أدلة موثوقة وجدية، أو الإدانة بارتكاب هذه الأعمال الإرهابية. والمقصود بالسلطة المختصة هنا السلطة القضائية أو سلطة أخرى مختصة موازية حيثما لا تمتلك السلطات القضائية أي اختصاص في المنطقة».
ويلفت التقرير البحثي الى ان «النتائج التي طال انتظارها في ما يتعلق بالتحقيق البلغاري في تفجير الحافلة في بورغاس في تموز (يوليو) 2012، والتي نُشرت جزئياً في أوائل شباط (فبراير)، تعد مثالاً واضحاً يفي بمعايير التحقيق الذي تجريه «سلطة مختصة»، الأمر الذي أثار مناقشات أوروبية عاصفة بشأن فرض حظر على عمليات «حزب الله». وقد توصل التحقيق إلى أن الجناح العسكري للجماعة كان وراء الهجوم ا
لذي أدى إلى وقوع ستة قتلى ووُصف بأنه مؤامرة معقدة بقيادة خلية شملت مواطنين كنديين واستراليين. واشتكى بعض المسؤولين في الاتحاد الأوروبي إلى وسائل الإعلام بأن الأدلة الخاصة ببورغاس ليست حاسمة، لكن القرار لم يكن نتيجة حال واحدة فقط».

ادلة
يزعم التقرير وجود «أدلة كثيرة أخرى عن الأعمال الأخيرة لـ «حزب الله». ففي أواخر آذار (مارس)، على سبيل المثال، أدانت محكمة قبرصية المواطن اللبناني السويدي حسام طالب يعقوب – الذي كان قد اعتقل قبل أيام فقط من تفجير بورغاس – بتهمة التخطيط للقيام بهجمات ضد سياح اسرائيليين. وقد مثلت هاتان الحالتان وحدهما حجة أكثر إقناعاً للاتحاد الأوروبي من أي وقت مضى لكي يتخذ قرارا بإدراج «حزب الله» في قائمة المنظمات الإرهابية. ووفقاً لبعض المراقبين، فإن حادثتي بلغاريا وقبرص توضحان عودة «حزب الله» إلى القارة بعد عقود من توقف العمليات فيها. لكن «حزب الله» لم يغادر أوروبا أبداً. فلأكثر من ثلاثين عاماً، عملت شبكات الجماعة بشكل مستمر على استخدام الاتحاد الأوروبي كقاعدة لتجنيد الأعضاء وجمع الأموال وحيازة الأسلحة وأعمال المراقبة والقيام بعمليات عندما يكون ذلك ممكناً. وكانت الأدلة الخاصة بالأعمال المتعلقة بحوادث سابقة – في ألمانيا وسويسرا وإيطاليا وفرنسا وغيرها – أمراً مقبولاً بمقتضى قواعد «سي پي 931»، وهو الأمر بالنسبة الى المعلومات التي تضمنها قرار بريطانيا السابق الأحادي الجانب بحظر الجناح العسكري لـ «حزب الله». ولا يوجد سقوط بالتقادم في ما يتعلق بأعمال لجنة «سي پي 931»، (…). وعلى رغم أن اللجنة توصلت إلى استنتاج بأن الجناح العسكري لـ «حزب الله» قد تورط في أعمال إرهابية، إلا أن نتائج «سي پي 931» لا تؤدي تلقائياً إلى فرض حظر إجباري من قِبل الاتحاد الأوروبي. وحتى الفترة الاخيرة، لم يكن هناك إجماع بين الدول الأعضاء حول ما إذا كان إدراج تلك المنظمة يمثل سياسة جيدة».

نقاش
ويوضح ان «الدول الأوروبية تجنبت على مدار اعوام إجراء أي مناقشات حول إدراج «حزب الله» في لائحة المنظمات الإرهابية. وأثار بعضها حقيقة عدم تنفيذ الجماعة أي هجمات إرهابية في القارة منذ ثمانينيات القرن الفائت، في حين أبرزت دول أخرى أنشطة الرعاية الاجتماعية التي تقوم بها الجماعة ومكانتها باعتبارها الحزب السياسي المهيمن في لبنان. ووفقاً لبعض زعماء الاتحاد الأوروبي، فإن استهداف الأجنحة العسكرية والإرهابية لـ «حزب الله» من شأنه أن يزعزع استقرار لبنان حتى لو لم يتم تصنيف الجناح السياسي للجماعة ككيان إرهابي. وانتاب الحكومات الأوروبية القلق أيضاً من تعرض قوات حفظ السلام للخطر-  تلك القوات التي كانت قد ساهمت فيها هذه الحكومات في نطاق «قوة الامم المتحدة المؤقتة في لبنان» – وأن «حزب الله» قد يقوم بأعمال انتقامية ضد المصالح الأوروبية، فضلاً عن أن حظر الجناح العسكري قد يعيق إلى حد ما التواصل السياسي مع القيادة السياسية الحالية للمنظمة والقدرة على التأثير فيها. كما أثار آخرون حقيقة أنه ليس هناك جناح عسكري منفصل لـ «حزب الله»، وتساءلوا: كيف ستستطيع أوروبا فرض حظر محدود على جزء واحد من منظمة موحدة على رغم رفضهم تأييد الخطوة المنطقية التالية وهي حظر «حزب الله» برمته. إلا أن قرار الإدراج بمقتضى قواعد «سي پي 931» يخول فقط تجميد الأصول المحظورة للجماعة، بينما لا يمنع الاتصال مع أعضاء الحزب، كما أنه لا يشمل حظراً على السفر. وفي هذا الصدد، يوجد حظر على اجتماع المسؤولين الأوروبيين مع أعضاء حركة «حماس» بسبب القيود المفروضة من «اللجنة الرباعية الدولية حول الشرق الأوسط»، وليس بسبب قرار الحظر على الجناح الإرهابي للحركة بمقتضى قواعد «سي پي 931».

التأثيرات
يتطرق التقرير ايضاً الى ما يعتبره تأثيرات محتملة للقرار الاوروبي وآليات متابعته، فيلفت الى انه «على رغم التركيز الواضح على تجميد الممتلكات والأرصدة، إلا أن التأثير الأكثر أهمية للحظر الأوروبي سيكون ملموساً في جوانب أخرى:
أ- سيمكِّن ذلك الحكومات الأوروبية من بدء عمليات استخباراتية استباقية في خصوص الأعمال التي يمكن ربطها بأي طريقة بالجناح العسكري لـ «حزب الله». وبالفعل أجرت ألمانيا وعدد محدود من البلدان الأوروبية الأخرى تحقيقات كهذه، إلا أن قرار الإدراج سيحفز العديد من الدول الأخرى على اتخاذ قرارات مماثلة. ويشكل ذلك وحده تغييراً هائلاً ينبغي أن يجعل أوروبا مكاناً أقل جاذبية بكثير لعناصر «حزب الله».
ب- إن الحظر هو وسيلة قوية لإخبار «حزب الله» بأن أعماله الراهنة غير مقبولة وأن الاستمرار فيها ستصحبه تكلفة عالية. وسابقاً، كان قد سمح للجماعة بمزج أنشطتها السياسية وتلك المتعلقة بالرفاه الاجتماعي مع أنشطتها الإرهابية والإجرامية، الأمر الذي منحها وسيلة فاعلة لجمع وغسل الأموال إلى جانب قدر من الحصانة لأنشطتها المسلحة. ويجعل الإدراج الذي صدر في 22 تموز (يوليو) «حزب الله» ان يدرك بأن عمليات الإرهاب الدولي والجريمة المنظمة وعمليات المليشيات ستعرض شرعية الجماعة إلى الخطر كلاعب سياسي واجتماعي.
ج- أما بالنسبة الى الناحية المادية، فإن مصادرة مبالغ طائلة من أموال «حزب الله» تعد أمراً بعيد الاحتمال حيث إن الحسابات الخاصة بالمنظمة من المحتمل أن تكون مسجلة بأسماء أشخاص لا ينتمون إلى الجناح العسكري. ولكن الحظر سيعمل على الأرجح على تقييد أعمال جمع الأموال. وقد يتم منع بعض أعضاء الجماعة من السفر إلى أوروبا إذا أصبحت الحكومات أكثر جرأة في فتح تحقيقات جديدة، وقد يقلص قادة «حزب الله» بعض الأنشطة التي تقوم بها الجماعة في أوروبا خلال تقويمهم تأثير الحظر الكامل».

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق