صحة

الجلطة الوريدية… الدم حين يُصبح جماداً!

حين تحدث الجلطة الوريدية نقع في المكروه، ولحظة نقع في المكروه نتلو كل الصلوات لتُنجينا السماء من ارتدادات اللحظة، وقبل أن يحصل هذا وتلك نسمع عن الوقاية فنبتسم في سرنا مرددين بعبثية: فلنعش اللحظة! اللحظة تعبر مثل الريح، وفي لحظة، لا بل في أقل من لحظة، قد يحصل ما اعتبرناه بعيداً، وبين اللحظتين الأولى والثانية عمر يكرج كما اللحظة!

نُسهل على أنفسنا بتسميتها «الجلطة الوريدية» بينما هي علمياً: إنصمام خثاري وريدي! الأسماء الصعبة لديها دائماً تسميات أسهل لكن وقعها، بغض النظر عن ترددات لفظها، يظل واحداً شديداً!
تحت عنوان: «الوقاية من الإنصمام الخثاري الوريدي» تتحرك «باير» في حملات توعية. وتحت عنوان: «الجلطات الوريدية ومضاعفاتها» اقتحم طبيب القلب الأردني علاء العلاونة مكامن هذا المرض الذي يتأتى عن الركود الوريدي… فماذا يعني الركود الوريدي؟ متى يحدث؟ ولماذا يحدث؟

الثالث الاكثر شيوعاً
الإنصمام الخثاري الوريدي هو ثالث الأمراض القلبية الوعائية شيوعاً في العالم. إنه يحل ثالثاً بعد أمراض القلب التاجية والسكتة الدماغية. وهذا يحدث في وقت يُعد هذا المرض الأكثر قابلية لنتفاداه بين كل الأسباب الأخرى المؤدية الى الوفاة داخل المستشفيات. إمكانية الوقاية إذاً عالية فلماذا لا نتعلم، بعينين جادتين وأذنين صاغيتين، ما يمكن تفادي السقوط فيه صحياً الى القعر؟
تنظر الى قدميها، الى أسفل قدميها، الى ما تحت الركبة، فتشعر بتغير في اللون، بلونٍ أحمر ملفت. تضع يدها، تتلمس قدميها بأصابعها، فتشعر بدفء، بسخونة، ببعض الورم وبآلام مبرحة. ترفع القدمين ظناً منها أن ثقل الشحم الزائد والمفرط في جسدها يؤثر على قدميها وإذا استلقت سترتاح! لكنها لا ترتاح! أليس هذا، بصدقٍ، ما يحدث أمامكم؟ هكذا للأسف نتعامل كلنا مع حالات من هذا النوع شاطبين من حساباتنا، من علامات الجمع والقسمة والضرب، أن مرضاً نسميه الجلطة الوريدية قد يأتي على هذه الشاكلة ضارباً الأعضاء السفلية غالباً!

 

 


بين البعيدة والقريبة
إذا حدثت الجلطة تحت الركبة نسميها الجلطة البعيدة أما إذا حدثت فوقها فنسميها الجلطة القريبة، ومكان الإنطلاق هنا، المحور، المركز، هو القلب، فنقول بعيدة عن القلب أو قريبة منه! وهنا، في هذه الحالة، كما في الحالات الاجتماعية، من يكون أقرب الى القلب يكون خطره إذا تمرد أقوى وأشدّ! والجلطة تحدث في أحد الأوردة بسبب ضعف جريان الدم بسبب تجلط غير طبيعي تنتج عنه حالتان خطيرتان: الانصمام الوريدي العميق وهو عبارة عن خثرة دم في الأوردة العميقة، تكون عادة في الطرف السفلي وتعيق تدفق الدم جزئياً أو كلياً وقد تنتقل الى الرئتين مسببة الانسداد الرئوي ومن أعراضه: الألم والتورم واحمرار المنطقة المتجلطة وتوسع الأوردة السطحية ويمكن أن يُصبح الجلد ساخناً. أما في الحالة الثانية الخطيرة أيضاً فقد يحدث الإنصمام الرئوي، وفي هذه الحالة تسد خثرة دم وعاء دموياً واحداً أو أكثر من الأوعية الدموية في الرئتين وقد تسد هذه الخثرة الدورة الدموية ما يتسبب بوفاة مفاجئة أو بإصابة الرئتين وأعضاء حيوية أخرى من الجسم في شكل طويل الأمد. نذكر هنا أن ثلث حالات الوفيات بالإنصمام الخثاري الوريدي، أي نحو 34 في المئة منها، يكون سببها الإنصمام الرئوي المفاجىء المميت. ويفيد أن نعرف أن أعراض هذا النوع من الإنصمام تشمل: ضيقاً حاداً في التنفس وألماً في الصدر وسرعة في دقات القلب وسعالاً إفرازاته ممزوجة بالدماء. وفي النسب المعلنة تحدث وفاة من كل عشر وفيات في المستشفيات بسبب الإنصمام الرئوي.

الاكثر اصابة
هناك دائماً من هم عرضة للإصابة بهذا الداء أو بذاك الداء أكثر من سواهم… ماذا عن التجلط الوريدي؟ من هم عرضة لهذه الإصابة؟
تزيد امكانات الإصابة في المستشفيات، إبان الخضوع الى عمليات عظمية جراحية كبيرة من نوع استبدال ورك أو ركبة. احداهنّ كانت تخضع الى عملية تصغير معدة فأعطيت أيضاً إبر سيلان دم خشية أن تُصاب بتجلط. الوعي والاستدراك والوقاية هنا، في هذا المجال، ضرورية. وما يُفترض أن نتذكره كلنا أن خطر الإصابة بالإنصمام الخثاري الوريدي يظل قائماً نحو شهرين من تاريخ العمل الجراحي. المسنون يكونون عادة أكثر عرضة للإصابة. البدينون أيضاً. ومن يعانون من أوردة الدوالي أيضاً وأيضاً. النساء الحوامل قد يصبنَ بدورهن بالإنصمام الخثاري الوريدي. ومثلهن مرضى السرطان ومن يحبذون الخمول على الحركة والجلوس على المشي والراحة على الدينامية! في كل حال، تشير النسب المئوية الى أن نسبة التعرض لخطر الإنصمام الوريدي العميق قد تصل الى ستين في المئة بعد الخضوع الى عمل جراحي في حال لم تؤخذ الاحتياطات اللازمة. أما عند من هم دون سن الخامسة عشرة فلا تتعدى نسبة الإصابة خمس حالات من كل مئة ألف إصابة، في حين أنه بين كل مئة ألف مسن، فوق سن الثمانين، هناك 500 مصاب بالإنصمام الخثاري الوريدي.

التشخيص المبكر… صعب!
هل يمكن تشخيص الإصابة مبكراً؟ هل يمكن بكلامٍ آخر التحذير من الإصابة قبل الإصابة؟
صعبٌ جداً تشخيص مرض الإنصمام الخثاري الوريدي مبكراً لأن نحو نصف المرضى لا أعراض لديهم محددة، وهذا يعني أن تجنب خثرات الدم الوريدية من خلال الإجراءات الوقائية تبقى الطريقة الأقل كلفة والأكثر فعالية. لكن قد يفيد اعتماد بعض الخطوات من أجل الاقتراب من التشخيص بينها قياس نسبة تدفق الدم في الأوردة وبعض الصوّر التحليلية الأخرى واختبار الدم وتحليل الموجات فوق الصوتية «دوبلر» للأوردة التي يُرجح أن تكون مصابة.
سؤال يفرض نفسه: لماذا نتحدث اليوم عن هذا النوع من التجلط؟ لماذا نتناول موضوع الإنصمام الخثاري الوريدي في زمن تبدو فيه كل الآفاق شبه مسدودة وأبواب الموت مفتوحة؟
إننا نتكلم عنه لأنه إذا جمعنا أسباب الموت المتأتية عن أمراض البروستات وسرطان الثدي وحوادث السيارات يبقى عدد من يموتون بجلطة وريدية داهمة أكثر! هناك 540 ألف إنسان يموتون بهذا المرض سنوياً في أوروبا و700 ألف حالة جديدة. ويقدر الانتشار السنوي لحالات الانصمام الوريدي العميق في الولايات المتحدة الأميركية بنحو مليوني حالة سنوياً. عالمياً، يتسبب هذا المرض بوفاة شخص واحد كل 37 ثانية أي وفاة 843 ألف إنسان كل عام. ولعلّ الأمر الأسوأ هو أن بين عشرة الى 25 في المئة من حالات الإنصمام الرئوي هي حالات مميتة خلال مدة لا تتعدى الساعتين من بداية ظهور أعراضها. ونبقى في النسب لنُشير الى أن 6 في المئة ممن يعانون  من تجلطات في الأوعية العميقة السفلية يموتون في حين ترتفع هذه النسبة الى 12 في المئة بين من يصابون بجلطة رئوية.

العلاج
إذا سلمنا جدلاً بكل تلك المعلومات الطبية الموثقة يبقى السؤال: كيف يمكننا تجنب حالات الإنصمام الخثاري الوريدي؟ وهل من علاج ناجح وناجع؟
طبياً، تعتبر مضادات التخثر بحسب الدكتور علاء العلاونة، الحجر الاساس لعلاج وتفادي حدوث خثرات الدم المميتة المحتملة، غير أن بعض العلاجات التقليدية الشائعة قد تترافق مع بعض العيوب، فالنموذج التقليدي للعلاج مرتبط بحقن من يخضع الى عمل جراحي بمضاد للتخثر من نوع الهيبارين قد يتسبب بألم وانزعاج للمريض، كما قد تفعل هذه الحقنة ردة فعل سلبية ارتكاسية تُعرف باسم نقص الصفيحات الدموية وهذا ما قد يؤدي الى حالات تخثر جديدة أشد خطورة. والسؤال: هل من بديل؟ العالم يتطور. الطب يتطور. وطبيعي أن تولد مضادات وقائية جديدة تحمي من التخثر تُعطى بالتزامن مع الهيبارين يُفترض أن يسأل المريض طبيبه، قبل الخضوع الى العمل الجراحي، عنها! أفلا يُقال درهم وقاية خير من قنطار علاج؟! وهنا، يفيد أن نعرف أن بعض الأطباء يوصون، من هم عرضة للإصابة، باستخدام الجوارب الطبية ذات الضغط المتدرج المعروفة باسم جوارب ضد الجلطة.
إذا حصلت الجلطة الوريدية فإن إمكانية تكرارها خلال الأشهر الثلاثة الأولى تصل الى اثنين في المئة، أما إمكانية أن تتكرر عند من أصيبوا بجلطة سفلية عميقة ولم يتعالجوا فتتجاوز نسبة الخمسين في المئة ويمكن أن تكون في المرة الثانية أسوأ!
هي، في المفهوم الشعبي، جلطة لكن لها، في القاموس الطبي، أسباب. أحموا أنفسكم من المسببات فتُبعدون عن أنفسكم الجلطات!

نوال نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق