رئيسيسياسة عربية

ايران «تغازل» حماس لاستعادتها الى الصف الممانع

فيما حركة «حماس» تعيش ظرفاً من اصعب ظروفها السياسية بفعل التطورات المتسارعة الاخيرة على الساحة المصرية، واعتبار النظام المصري الجديد الحركة الاسلامية جزءاً من حركة «النظام الاخواني» المعزول رئيسه محمد مرسي قسراً، فوجىء الوسط السياسي والاعلامي خلال الايام القليلة الماضية بورود نبأ فحواه ان اتصالات تجري بين الفصيل الثاني على الساحة الفلسطينية من جهة، وطهران و«حزب الله» من جهة اخرى، بهدف اعادة ترتيب الامور، واستطراداً اعادة العلاقات الى سالف عهدها بين الجانبين اللذين كانا في محور واحد، كان يراه البعض متيناً غير قابل للانفراط حتى ساعة اندلاع نيران الاحداث في الساحة السورية.

ان اعتراض الحركة على نهج النظام السوري في قمع المجموعات المحتجة والمعارضة، ادى الى خروج قيادة الحركة من الملاذ الذي تحصنت فيه على مدى اكثر من عقدين من الزمن، ومحاصرتها بالاعتراض لاحقاً على اداء هذا النظام مما فتح الباب امام افتراق تدريجي بينهما وبين طهران و«حزب الله»، ولا سيما بعد ان سارع هذان الطرفان الى اعلان الدعم الكامل لنظام الرئيس بشار الاسد وهو يواجه شراسة خصومه.
الافتراق لم يكن كاملاً، اذ حرص الجانبان على ابقاء خيوط التواصل ولو الخفية الواهنة موصولة بينهما. طهران والحزب رأيا حاجة ملحة لابقاء صلتهما التاريخية مع الحركة الاسلامية، خصوصاً ان ايران تعتبر الحركة مدخلها وبابها الى القضية المركزية للعرب المسلمين قضية فلسطين. وكذلك الحزب.
اما الحركة نفسها، فإنها عاشت نوعاً من التناقض والتباين الداخلي حيال مستقبل علاقتها بطهران و«حزب الله»، اذ ان ثمة فريقاً اساسياً في قيادة الحركة وقاعدتها اصر على عدم قطع حبل العلاقة نهائيا مع هذين الجانبين، خصوصاً ان هذا الفريق لم يشأ ان يضع كل اوراقه في سلة واحدة هي سلة الدوحة والقاهرة، لان كليهما له ظروفه وارتباطاته وتعهداته ومعاهداته مع اطراف خارجيين، وهو ما من شأنه اما ان يفرض على الحلفاء الجدد للحركة سياسات ومواقف والتزامات معينة، واما ان هؤلاء الحلفاء لا يمكن لهما ان يذهبا في دعمهما المالي والسياسي والعسكري للحركة الى الحدود التي كانت تذهب اليها ايران و«حزب الله»، وخصوصاً ان الحركة ظلت على اللائحة الاميركية والاوروبية للمنظمات الارهابية ولم يكن من السهولة بمكان ان يقيم قادتها علانية في القاهرة والدوحة، ويمارسون نشاطاً معلناً وفاعلاً ويطلقون التصريحات والمواقف التي تتماشى مع نهج الحركة.

شعرة معاوية
«حماس» نجحت في الاحتفاظ بخيط علاقة مع ايران و«حزب الله» وابقت على مكتبها الرئيس في بيروت في الضاحية الجنوبية معقل «حزب الله»، وابقت ممثلها مقيماً في طهران، وشاركت في مؤتمرات عامة نظمتها الحكومة الاسلامية في طهران، ظلت من حين الى اخر تكشف عن انها ما زالت تتلقى اموالاً من النظام الاسلامي في العاصمة الايرانية وان كانت المبالغ المرصودة اصلاً قد تضاءلت.
وفي مقابل ذلك، كانت تفرط في اظهار معارضتها لممارسات النظام السوري وادائه، بل كانت غزة تشهد انشطة وتظاهرات مؤيدة للثائرين على النظام في سوريا، وان ظلت تنفي ان يكون بين هؤلاء الثائرين من هو منتم اليها، او محسوب على جناحها العسكري، ولا سيما في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وخصوصاً مخيم اليرموك حيث كانت اجهزة النظام السوري وحلفاؤه تتحدث عن توسط للحركة مع المجموعات المعارضة للنظام.
لم تندم «حماس» على مغادرتها سوريا، بل ان احد ابرز قادتها موسى ابو مرزوق اعتبر ان قرار هجران العاصمة السورية بعد نحو  6 اشهر على اندلاع الانتفاضة في سوريا كان قراراً «صائباً».
ففي الوقت الذي كان رئيس المكتب السياسي خالد مشعل ومعه رموز اخرون يغادرون العاصمة السورية بلا عودة، كانت بوادر صعود «الاخوان المسلمين» في تونس ومصر الى رأس هرم السلطة تظهر تدريجاً، بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي ونظام حسني مبارك في اعقاب انتفاضتين عارمتين قام بهما شعبا تونس ومصر.
فتنظيم «الاخوان المسلمين» في كلا البلدين كان التنظيم الاعرق والتنظيم الاكثر تجذراً وانضباطاً وفاعلية، ويمتلك قدرات كبرى للترقي الى قمة السلطة والامساك بمقاليدها. وبذلك كانت حركة «حماس» على يقين من انها تغادر حضناً وملاذاً كان لها لسنوات آمناً ورافداً الى احضان اخرى تتجانس واياها في العقيدة الفكرية والسياسية، لان ما من احد لا يدرك ان «حماس» هي الامتداد الاخواني على الساحة الفلسطينية وهي جزء لا يتجزأ من التنظيم العالمي للاخوان.

في ظل حكم مرسي
لأقل من سنة، عاشت «حماس» هانئة تحلم بالتقدم والتطور في حضن النظام الاخواني في مصر برئاسة محمد مرسي، وعقدت مؤتمرها العام الاخير هناك برعاية اجهزة النظام الاسلامي، ولقيت الحركة رعاية من نظام مرسي ابان الحرب الاسرائيلية الاخيرة على غزة وقطاعها.
وبدا واضحاً ان النظام المصري المعزول اخيراً، كان يأخذ بيد الحركة ويعطيها اولوية ورعاية خاصة فاقت رعايته لحركة «فتح» وسلطتها الحاكمة، ولا سيما ان القاهرة دفعت بالمصالحة بين الفصيلين المتناحرين طوال اشهر عدة.
وفي تونس، كان الرمز الاخر لـ «حماس» اسماعيل هنية يستقبل استقبال الرؤساء في عهد حكم «حركة النهضة» بزعامة راشد الغنوشي.
وفي كل الاحوال، كانت الدوحة مربط الفرس لقيادة الحركة فهي تشملهم برعايتها وتؤمن لهم فرص الحماية.
لكن هذا العصر الذهبي لم يدم طويلاً، اذ ادى انقلاب الامور في القاهرة خلال الاسابيع القليلة الماضية الى جعل الحركة التي كان لها موقع الصدارة والرعاية، في موضع الاتهام، اذ عاملها اعلام النظام الجديد برئاسة عدلي منصور على انها جزء من النظام المعزول واتهمها بدعمها النظام على كل المستويات. وشنت محطات التلفزة المصرية ووسائل الاعلام  المكتوبة حملات طاولت الحركة على مدى ايام، فيما كانت القوات المصرية المرابطة على حدود غزة تبادر الى ردم كل الانفاق الممتدة من صحراء سيناء الى غزة تحت ذريعة انها تمد فلول نظام مرسي بدعم المقاتلين والاسلحة.
وبين ليلة وضحاها، اضحت حركة «حماس» متهمة بالاعتداء ومرذولة، وانها تشكل احد الاخطار المستقبلية في صحراء سيناء التي يعمل الجيش المصري على «تحريرها» من المجموعات السلفية المسلحة المتمردة.
واللافت ان القاهرة وضعتها في خانة واحدة مع المعارضين السوريين اللائذين الى ارض الكنانة، مما اعاد الى اذهان قيادات الحركة مرحلة نظام حسني مبارك الذي كان يضيق الخناق على غزة وقطاعها ويذل قاطنيها، وخصوصاً بعدما اضحت هذه المدينة تحت حكم حركة «حماس» منذ عام 2007.
ولم يخفف من وطأة الحملة المصرية على الحركة الاسلامية نفي الحركة رسمياً التهم المصرية المساقة ضدها وتأكيدها على انها لم تكن في يوم من الايام عدوة لمصر ووصفها قرار حبس مرسي بتهمة التخابر مع «حماس».

شماتة «فتح»
واللافت في ظل هذا الوضع كله ان المنافس الاساسي لـ «حماس» على الساحة الفلسطينية وهو حركة «فتح»، بدأ يسلك سلوك الشامت بالحركة الاسلامية ويبدي تعاطفاً مع النظام المصري الجديد منذ عزل مرسي الى درجة ان السلطة الفلسطينية سمحت بتظاهرات مؤيدة للنظام الجديد في القاهرة.
وكان واضحاً من ذلك ان «فتح» تبعث برسالة الى من يعنيهم الامر انها تستدرك اخطاء «حماس» وتتدارك تداعيات انحيازها المعلن الى جانب نظام مرسي المعزول.
هذا الامر اثار استياء «حماس» ودفعها الى اتهام غير مباشر لـ «فتح» باستغلال التطورات المتسارعة على الساحة المصرية بغية تشويه صورتها وايجاد الوقيعة بينها وبين السلطات المصرية.
وثمة من بات يخشى ان تكون هذه التطورات المتسارعة في مصر والتحولات الدراماتيكية في نظامها، مناسبة بغية عدم استكمال رحلة المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية التي كان نظام مرسي قد رعاها وهي في مهدها وامن لها فرص التقدم وتجاوز العديد من العقبات والمعوقات.
ومع ذلك بقيت عملية المصالحة عملية هشة وغير مضمونة النتائج، ولا سيما بعدما رفعت حركة «حماس» صوتها بالمعارضة المطلقة لتوجه «فتح» للعودة الى طاولة المفاوضات مع الاسرائيليين اثر الضغوط والوساطات المكثفة التي مارسها وزير الخارجية الاميركي جون كيري.

فرصة للعودة
وحيال ذلك، فإن السؤال المطروح بإلحاح لدى المراقبين هو: هل يكون كشف طهران عن عودة حبل التواصل بينها وبين حركة «حماس» في هذه المرحلة بالذات بمثابة اعطاء الحركة الاسلامية فرصة للعودة الى الحضن الذي غادرته ولاعادة الاعتبار لخيارها السياسي السابق اي خيار محور الممانعة؟
وعليه، فإذا كانت طهران يسرها جداً ان تعيد الامساك بقرار «حماس»، فإن ثمة من يسأل: هل ما زال بمقدور هذه الحركة ان تقطع الجسور الجديدة التي بنتها والخيارات المختلفة التي اخذتها وبالتالي تعود الى سيرتها الاولى؟
في كل الحالات «حماس» تعيش في وضع صعب جداً، خصوصاً بعد خروجها القسري من القاهرة بعدما خرجت طوعاً من دمشق، قبل اكثر من عام ونصف العام.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق