آدب

ياسين الأيوبي: وجه لبنان الشعري في مرحلة زمنية محددة

كثرت الكتب والمعاجم والموسوعات الأدبية الصادرة في لبنان اخيراً، أي منذ التسعينيات من القرن الماضي وحتى اليوم، أذكر منها: معجم المؤلفين (في الشوف والمتنين وقضاء عاليه) – معجم أسماء العلم في لبنان – موسوعة أدباء لبنان وشعرائه – وجه لبنان الأبيض (معجم القرن العشرين) – موسوعة أعلام الأدب العربي المعاصر (سِيَر علمية وذاتية) – ديوان الشعر الشمالي في القرن العشرين – المؤلفون العرب المسيحيون (من قبل الإسلام الى اخر القرن العشرين) – وغيرها… أما أحدث ما صدر في هذا المجال، فهو العمل الموسوعي الجديد «شعراء لبنان في النصف الثاني من القرن العشرين» الصادر عن «رشاد برس» في بيروت، بعناية ومشاركة الدكتور ياسين الأيوبي، ويتألف من ثلاثة مجلدات ضخمة، في تجليد فني فاخر، تتناول سِيَر ومؤلفات شعراء لبنان في مرحلة زمنية معينة ومحددة، بلغ عددهم 452 شاعراً وشاعرة. بعض هذه الاعمال الموسوعية، كانت بحاجة الى معلومات أكثر دقة، وكان بإمكان كتّابها مراجعة اصحاب الشأن، بغية تفادي الثغرات التي وقعت فيها. وهنا يتحدث الدكتور ياسين الأيوبي حول عمله الموسوعي الجديد «شعراء لبنان».

كيف راودتك فكرة تحقيق مثل هذا الكتاب «شعراء لبنان في النصف الثاني من القرن العشرين» وهو بمثابة موسوعة ضخمة تتألف من ثلاثة مجلدات؟
منذ زمن طويل وأنا متشوق لأرى كتاباً جامعاً لسِيَر شعراء لبنان وأطايب قرائحهم، ومعصور وجداناتهم… وما هي إلا مناسبة ثقافية اعتليت فيها المنبر، لتقديم نشاط شعري ضمن أنشطة «منتدى طرابلس الشعري»، منذ ما يقرب من خمس سنوات، حتى وجدتني اعلن عن خطة لتفعيل هذا (المنتدى) في المنظور الزمني القريب، ومن بين عناوينها، كتاب كبير يجمع بين دفتيه كل شعراء لبنان في النصف الثاني من القرن العشرين.
ومرّت أعوام، رحت فيها – في البداية – أسائل نفسي كيف لي ان احقق ذلك، والعين بصيرة واليد تكاد لا تصل الى تخوم طرابلس أو أقضية الشمال عموماً، فكيف، والأمر يطاول كل لبنان بمحافظاته الخمس وأقضيته الاثنين والعشرين، ما عدا العاصمة بيروت؟

بدء ولادة الفكرة
وكيف بدأت في تحقيق هذه الفكرة، وبالتالي هذا المشروع الأدبي الكبير؟
بدأت العمل الحثيث والجهد الدؤوب، وكانت أولى الثمار: «الحركة الشعرية في منطقة الضنّية» بشمالي لبنان، تمكنت من نشرها في مجلة «قطوف» التي كان يصدرها «منتدى طرابلس الشعري» لعددين متتابعين، وكانت نموذجاً، حرصت على أن يُقتدى بها لدى الذين اتصلت بهم للمساعدة وتحضير ما رسمته. فكانت تصلني الكتابات أولاً بأول، فأراجع وأدقّق، وأنقّح، وأعمل قلمي في كل نقص، سواء في النصوص الشعرية أم الاضواء المحيطة بهذه الدراسة او تلك. وما اكثر ما كنت أُنبّه على الدقة في المعلومات، والامانة في الاحاطة بكل شاعر له حضور ما، حتى ولو لم يصدر له ديوان او قصيدة… فقد يكون منطوياً لا حظ له في النشر او الشهرة… وقد تحصّل لديّ عدد وافر من هؤلاء الشعراء الصامتين المنزوين في ظلال الحياة وهوامشها، ولعلي مُباهٍ بالكشف عن هذه الفئة المهمّشة من الشعراء المبدعين، ولكن من غير صخب او ضوضاء…

منهجية العمل
كيف تحدد منهجية هذا العمل؟
يمكن تصنيف العمل في كتابنا الى نسقين رئيسين من الاعداد: النسق الاول – وهو الغالب – اعتمد على الترجمة الذاتية لكل شاعر، ومع ذكر اهم الاغراض التي تناولها، وما تيسّر من قطوف مختارة من شعره… مثالنا على ذلك: الشعر في بلاد جبيل، والكورة، بقسميها الثاني والثالث…
والنسق الثاني، اعتمد على الدراسة العامة لشعراء القضاء او المنطقة وتبيين الموضوعات التي تناولها الشعراء، وما رافق ذلك من آراء موضوعية في هذه الموضوعات، وشواهد شعرية دالّة تؤكد الصبغة العامة او الخاصة في تناول الاغراض الشعرية. مثالنا على ذلك، الحركة الشعرية في منطقة الضنية، وعكار، والجنوب، والقسم الاول من شعراء الكورة. والسبب الذي جعل الفريق الثاني يُعنى بالاغراض والاساليب، هو العنوان العام الذي انطلقت منه مسيرة الكتاب ألا وهو: «الحركة الشعرية في لبنان…» وفقاً للأقضية والمناطق… لذلك رأينا هناك عدداً من الكتّاب تمسكوا بهذا العنوان، وعالجوا محاورهم من خلاله ولم أتدخل، تاركاً لكل كاتب باحث الخيار الذي يراه لطرح ما نحن بصدد الوصول اليه، وهو وجه لبنان الشعري في المرحلة الزمنية المحددة، وبذلك جنّبنا السمة المعجمية او القاموسية عن كتابنا الذي هو أقرب الى الموسوعة. والاحاطة العامة بالشعر والشعراء…
وهناك نسق ثالث يجمع بين الترجمة والموضوعية، ونجد ذلك في غير منطقة، كما هي حال شعراء بيروت وطرابلس والبترون.

مشهد شعري عام
… وبالنسبة الى طبيعة هذا العمل؟
بالنسبة الى طبيعة العمل فهو بالدرجة الاولى توصيف
 وتوثيق، مُتجنبين ما وسعنا، كل انماط النقد والتصنيف وما يتعلق بالاحكام والآراء الشخصية في نتاج هذا الشاعر أو ذاك. لغة وأسلوباً الا في ما ندَر. فكتابنا ليس دراسة او تقويماً لشعراء لبنان، ولا حتى تحليلاً لأشعارهم…
غرضنا الرئيسي، الكشف والابانة عن المشهد الشعري العام الذي ساد هذه المنطقة او غيرها، من خلال حركة الشعر والشعراء فيها، واستخراج ما يمكن من دور في رسم صورة الحياة الاجتماعية وتكوين عناصرها واحوالها، سواء أكان ذلك على الصعيد الوطني العام ام الذاتي الخاص… وليس كالشعر ما يترجم ويشرح ويوحي.

نظرة الناقد
كيف تنظر الى هذه الموسوعة من خلال عين الناقد؟
قد يلاحظ القارىء فروقاً بيّنة في الكلام على هذا الشاعر او ذاك. او هذه المنطقة او تلك، فنجد شعراء شحّت لديهم النماذج الشعرية. وآخرين فاضت الصفحات بأشعارهم…
الجواب لا يخرج عن عاملين، الاول: صعوبة الوصول الى المصادر الشعرية، والثاني: تقاعس الكتّاب عن التوسع والايفاء الموضوعي المطلوب… فأبقيت على حجم المادة التي قدّمت كما هي، مع بعض التدخل لجهة الحذف، او التوسّع الممكن، الذي أتيح لي فيه.

الشعر فقط
هل في وسعنا القول، ان هذه الموسوعة تعتبر رائدة في هذا المجال؟
لا بدّ من الاعتراف بأن ما قدّمناه في كتابنا، لم يكن ريادة في بابه، فقد صدرت كتب مشابهة تناولت ما يشبه المسح الادبي العام، اما على صعيد لبنان عموماً، واما على صعيد المناطق، واذكر منها على سبيل المثال: موسوعة ادباء لبنان وشعرائه (اعداد الدكتور اميل يعقوب) – وجه لبنان الابيض: معجم القرن العشرين (عناية الدكتور طوني ضو) – موسوعة أعلام الأدب العربي المعاصر (سِيَر علمية وذاتية) الصادرة عن مركز الدراسات للعالم العربي المعاصر، في الجامعة اليسوعية في بيروت، باشراف الدكتور روبرت كامبل (جزءان كبيران) – ادباء طرابلس والشمال في القرنين التاسع عشر والعشرين، للدكتور نزيه كبارة – ديوان الشعر الشمالي في القرن العشرين، للمجلس الثقافي للبنان الشمالي، عني به الباحث الراحل الدكتور محمد قاسم.
وغير ذلك من كتب ومعاجم وموسوعات اخرى، لبنانية وعربية…
لكنها – كما نرى – كانت عامة وجامعة بين النثر والفكر والشعر، او مناطقية. ولم يصدر كتاب واحد مختص بالشعر في لبنان بهذا التوجّه والاحاطة والتمثّل بالشواهد الشعرية المعبّرة.
ولم أشأ ان تتسع المساحة الزمنية اكثر من نصف قرن او يزيد، لكي لا نقع في الاختصار والتكثيف، ومخافة اطالة حجم الكتاب، والوقوع في المعجمية.

بعيداً عن الشعر المنثور
كيف تصرفت مع النصوص التي سلّمت اليك؟
لا ابالغ اذا قلت – وبأمانة متناهية – ما من نص او مادة او ترجمة… سلّمت اليّ الا وكان لي من الجهد والمعاناة، ما يساوي جهد الكاتب، ضبطاً لنص، وتصويب الخطأ الشكلي والسياقي، واصلاح الكثير الكثير من اخطاء العَروض في النصوص الشعرية، لدرجة أقِرّ بها – بتواضع – ان هناك عدداً من الشعراء خضعوا لعمليات تجميل… والمعروف ان كتابنا لم يلتفت الى الشعر المنثور اطلاقاً، ولا الى اشعار الزجل او الشعر بالمحكية اللبنانية، مُرجئين ذلك الى كتب اخرى يمكن اعدادها لهذه الاغراض.
والسبب الذي جعلني اقوم بالاصلاح والتجميل، القيمة الادبية العالية التي يتمتع بها بعض الشعراء.

هل تحقق الحلم؟
هل باستطاعتي القول، ان الحلم الذي راودك في تحقيق مثل هذا الكتاب اصبح حقيقة؟
وبدوري تساءلت: هل أراني بلغت ما وضعته نُصب عيني، ذات يوم، عند شخوص الرغبة في اصدار هذا الكتاب، وقد تحقق الحلم واصبح حقيقة؟
لا اراني كذلك، لانني ادرك جازماً، ان اسماء كثيرة لها قدرها الكبير وقاماتها الشعرية العالية، لم ترصدها العين. وغفلت عنها الذاكرة. وهل يَسلم عمل من هذا النوع، من التقصير والسّهو؟
وحده، جَلّ عُلاه، المحيط البصير بكل شيء!!.

اسكندر داغر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق