جوزيف مفرّج: نحن في بلد تتوالى فيه معارض الكتب وكتّابه مهمشون
يعتبر الأديب والقانوني جوزيف لحود مفرّج، من حملة الأقلام المستنيرة في لبنان، ومن الذين يؤمنون بدور الثقافة في بناء الانسان المثالي والوطن الحضاري. ومن المؤمنين أيضاً، بأن الثقافة بقدر ما هي نصوص مكتوبة، فهي قبل كل شيء، حركة ميدانية دائمة، ولا بدّ من الجمع بينهما، بغية صناعة المستقبل الذي يليق بالانسان وكرامته. انطلاقاً من هنا، أنشأ جوزيف مفرّج «دلب كاونتري كلوب – ثقافة»، كما سبق له أن أنشأ «دار الأجيال للدراسات والنشر»، وهكذا جمع بين المنبر والكتاب، بين التجربة الحياتية والكلمة المكتوبة، بين الفكر والمسؤولية، بحثاً عن الحياة الأفضل من كل نواحيها. والآن، لماذا «دلب كاونتري كلوب – ثقافة»؟ ولماذا «دار الأجيال» وآخر ما صدر عنها؟
عن السؤال الأول يقول:
بكل بساطة: لأنها الثقافة – المشروع، وليس الثقافة الخطاب والاستعراض. لأنها الفكر الخلاّق المبدع والاشراقات الانسانية. لانها المعرفية المسؤولة الملتزمة كرامة الانسان ودوره الحيوي في وظيفية التكامل المجتمعي. لأنها ثقافة المتخصص والمربي والحِرفي والصناعي والمزارع والتاجر. لأنها ثقافة السياسة وليست تسييس الفكر. لأنها الثقافة – القضية. لأنها ثقافة التواصل بين الماضي وفهم الحاضر لاستشراف المستقبل.
لأن التنظير ومرارة الخيبات وجدلية السجالات، لا تواجه تحديات التكنولوجيا، هذا المارد الذي خرج من قمقمه، وبات التحكّم به من المستحيلات. او الاقتصاد المستعبد والمستبد بمصير الشعوب. أم تخمة المتعلمين وفيض المعلومات وأزمة توظيف العلم والمعلومة!
أسئلة…
ويتساءل جوزيف مفرّج؟
أين نحن من رياح التغيير وبروق العولمة في بلد يشهد كل يوم توقيع اصدارات كتب جديدة، ولا يشهد قارئاً يتمحص ويدقق؟ في بلد، تتوالى فيه معارض الكتب على مدار السنة، وكتّابه مهمشون. وكتبه تزيّن واجهات البيوت، ولا تزيّن الوعي المفترض؟ في بلد تعدّدت منابره وطوائفه وولاءاته، وليس من آلية صادقة واضحة لقاسم مشترك إلا المجاملات والتسويات، وعندما يحل استحقاق، يُعيد التاريخ نفسه وتحلّ المأساة؟
أين نحن من المستقبل المجهول لأجيالنا الطالعة؟ فالجيل الذي اصبح اليوم كهلاً، حصد الدم وهو في مطلع شبابه وزخم عطائه، نتيجة الاشواك التي زرعها العهد الاستقلالي الأول الذي لم يبنِ وطناً.
وماذا بعد؟ أنورِث شباب اليوم ما ورثناه عمن سبقنا؟ اسئلة مصيرية تطرح نفسها، وغير مسموح لي كمثقف الاكتفاء بالتشكي على الغير والاعلان عن العجز والاستسلام،. قد تبدأ مسيرة بناء مستقبل الوطن بغرس وردة أو أرزة على طريق ضيعتي، او زرع بسمة على وجه مقهور.
غلّة عمر
ما آخر اصدارات «دار الاجيال»؟
موسوعة «خمسون سنة في خدمة الحق والقانون» هي بعض من غلّة عمر في الدرس والتمحيص والاجتهاد القانوني. فمهنة المحاماة رافقت الانسان مُذْ وَعى حاجته الى ممارسة حقوقه وواجباته في المنظومة الانسانية المجتمعية. حتى في البيئة البدائية وقبل ان تنتظم وتتطور القوانين، كان المتقاضون يستعينون بمن كان راجح العقل، طليق اللسان،، بارع الحجّة.
موسوعة قانونية
ما الهدف من اصدار «دار الاجيال» لهذه الموسوعة القانونية؟
بصفتي صاحب مؤسسة «دار الاجيال» التي تأسست سنة 1973، حيث كانت وما زالت الاسباب الموجبة لتأسيس الدار، نشر دراسات وأبحاث معاصرة معمقة، وتوثيق الانشطة الادبية والثقافية، وحفظ الذاكرة الشعبية والحضارية، بالاضافة الى الاصدارات العلمية، وعلى الأخص علم القانون، لان الثقافة القانونية أمست حاجة اساسية في زمن «القرية الكونية» وانفتاح الشعوب والدول والاعمال على بعضها البعض، مما يفترض وعياً اكبر واعمق في التعاطي والتعامل مع ما يقتضيه التنامي السريع وازدياد المتطلبات.
وانسجاماً مع ما نطمح اليه من خروج عن التقليد والاكتفاء بتدوين اجتهادات المحاكم واستحضار المواد والتشريعات القانونية، كان لا بد من توحيد الجهد مع المحامي روبير الشويري وببادرة مشكورة منه، استعدنا مراجعة ملفاته القانونية المحفوظة منذ سنة 1950 والحافلة بشتى المسائل القانونية والمطالعات والاجتهادات، اذ هو صاحب باع طويل في المسائل الادارية بحكم وكالته عن العديد من الادارات، كالدولة، ومجلس الجنوب، ووزارة الدفاع، ونقابة المهندسين، واتحادات بلديات المتن، وبلدية برج حمود وانطلياس والنقاش، والعديد غيرها… الى جانب الملفات والدعاوى العقارية والجزائية والمدنية…
وحتى لا يطول التعداد، اكتفي بالقول، اننا عملنا طيلة سبع سنوات على اعادة صياغة هذه الملفات ببلاغة، قوامها البساطة، لتمتاز بالسهل الممتنع، مع الحفاظ على هيكلية الدعوى، بعيداً عن الحشو واللوائح وجدلية المحاكم ولزوم ما لا يلزم، فكانت الحصيلة عشرة مجلدات، بما فيها «دليل المجموعة القانونية» وقد وضعتها مؤسسة «دار الأجيال» في التداول، آملين ان تلاقي استحسان اهل القانون وكل المعنيين بالثقافة القانونية.
من هو؟
من هو صاحب هذه الموسوعة القانونية؟
هو ابن الدكتور يوسف الشويري الطبيب النابغة، صاحب السيرة والمسيرة الرسولية الموثقة في كتاب «ظاهرة طبية من بلادي»، وشقيق ابرهيم الشويري، رئيس مجلس الخدمة المدنية الاسبق.
وهنا لا بدّ لي من الاشارة الى انني لم أفقه مقاصد المحامي الشويري من مطالعاته وملفاته القانونية المحفوظة منذ سنة 1950 الى اليوم، الا بعد ان جلست الى مكتبه اقرأ واستفيض، فأتهيّب العمل المسؤول فترسّخت قناعتي بجدوى نشر هذه الدراسات الحقوقية ليستأنس بعطاءاتها المجتهدون في القانون على اختلاف مواقعهم وأغراضهم.
بعد نصف قرن
بقي التساؤل الملحاح عن حفظ هذا الكمّ من الدعاوى والمطالعات بترتيب مدروس على مرّ الخمسين سنة، أمصادفة أم حكمة؟
كلما تقدّمت في الاطلاع والاستطلاع، توضح لي ان من يعش في النور يُفاخر بأعماله، لانها تمجيد للحق والحياة! بينما الباطل احابيل ظلم وظلامة، تلبس سواد الظلام تستراً وخجلاً.
السماء تفرح بالعدل، وتنصر التعب المضني في طلب الحقيقة، فباركت الجهد والجهاد الطويل ليبقى شاهداً ومنهلاً لظمآن، لا بل، بستاناً تنوّعت فاكهته وأينعت، وللزائر اختيار ما لذّ له وطاب!
يقول أندريه موروا: «البرهنة بكلام رديء كالوزن بمعيار مزيّف».
اما المعيار الذي يعتمده المحامي روبير الشويري في بنية لوائحه ومطالعاته فهو حساس كمعيار الذهب! اجتهاداته محكمة، براهينه قاطعة، ترابط افكاره من دون حشو وتعقيدات، إحاطة شاملة، دقة في بلوغ الهدف.
توضيح المبهم
كيف تحدّد دور المحامي؟
ازداد التشريع واستحداث القوانين بازدياد وتشعّب أنشطة الناس، فأصبحت مهمة القاضي أعسر وأصعب، وبرز الدور الاساسي والدقيق للمحامي في الدرس والتحضير ليستقي وسائل دفاعه ويستنبط اسباب دفوعه من المصادر جميعها، والتوفيق بين القديم والحديث. فمهارة وبراعة المحامي تسهم في تيسير العسير، وتوضيح المبهم، وتقويم الملتوي، عندما يُدرك دقة وخطورة مهمته، وما تقتضيه من امانة وعلم وثقافة ومثابرة وصبر طويل، على الاخص اذا ازدحم الجواب على بعض المسائل القانونية وبعض النصوص القابلة لأكثر من تفسير.
مهنة المحاماة
الأ ترى، ان مهنة المحاماة فقدت بعض بريقها؟
لا نغالي اذا قلنا ان مهنة المحاماة فقدت حيّزاً من حظوتها وبريقها لاكثر من سبب. قد تكون التقنيات الالكترونية الحديثة احداها، اذ تسهّل التعاطي مع الوسائل القانونية باعتماد نماذج عامة تسهل مكننتها، لكنها لا تفي بالغرض المطلوب، حيث المهم توظيف المعلومة، والاهم الجهد الذاتي والتوجه المنطقي والاسلوب في تقديم المراجعة بلغة صحيحة فيها الحد الادنى من الاخطاء، وهيكلية محكمة الربط والتنسيق من دون اسفاف، وببيان لا يتفلت من الوضوح والايجاز والدقة لئلا يساء الى فكر او حق لم يُعرض بالقالب القانوني السليم الذي له أثره الكبير على مسار الدعوى.
على كل، ارجو ان تكون هذه المجلدات التسعة، مضافاً اليها الفهرس، محاولة مخلصة تجمع العلم والاجتهاد والثقافة القانونية انسجاماً مع اصالة مهنة المحاماة وعراقتها.
اسكندر داغر