رئيسيسياسة عربية

«حماس» رتبت بيتها و«فتح» وقعت في المطبات

يسود على الساحة الفلسطينية منذ فترة انطباع فحواه، ان حركة «حماس» احد الطرفين الاساسيين في هذه الساحة، نجحت في الآونة الاخيرة والى حد ما  في اعادة ترتيب بيتها التنظيمي الداخلي، وباتت امام مهمات وتحديات جديدة، فيما الطرف الثاني في هذه الساحة اي حركة «فتح» دخل في لجة «ازمة» جديدة تضاف الى سلسلة الازمات التي تعاني منها الحركة وعنوانها العريض اختيار خلف لرئيس الحكومة المستقيل سلام فياض، الذي دفعته كوادر الحركة السياسية مكرهاً الى مغادرة الموقع الذي يشغله منذ اكثر من 5 اعوام، وبالتالي بات امام مهمات اخرى وتحديات مختلفة.

قبل ايام عدة، اختتم المكتب السياسي الجديد لحركة «حماس» اجتماعات كان عقدها في الدوحة، وشارك فيها رئيس المكتب خالد مشعل ونائبه الجديد اسماعيل هنية.
الاجتماعات كما صار معلوماً هي بحد ذاتها تكريس وتتويج لامرين اساسيين عاشت الحركة تحت وطأتهما لحقبة من الوقت.
الاول: انه تسليم راية القيادة الاولى في الحركة الاسلامية مجدداً لمشعل، بعد ان كان هذا الرجل الذي يشغل هذا المنصب منذ اكثر من 12 عاماً، قد اعلن صراحة انه سيخلي مكانه لسواه عملاً بمبدأ تداول السلطة، وهو امر فتح الباب واسعاً امام تكهنات وتحليلات عدة حول مصير زعامة هذه الحركة التي برزت على ساحة النضال الفلسطيني منذ اواخر عقد الثمانينيات، وكبرت على مدى الاعوام لتصير رقماً صعباً في المعادلة الفلسطينية، وتنافس الحركة الفلسطينية، وتنافس ايضاً الحركة الفلسطينية الأم، اي حركة «فتح» على القيادة وعلى القاعدة في آن.
فلم يعد خافياً ان احتمال ترك مشعل الصدارة في الحركة، اثار جملة تساؤلات حول من سيخلفه، وهل سيكون بمقدوره قيادة سفينة الحركة ذات الحضور القوي في ساحتها، ولا سيما انها تمسك بزمام الامور والقيادة في غزة وقطاعها؟ كما اثار اسئلة اخرى حول حقيقة خلافات جرت بين اعضاء الصف القيادي الاول والآباء المؤسسين في الحركة حول من يتولى سدة القيادة ويخلف «ابو الوليد»؟

علاقات الخارج
الثاني: ان عملية ترتيب البيت الداخلي في «حماس» وضع حداً لسجال دار في الآونة الاخيرة حول علاقة قيادة الحركة في الخارج بقيادتها في الداخل، اذ ان تكهنات وتحليلات عدة دارت حول صراع خفي بين القيادتين، وبالتحديد بين مشعل ورئيس الحكومة الفلسطينية المقالة اسماعيل هنية.
والحديث عن التباين لم يتوقف فقط عند حدود الزعامة، بل تعداه الى حديث عن تباين حول التحالفات والخيارات السياسية، ولا سيما بعد ان غادر مشعل مقره وملاذه لاعوام عدة في دمشق على خلفية خلاف جلي وواضح بينه وبين النظام في سوريا اثر الاحداث العاصفة على الساحة السورية، تجلت في اعتراض مشعل على خيارات نظام الرئيس بشار الاسد في مواجهة القوى المعارضة له.
وبمعنى اخر، ارتسمت لدى بعض المراقبين للشأن الفلسطيني قناعة فحواها ان مشعل غادر العاصمة السورية بادئاً رحلة مكانية وسياسية جديدة، عنوانها العريض الانضواء تحت عباءة الخيارات السياسية القطرية بالدرجة الاولى، وما يعنيه ذلك في اطار الصراع مع المحور الذي كانت «حماس» احد ابرز قلاعه في السابق اي محور الممانعة.
وفي مقابل ذلك، كان ثمة اعتقاد لدى البعض الاخر من المراقبين فحواه، ان هنية ومعه قياديون من الحركة في الداخل ظلوا حريصين على استمرار علاقتهم التحالفية التاريخية مع طهران على الاقل، وهي التي دعمت بشتى صنوف الدعم الحركة يوم عز النصير والحليف.
وفي كل الاحوال، حسمت عملية ترتيب البيت التنظيمي الداخلي لحركة «حماس» منذ اجتماعات مجلس شورى الحركة في القاهرة قبل اسابيع قليلة، الى التئام شمل المكتب السياسي للحركة اخيراً في العاصمة القطرية. ان كل هذه التحليلات والتكهنات ارست ما يشبه عملية لتقاسم السلطة، اذ تولت الشخصية الابرز في قيادة الخارج اي مشعل، المنصب الاول في قيادة الحركة (اي رئيس المكتب السياسي)، وتولت الشخصية الابرز في الداخل الفلسطيني المنصب الثاني في هذه القيادة، وقد تمت العملية برمتها في سلاسة تكرست اكثر ما يكون في توزيع الملفات على قيادات الحركة واعضاء المكتب السياسي المنتخبين.

توجه سياسي
اما على مستوى التفاهم على توجه سياسي موحد لا سيما على مستوى الخيارات السياسية والتحالفات، فإن ثمة من يرى ان الامر بات في خانة المحسوم على اساس الاسس والقواعد العريضة الاتية:
– الحفاظ على علاقة وثيقة مع قطر والسعودية ومصر بالدرجة الاولى وعدم الخروج عن توجهات هذه الدول السياسية العامة.
– الحفاظ على خطوط العلاقة ولو بحد ادنى مع ايران و«حزب الله» وقوى اخرى، خصوصاً ان الطرفين الاخيرين ابديا في مناسبات ولقاءات عدة حرصهما على ابقاء قنوات التواصل قائمة مع حركة «حماس» نظراً لما تمثله من رمزية على مستوى نضال الشعب الفلسطيني ومواجهة اسرائيل.
– قطيعة شبه كاملة مع النظام في سوريا من دون ان يتحول ذلك الى سجال اعلامي وخلاف سياسي مكشوف، لا سيما ان النظام في دمشق، حرص على عدم فتح مواجهات اعلامية وسياسية واسعة النطاق مع الحركة التي كانت حليفته في السابق.
وبمعنى آخر، ثمة حرص لدى الحركة على عدم الظهور في معسكر المعادين للنظام.
اما على المستوى الفلسطيني الداخلي، فبات واضحاً ان للحركة مهمتين اساسيتين من الان فصاعداً وهما:
1- المحافظة على درجة عالية من الهدوء والتهدئة مع الكيان الصهيوني، والمحافظة قدر الامكان على الهدنة غير المعلنة التي تم التوصل اليها برعاية مصرية مع اسرائيل في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام المنصرم.
والامر الاخر هو السعي لفتح ابواب العلاقة الموصدة مع دول غربية وبالتحديد من خلال المطالبة برفع اسم الحركة عن لائحة المنظمات الارهابية الموجودة لدى الغرب عموماً.
2- التمسك الى اقصى الدرجات بشعار المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، وما يستتبع ذلك من اعادة انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية كإطار جامع للشعب الفلسطيني واعتبار ذلك كله اولوية وطنية.
فثمة اعتقاد لدى الحركة مفاده ان اثارة هذا الامر والعمل على اساسه، من شأنهما ان يغطيا على جوانب اخرى بالنسبة الى الحركة في المرحلة الحالية والمقبلة، خصوصاً اذا ما اضطرت الحركة الى خفض منسوب صراعاتها ومواجهاتها العسكرية مع الكيان العبري، وذلك انفاذاً لما يمكن ان يكون مطلوباً منها لملاقاة المرحلة الجديدة، وبالتحديد مرحلة ما بعد الهجوم العسكري الاسرائيلي الواسع على غزة وقطاعها في الخريف المنصرم، والذي انتهى بعد نحو اسبوع وسط حديث عن تفاهم جديد رعى النظام الاسلامي الجديد في القاهرة خطوطه العريضة.

تحديات «فتح»
وفي مقابل هذا «الترتيب» للبيت الداخلي لـ «حماس» وبما يتضمنه من ترسيخ لقناعات وتوجهات جديدة تعيش حركة «فتح» تحدياً جديداً يتمثل في استقالة فياض وحكومته وانفتاح باب البحث عن بديل.
فكما صار معلوماً ان قيادة الحركة الوضع في ساح النضال الفلسطيني هي التي اجبرت فياض على مغادرة منصبه، بعدما اضطرت الرئيس محمود عباس الى «تجرع» هذه الكأس المرة.
لكن ذلك على اهميته لا يعني خاتمة الاحزان، فثمة من رأى ان رغبة قيادة «فتح» بالتغطية على ازمات السلطة الفلسطينية المتعددة، وخصوصاً المالية والاجتماعية منها، كانت السبب الاساس الذي دفع الحركة الحاكمة في الضفة الغربية الى سلوك درب هذا الخيار الذي بدا صعباً للغاية.
فاستقالة فياض جاءت وسط معارضة اميركية شديدة وواضحة مما بعث المخاوف والخشية من ان يكون عدم الرضى الاميركي والغربي عموماً من ابعاد فياض، مقدمة لتجميد الاعانات والمساعدات المالية من الغرب الى السلطة الفلسطينية التي تعاني اصلاً ومنذ زمن شحاً مالياً يصل الى حد الافلاس.
وفي الوقت عينه، فتحت استقالة فياض على هذا النحو، وفي هذا الوقت بالذات ازمة اخرى مضمرة تبدو الان خفية، ولكنها ستظهر تدريجياً وعنوانها العريض: من سيسمي عباس لخلافة فياض، واستطراداً كم سيستغرق ذلك؟

تساؤلات
ولا ريب في ان ثمة معطيات ومناخات تدفع المتسائلين الى اثارة تساؤلهم هذا!
فالتباين قائم داخل حركة فتح نفسها اضافة الى الشارع الفلسطيني الموالي لها حول شخصية الرئيس المقبل للحكومة المقبلة وحول هويته السياسية وهل سيكون منتمياً للحركة ام مستقلاً، لكي يحوز على رضى الغرب ليستمر هذا الغرب في ارسال مساعداته واعاناته المالية التي تشكل عصب موازنة السلطة الفلسطينية.
لم يعد خافياً ان الصراع بدأ يفصح عن نفسه شيئاً فشيئاً في داخل حركة «فتح» بسبب كثرة المتصدين لهذا المنصب ومن الذين يعتبرون انفسهم جديرين بهذا المنصب.
وبناء على هذه المعطيات، وتحاشياً لاتساع الصراع داخل حركة «فتح» حول هذه المسألة، فإن عباس حرص في الايام القليلة الماضية عبر المقربين منه على بعث التساؤلات والرسائل لمن يعنيهم الامر يعرب فيها عن رغبته في ان يتولى هو هذا المنصب ولو بشكل مؤقت. وهو بذلك يكرر تجربة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي حصر رئاسة السلطة وحكومتها بشخصه الى ان قضى قبل نحو ثمانية اعوام في ظروف غامضة في احد مستشفيات باريس.
وحتى هذه المسألة تبدو مدار خلاف وسجال داخل الحركة لا سيما ان ثمة رأياً يقول بأنه من الافضل ان يكون رئيس الوزراء شخصاً اخر غير عباس.
وفي كل الاحوال، اعلن عباس قبل ايام قليلة انه سيبدأ مشاوراته لتسمية رئيس للحكومة العتيدة، والسؤال المطروح هو: كم ستدوم هذه المشاورات، واستطراداً كم ستدوم ازمة «التأليف»؟.

ا. ب
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق