صحة

تحدوا سرطان القولون تنجوا!

يرسمُ في شكله الباطني علامة استفهام ويطرحُ في أعراضه الظاهرة جملة أسئلة. وبين ما قد يدور في الباطن وما قد يجري في الظاهر، يحدث، لسبب ما، أن يُهاجم الخبيث القولون! فماذا لو حصل هذا؟ ماذا لو بتنا مرضى سرطان القولون؟ نرفع أيدينا العشرة مرددين: شاء الله ما شاء أم نسأل وبالحاح: ماذا بعد الاصابة؟ الاستسلام سهل أما المواجهة فتحتاج الى قرار! تحدوا سرطان القولون تنجوا…

لأن الكون مشكل من ثلاثة عناصر: السماء واليابسة والبحار وبما أن الرقم ثلاثة يرمز الى الخير والفأل والحظ الحسن اختير الشهر الثالث من كل سنة للتوعية حول سرطان القولون والمستقيم. وقبل أن تسقط آخر وريقات الشهر الثالث من هذه السنة، سنة 2013، عقدت «هوفمن لاروش» لقاءً مميزاً تحت عنوان: تنبيه! التنبيه ضروري. الوقاية بعد الإصابة، كما قبل الإصابة، ضرورية. الإشارات تنبيه أما التجاهل فقمة الجهل! وماذا بعد؟ ماذا عن الجهل وماذا عن العلم والخبر؟

ليس النهاية!
وقف طبيب الأورام وأمراض الدم الدكتور فادي الكرك أمام مصران غليظ، يُسمى علمياً القولون، يتمدد في البطن في شكل علامة استفهام كبيرة، وبدأ يشرح المهام والإشارات والأعراض. الطبيب متفائل. سرطان القولون ليس النهاية، والاكتشاف المبكر قد يمنح الحياة بداية جديدة. آن فرنجية رئيسة جمعية فير فاس للسرطان كانت تتابع بنهم. هي على تماس يومي مع مرضى السرطان وتُدرك تماماً معاناة الإصابة وأهمية التنبيه وضرورات الوقاية. اختصاصية التغذية لانا عرايسي لم تُمسك السلم الغذائي بالعرض لكنها صوّبت أفكاراً وأصابت في تحديد طبيعة الغذاء الذي قد يتسبب بسرطان القولون وما قد يساعد على النجاة من سرطان القولون. عبد الرحمن صبرا، مدير روش في لبنان، حكى من جديد عن ضرورة التأسيس لمجتمع مثقف صحياً. سرطان القولون ليس أمراً عرضياً. هو في البداية وفي النهاية سرطان. وكلمة سرطان في حد ذاتها تسقط في الأذن كجبل فكيف إذا نظرنا في عيني إنسان وقلنا له: أنت مصاب بسرطان القولون؟!
أنت مصاب بسرطان القولون؟ سقطت الكلمة عليك كجبل؟ بكيت؟ تذمرت؟ صرخت؟ ضع نقطة وابدأ من جديد في فهم الوقاية بعد الإصابة. وفي البداية لا بدّ أن تعرف ما هو سرطان القولون؟

تنبيه: اعراض ليست «تافهة»
يُقال سرطان القولون والمستقيم، أو سرطان الامعاء، واللافت فيه أن الناس، عموم الناس، يعمدون الى تجاهل أعراض هذا الخبيث معتبرين أنها «تافهة»!! فلا يبالون بها وحين تشتدّ يكونون قد تأخروا كثيراً وأصبح العلاج أكثر صعوبة. وسرطان القولون والمستقيم ينجم عادة، بحسب الدكتور الكرك، من نمو غير طبيعي لخلايا تُشكل بطانة الامعاء الغليظ أو المستقيم، وتكون هذه الأورام غالباً حميدة، لكن هذا لا ينفي قابلية بعض هذه الأورام أن تصبح سرطانية. ويمكن ان يقلص الكشف المبكر من معدلات وفيات هذا النوع من السرطانات عن طريق اكتشاف السلائل واستئصالها قبل ان تصبح سرطانية.
كلنا نعلم ان التشخيص المبكر لسرطان القولون والمستقيم قد يُحسن معدلات النجاة، لكن كلنا نعلم ايضاً ان ألم البطن، وهو عارض قد يظهر باكراً، قد يُعزى خطأ الى أمراض أخرى! قد يقول من يشعر بألم متكرر في البطن: هي برودة ربما! وقد يكون السبب الإفراط في تناول الطعام وربما هو تناول اطعمة فاسدة وربما وربما… تكثر التكهنات والخبيث يتمدد.
ألم البطن عارض أول، غير ان 85 في المئة من المرضى الذين يحتاجون الى استشفاء قد يشكون من عارض واحد او اكثر من الاعراض الخطيرة الآتية: نزيف في الشرج. كتلة في البطن او المستقيم. تبدل في عادات الامعاء وتقرحات حول الشرج وقد تترافق هذه الاعراض مع خسارة غير مبررة في الوزن خلال ستة أشهر، مع تدني لافت في الشهية. وكلما تقدم المرض اكثر ظهرت الاعراض اكثر. نزف القولون مثلاً قد يزيد ويتسبب بفقر الدم. وإذا انتفخت الاورام أكثر في القولون قد تظهر أعراض نفخة وإمساك وتقيؤ.

تشعرون بأعراض؟
توجهوا رأساً الى الطبيب. طبيب العائلة قادر على توجيهكم. اما أساليب التشخيص فتختلف بين الدول، لكن، تقليدياً، قد يخضع المريض في البداية الى فحص سريري، وقد يطلب الطبيب، إذا شكّ في وجود خبيث، فحوصات إضافية بينها: تنظير القولون. والتنظير السيني. وتُستأصل عادة خزعة من الأنسجة خلال تنظير القولون، من أجل تأكيد تشخيص سرطان القولون والمستقيم وتحديد مدى تقدم المرض.

تشخيص الورم
تحديد المرحلة أمر مهم جداً، لأنه يدل على مدى تقدم السرطان، وإذا كان قد انتشر في أجزاء أخرى من الجسم. ويساعد هذا في التعرف الى الخيارات العلاجية المناسبة. وقد يطلب الطبيب إجراء تحاليل الدم بحثاً عن مؤشرات إضافية. ويُصنف عادة المريض بين اربع فئات، بين واحد واربعة، بحسب درجة تضخم الورم او انتشاره. ويكون الورم في المرحلة الاولى موضعياً، وفي المرحلة الثانية ينمو في بطانة القولون الخارجية وفي النسيج المحيط به، اما في المرحلة الثالثة فيكون قد امتد الى الغدد اللمفاوية وصولاً الى المرحلة الرابعة حيث ينتقل الى أعضاء بعيدة في الجسم.

ثاني أكثر السرطانات انتشاراً
سرطان القولون ليس إذاً عارضاً بل خبيث قاتل إذا لم نُحسن التعامل معه في الوقت المحدد، وبالسرعة المطلوبة. في كل حال، من يتابع معدل انتشار إصابات سرطان القولون ومعدل الوفيات يشعر بقشعريرة تسري تحت جلده، فهناك أكثر من مليوني إصابة جديدة سنوياً في العالم. وهذا السرطان هو ثاني أكثر السرطانات انتشاراً لدى الإناث والثالث لدى الذكور. وهو مسؤول عن 609 آلاف حالة وفاة سنوياً، أي نحو 8 في المئة من مجمل الوفيات السرطانية. وهذا ما يجعله رابع أبرز مسبب للوفيات السرطانية بعد سرطانات الرئة والمعدة والكبد. ويحصد هذا الخبيث في أوروبا نحو 430 ألف إصابة جديدة سنوياً. أما في لبنان فيتم تشخيص نحو 497 إصابة بسرطان القولون و129 إصابة بسرطان المستقيم سنوياً.
ماذا عن العلاج؟
يبدو ان الخيارات العلاجية تتعدد بحسب جملة متغيرات بينها: حجم الورم، مرحلته عند التشخيص، موقع الورم في القولون او المستقيم، خطر عودة السرطان والحالة الجسدية للمريض. والخيارات تتراوح بين الجراحة والعلاج الكيميائي والعلاجات البيولوجية، اما العلاج الشعاعي فهو لا يستخدم غالباً في علاج سرطان القولون والمستقيم بسبب آثاره الجانبية.
ماذا عن الوقاية عبر الغذاء؟
اختصاصية التغذية تنصح مرضى سرطان القولون والمستقيم بالاكثار من تناول الفاكهة والخضار وشرب المياه والابتعاد عن التدخين، فالجسم يفترض ان يكون قوياً لينجح في مواجهة المرض. تناول اللبن يفيد جداً ايضاً نظراً لقدرة مكوناته على مقاومة سرطان القولون. ويُنصح عادة باختيار المواد التي تحتوي على دهون غير مشبعة. ولا يكفي هنا ان نختار المأكولات المكتوب عليها: «دايت» بل اختيار ما كُتب عليه: «خال من الدهون». ويفترض بمريض القولون التركيز على البروتينات وخصوصاً السمك والتونا.

في دائرة الخطر
هل  نتجاهل شعوراً باطنياً؟ هل تجاوزنا سن الخمسين ونعاني من فقر دم كبير؟ هل نخسر وزناً بلا جهد؟ هل بين أهلنا وأقاربنا حالات سابقة لسرطان القولون؟
إذا أجبتم بنعم على سؤال واحد، واحد فقط، فعليكم ان تطرحوا سؤالاً آخر بصيغة جديدة وأبعاد أدق: هل نحن نواجه زحف سرطان القولون والمستقيم؟
جلس الشاب بهاء أمام الجموع وراح يُخبر قصة والده: البابا مصاب بسرطان القولون. هو يحب الكبة النيئة. يأكل اللحم الأحمر بكثرة. يحب الدهون. لا يمارس الرياضة. والدي أصيب قبل اربع سنوات بهذا الخبيث، كان ابن 53 عاماً، وكان يشعر بإمساك شديد. وبدل ان يذهب الى الطبيب قصد الدكان واشترى زهورات. لم نخل ان الخبيث سيقتحم بيتنا. واليوم بتّ أخاف اكثر على نفسي. قال لي الطبيب ان خطر إصابتي ارتفع لأن والدي مريض بسرطان القولون.
بهاء بات إذاً في دائرة الخطر. وكل من لديه في منزله حالة من هذا النوع يفترض به أن ينتبه الى نوعية غذائه وأسلوب حياته ويخضع الى صورة منظار دورياً، كل سنتين أو ثلاث، في حين من ليس لديه هكذا حالة بين أفراد العائلة فيكفي منظار واحد للقولون كل عشر سنوات.
إذا كان القولون يأخذ شكل علامة استفهام تحت المعدة والبطن فإن الإكثار من الأسئلة حوله قد يُبدد الكثير من علامات الاستفهام ويجعل الحياة أسهل والسرطان أبعد!!.

نوال نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق