سياسة عربية

العراق: رسائل المالكي الى الخصوم والحلفاء

في عشرين نيسان (ابريل) الحالي، يتعين ان يتوجه الناخبون في العراق الى صناديق الاقتراع لانتخاب المجالس المحلية في كل انحاء بلاد الرافدين باستثناء محافظتين هما نينوى والانبار، اذ ان حكومة نوري المالكي اعلنت قبل فترة تأجيل الانتخابات فيهما بعض الوقت لان الوضع الامني لا يسمح بأجواء ديموقراطية مناسبة لاتمام هذا الاستحقاق الديموقراطي، حيث لا تزال التظاهرات والاعتصامات المطالبة بالعديد من المطالب احتجاجاً على اداء الحكومة المستمرة منذ اكثر من ثلاثة اشهر.

لحدث الانتخابات المحلية ان تم وفق ما هو مطروح من جانب حكومة بغداد، معان وابعاد ابرزها:
– ان حكومة المالكي مصممة على اظهار الوضع في العراق وكأنه وضع طبيعي ولا يعيش حالة استثنائية، وبالتالي ينبغي اتمام العملية السياسية في كل مراحلها ومحطاتها وتفاصيلها من دون تأخير او ابطاء.
– ان حكومة المالكي تريد في الوقت عينه ان تظهر ان المحافظات العراقية التي تعيش نوعاً من التمرد والاحتجاج عليها وعلى ادائها وممارساتها يمكن تجاوز تمردها واحتجاجها ويمكن عدم الوقوف عند نزول شريحة واسعة من سكانها الى ساحات وشوارع الاعتصام والتعامل معه وكأنه امر عابر وليس حدثاً استثنائياً ينبغي معه تأجيل موعد الانتخابات الموعودة في كل المحافظات، في انتظار الوقوف على مطالب المحتجين المعارضين ومعالجتها بالتي هي احسن، واما في انتظار توافر ظروف اجراء الانتخابات في المحافظتين المستثنيتين من اجراء الانتخابات.
– ان المالكي يريد من خلال التصميم على اجراء الانتخابات في موعدها ان يحقق وفريقه السياسي المتحالف معه مزيداً من الانتصارات مهما كان حجمها ونوعها بغية تعزيز حضور حكومته، وعدم اعطاء معارضيه او خصومه على حد سواء فرصة التقاط الانفاس. ومما يزيد في هذه القناعة ان كل المؤشرات والمعطيات المتوافرة تشير الى ان المالكي يملك من الوقائع والاحصاءات ما تجعله مطمئناً سلفاً الى ان بإمكانه اضافة فوز اخر وكسب سياسي جديد الى ما سبق وحققه في انتخابات المجالس المحلية السابقة والتي يمكن اعتبارها مؤشراً او مقياساً على مزاج الشارع العراقي، واختباراً لشعبية كل فريق او جهة سياسية.

رسائل المالكي
وفي كل الاحوال، فإن ثمة ما يؤكد ان المالكي يعول على اجراء هذه الانتخابات ضمن المواعيد المحددة لها، لكي يبعث برسائل لمن يعنيهم الامر، اي الى الخصوم والاصدقاء والحلفاء على حد سواء، فحواها انه لا يزال يقبض على اغلبية اوراق اللعبة السياسية في العراق، وان حكومته ما برحت راسخة، ولم تستطع كل محاولات وجهود المعادين والمعارضين خلال الاعوام التي تلت الانتخابات التشريعية الاخيرة ان تؤثر عليها او تجعلها تتداعى وتهتز.
وهكذا، وبمعنى اخر يتضح ان اصرار المالكي على المضي قدماً في اجراء الانتخابات المحلية له هدف مزدوج، فهو من جهة يريد الايحاء بأن الاوضاع في الساحة العراقية تسير بشكل طبيعي، وذلك خلافاً لما يصوره خصومه ومعارضوه، ومن جهة اخرى يحاول ان يكرس انتصارات اخرى ولو معنوية لحكومته وفريقه السياسي في وجه الذين انتفضوا في وجه حكومته بشكل غير مسبوق في 3 محافظات في وسط العراق، ورفعوا الصوت عالياً في الداخل والخارج احتجاجاً على ما قالوا بأن الاوضاع السلبية وحالات التهميش والحرمان من الحقوق هي التي يقاسون منها من جراء سياسات حكومة المالكي المتسمة بـ«الطائفية والمذهبية».
ويأتي ذلك فيما احيا المتظاهرون في الانبار وسواها ذكرى مرور مئة يوم على انطلاق احتجاجاتهم المناهضة للحكومة، حيث نظموا تظاهرات احتجاجية في مدينتي الرمادي والفلوجة.
التظاهرات ومظاهر الاحتجاج لم تنقطع اصلاً، ولكن اصرار المتظاهرين على تجديدها وتصعيدها له معناه، فهو يأتي بعد نحو ثلاثة اسابيع على اتخاذ قيادة التظاهرات والاعتصامات قراراً وخطوات عملية تقضي بفتح ابواب التحاور مع حكومة المالكي.
والمعلوم ان ثمة تبايناً مسبقاً في داخل المعتصمين على نتائج هذا الحوار، بين متشائم من الحوار، واخر يدعو الى الذهاب فيه الى ابعد الحدود.

العودة الى التصعيد
لذا، فإن العودة الى لغة التصعيد وتحريك الشارع، معناها غلبة الفريق المتشائم وتراجع الفريق المتفائل، خصوصاً ان المتظاهرين والمحتجين تحدثوا عن استمرار المماطلة من جانب الحكومة واستمرار عمليات الاعتقال التي تطاول فريقاً معيناً من العراقيين وفي مناطق بعينها.
وعليه، فإن كل مظاهر الانفراج التي لاحت في الافق خلال الايام الماضية، تبددت اخيراً وعاد ليحتل محلها خطاب التحدي ولغة المواجهة والتصعيد بين الطرفين مما ارخى جواً من التوتر والقلق على الساحة.
وقد زاد من حدة هذا القلق والمناخ تطوران اثنان سلبيان:
الاول: موجة التفجيرات التي تجددت في الآونة الاخيرة حاصدة المزيد من الضحايا في بغداد وبقية المحافظات التي اعتادت ان تكون مسرحاً لمثل هذه الاعمال. ولقد سارعت حكومة بغداد الى تحميل المسؤولية المباشرة عن هذه الاعمال الاجرامية والممارسات الارهابية الى المتظاهرين والمحتجين، معتبرة على لسان المالكي نفسه ان سلوكهم هو الذي يقدم الغطاء لهذه الاعمال والممارسات.
الثاني: اصرار حكومة بغداد على اعدام اربعة ممن اسمتهم رموز تنظيم «القاعدة» في العراق، فقد فتح هذا الامر المتكرر باب السجال حول مسألة خلافية مزمنة في بغداد، هي مسألة اعدام المتهمين بالانتماء الى المجموعات الارهابية، خصوصاً الاصوات التي ترتفع مع كل «وجبة» اعدامات تطالب بإلغاء هذه العقوبة واستبدالها بأحكام اخرى اقل مثل السجن المؤبد، وهو امر ترفض الحكومة العراقية التخلي عنه تحت العديد من الذرائع والاسباب. وبالطبع، هذه المسألة تثار من جديد مع كل موجة اعتداءات وتفجيرات تسجل في هذه المنطقة او تلك.

تشكيك بالقضاء
ولم يعد خافياً ان المعارضين لحكومة المالكي يشككون في الاحكام انطلاقاً من امرين اثنين، الاول: عدم ثقتهم بالقضاء العراقي نفسه، فضلاً عن ان الاحكام تأتي بناء على «وشاية المخبر السري» وهو امر يطالب هؤلاء المعارضون بإلغائه باعتباره امراً لا يحظى بأية شرعية قانونية.
كذلك لا بد من الاشارة الى ان جزءاً اساسياً من مطالب المعارضين الذين نزلوا الى ساحات الاعتصام واعلنوا «الانتفاضة» على الحكومة وممارساتها وادائها، انما ضمنوا مطالبهم مسائل الاعتراض على طريقة الاعتقال وظروف هذا الاعتقال والمعتقلات والمحاكمات نفسها التي تجري لهؤلاء وطالبوا بإعادة النظر فيها.
ومهما يكن من امر، فحكومة المالكي حققت خلال الفترة الاخيرة جولة من المكاسب على خصومها، من خلال اختراقها المشهود له لجبهة المعارضة الاساسية لها، وهي “القائمة العراقية” ولا سيما بعد خروج زعيم جبهة الحوار صالح المطلك منها، وفتحه ابواب المساجلة مع زعماء الجبهة او ما تبقى منها، فضلاً عما حققته على مستوى «خرق» المعتصمين والمحتجين، الذين انقسموا او اضطروا في خاتمة المطاف الى تشكيل وفد للشروع بحوار مع حكومة المالكي رغم معارضة القسم الاخر لهذا الحوار.
وفي الآونة الاخيرة اضيف الى هذه المكاسب مكسب اخر تجلى بعودة وزراء التيار الصدري عن مقاطعتهم لجلسات الحكومة، مما قوى موقعها من جهة، واضعف موقف المعارضين لها من جهة اخرى، علماً بأن موقف التيار الصدري بات يتسم بالذبذبة وعدم الثبات، فلا الموالون لحكومة المالكي يراهنون على استمرار وقوف هذا التيار بنوابه او وزرائه الى جانبهم في المواجهات التي يخوضونها باستمرار ضد خصومهم ومعارضيهم، ولا المعارضون للمالكي يتكلون على ثبات «التيار الصدري» الى جانبهم.
وثمة تجارب سابقة في هذا الميدان وخصوصاً عندما احتاج معارضو المالكي الى توقيع نواب التيار على عريضة سحب الثقة من المالكي خلال الصيف الماضي، فلم يجد هؤلاء الى جانبهم، فضاعت سدى في تلك اللحظة كل الجهود التي بذلوها على مدى اكثر من خمسة اشهر في الاجتماعات بين اربيل تارة والنجف تارة اخرى.

اتفاقات
وفي الوقت ذاته، سجل انتصار اخر لمصلحة حكومة المالكي، وتبدى ذلك في اتفاق التحالف الوطني العراقي الذي يرأسه ابرهيم الجعفري، ويضم حزب الدعوة الذي يرأسه المالكي وكل القوى الاخرى التي تشارك في دعم المالكي وحكومته في كسر جليد العلاقة مع الائتلاف الكردستاني. فقد اتفق الجانبان على تأليف لجنة مشتركة اخذت على عاتقها مواصلة المشاورات بينهما بغية طي صفحة الخلافات بينهما.
ولم يعد سراً القول بأن العلاقة بين الاطار الذي يضم الاحزاب والقوى الشيعية العراقية والجانب الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني هي بدورها تمر منذ ما يقرب من العامين بحالة صعود وهبوط.
فهذه العلاقة كانت كما هو معروف علاقة تحالفية وثقى تضرب جذورها الى ايام نظام صدام حسين حيث كان الطرفان شريكين صلبين في معارضة هذا النظام، وبقي التحالف قائماً على هذه الدرجة من الثبات حتى قيام الجبهة الثلاثية المعارضة للمالكي والتي ضمت الى القائمة العراقية التحالف الكردستاني والتيار الصدري ثم عادت لتتحسن في الآونة الاخيرة، لكنها لم تعد الى سابق عهدها، خصوصاً بعد قضية «لواء دجلة» الامني الذي شكلته حكومة بغداد وحاولت إدخاله الى مناطق متنازع عليها في الموصل ويعتبرها الاكراد جزءاً من اقليمهم.
واللافت في هذا الاطار ان واشنطن دخلت اخيراً بشكل واضح على خط دعوة كلٍ من بغداد واربيل الى تسوية خلافاتهما المستحكمة وانهاء التوتر بينهما على اسس واضحة.

ابرهيم بيرم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق