سياسة لبنانية

جدال اميركي صامت عن المساعدات وحزب الله

يسلط تقرير صادر عن الكونغرس الاميركي الضوء على الجدال غير الصاخب داخل اروقته حيال ضرورة استمرار المساعدات الى لبنان او حجبها، ربطاً بالتطورات الحاصلة لبنانياً وسورياً.

تستعد واشنطن الى تفعيل حضورها الديبلوماسي في لبنان من خلال تسمية سفير جديد لها. وذكرت تقارير ان إدارة الرئيس باراك أوباما ستعين المبعوث الخاص لعملية السلام ديفيد هيل سفيراً لها في بيروت. وهيل من الوجوه الأكثر خبرة في الشرق الأدنى، ومن الديبلوماسيين الأمهر في الخارجية الأميركية في معرفته بالملف اللبناني الذي عاصره كنائب للقنصلية في لبنان مع السفير السابق ديفيد ساترفيلد (١٩٩٨- ٢٠٠١) ولاحقاً في الخارجية كنائب مساعد لشؤون الشرق الأدنى، اذ تولى الاشراف على ملف المساعدات للجيش والمؤسسات الحكومية في لبنان. ويعتبر من أبرز الداعمين للمؤسسات الدستورية اللبنانية.

اوضاع هشة
يعكس هذا التوجه الرئاسي الاميركي امكان اعادة الاعتبار الى الملف اللبناني الذي تراجع حضوره في العامين الفائتين، خصوصاً بعد اعادة خلط الاوراق اثر استقالة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
في هذا السياق، يشير تقرير صادر عن مركز الابحاث في الكونغرس الاميركي عن «لبنان في السياسة الاميركية»، الى ان الأوضاع اللبنانية هشة وعرضة للخطر بسبب القتال في سوريا. لكن في الوقت نفسه، يقارب بعض من في الإدارة الاميركية والكونغرس الانتفاضة السورية باعتبارها فرصة لإضعاف حزب الله، وكذلك راعيته الرئيسية، اي إيران، والحد من قدرة حزب الله على فرض ذاته ومصالحه في الشؤون اللبنانية. لكن يبقى أن نرى ما إذا كان حزب الله الضعيف سيكون اكثر قابلية للتعاون مع باقي المجموعات المذهبية اللبنانية؟
يضيف: منذ عام 2006، اعتبر حزب الله وحلفاؤه ان برامج المساعدات الأميركية للبنان (وخصوصاً للقوات الامنية والعسكرية) هي محاولة مستترة لبناء قوات وكيلة لاستهدافه وحلفائه. في هذه الفترة، جادل اعضاء في الكونغرس بضرورة ان يبذل الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي المزيد من الجهد للحد من تهريب الأسلحة إلى الحزب، إن لم يكن لمواجهته مباشرة. وسعت إدارة الرئيس باراك أوباما، مثل سابقتها، إلى التأكيد أن القصد من دعم الولايات المتحدة هو بناء المؤسسات الوطنية في لبنان، والتي يمكن أن تواجه بنزاهة مجموعة من التحديات الأمنية، وهي كثيرة في الوقت الحاضر. لكن في السياق الراهن للاحداث والتطورات، ستضيف إجراءات للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي لتأكيد سيادة لبنان والحد من تهريب الأسلحة من سوريا واليها، مضاعفات جديدة على مجمل هذه المسألة. وقد يعارض أعضاء في الكونغرس مواصلة الولايات المتحدة دعم القوات المسلحة اللبنانية وقوى الأمن الداخلي، إذا جرت تعبئة الجيش والقوى الامنية للحد من أنشطة مجموعات المعارضة السورية في لبنان أو حركة الأسلحة والإمدادات والمقاتلين والأموال من لبنان إلى سوريا.
في المقابل، يؤكد اعضاء آخرون في الكونغرس بأن اغتيال مدير الاستخبارات في قوى الامن الداخلي اللواء وسام الحسن، والاضطرابات اللبنانية، والدعوة إلى حكومة انتقالية مؤقتة، تحتم أهمية استمرار المساعدات الأميركية وضرورتها، لا بل تزخيم وتيرتها. ولا شك في ان هذه المناقشات في الكونغرس ستصبح اكثر اثارة للجدل، متى عطفت على امكان ان تتحرك الإدارة الأميركية الجديدة في اتجاه المزيد من الضغط من أجل التغيير السياسي في لبنان، أو الموافقة على توفير الدعم المادي والتسليحي الى مجموعات في المعارضة السورية».

الانقسام
ويرى التقرير ان التوازن السياسي السائد في لبنان لا يزال يعكس الانقسامات في وجهات النظر المختلفة في المجموعات الأساسية اللبنانية في شأن الأحداث في سوريا المجاورة. وتظهر هذه الانقسامات والاختلافات بوادر تصعيدية من المرشح ان تزيد مع تكثف الصراع في سوريا واحتمال تمدده إلى لبنان. وفي حين يبدي بعض الزعماء اللبنانيين اشارات الى رغبتهم في تجاوز الطائفية السياسية التي تشل البلاد، يسعى آخرون الى إدامة النظام الطائفي للدفاع عن مصالحهم الشخصية أو دوافعهم الطائفية. ويمكن المطالب الشعبية الشاملة المرتبطة بتردي الأوضاع الاقتصادية وضعف الخدمات الحكومية ان تخلق المزيد من الضغوط من أجل التغيير، بعدما ثبت ان المشاحنات السياسية منعت التقدم في قضايا تمس هذه المطالب الشعبية مثل امدادات الكهرباء والحد من البطالة.
يتابع التقرير: في بعض القضايا الداخلية، سبق لرئيس الوزراء (المستقبل نجيب) ميقاتي ان ابدى الرغبة في احداث تغيير في المقاربة، رافعاً التحدي حيال قوى سياسية وحزبية (على سبيل المثال ما يتعلق بدفع لبنان ما يتوجب عليه من مستحقات مالية في موازنة المحكمة الخاصة باغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري، اضافة الى سلسلة من القرارات الإدارية صدرت في أوائل عام 2012). كما سبق للرئيس ميشال سليمان وميقاتي وقادة القوى العسكرية والامنية اللبنانية ان سعوا الى منع تمدد عدم الاستقرار من سوريا الى لبنان، مما يشكل تهديداً لوحدته وسيادته. وحتى وقت قريب، ظل هؤلاء يقاربون هذه المسألة من خلال ضرورة وضع إجراءات وقائية ضرورية، بالتعاون مع الأطراف الخارجية، لدرء المخاطر عن لبنان، على الرغم من ان المجموعات السياسية اللبنانية المختلفة والمتخاصمة تتهم كل منها الاخرى بالانحياز الى احد طرفي الصراع في سوريا، وكل منها تنتظر ان يحسم الطرف الذي يدعمه الحرب الدائرة هناك، بما يساعد في فرض تغيير محتمل في ديناميات السلطة الطائفية في لبنان.
وليس خافياً ان حزب الله وحلفاءه من المسيحيين يخشون أن يؤدي حكم الغالبية السنية السورية الى تقويض مصالح الحزب وتصليب عود منافسيه المحليين. في حين ان تحالف قوى الرابع عشر من آذار يسعى الى تقويض منافسيه الذين ربطوا وجودهم واستمرار سلطتهم ببقاء نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد.

الانتخابات
ويشير التقرير الى انه حيال هذا الواقع اللبناني المعقد، يواجه صناع القرار الأميركي سلسلة من الخيارات الدقيقة مع تصاعد الصراع السوري والاضطرابات اللبنانية الامنية (على شاكلة اغتيال اللواء وسام الحسن)، والسياسية (مصير الانتخابات النيابية)، مع اتسام المشهد السياسي الداخلي في لبنان في العام 2012 بسلسلة من المواجهات والتحديات بسبب زيادة الحد الأدنى للأجور، والتعيينات الإدارية والتشريعات المالية والموازنة العامة وقطاع الكهرباء، وصياغة التشريعات الانتخابية الجديدة الخاصة بإنتخابات 2013. ويمكن هذه الوقائع أن تؤثر في سياسة الادارة والكونغرس على المدى القصير من خلال النظر في طلبات المساعدات الخارجية للبنان المعلقة وكذلك من خلال المقاربة الاكثر توسعاً وشمولاً للاتجاه المستقبلي للسياسة الأميركية تجاه لبنان وسوريا.
ويعتبر التقرير ان مفتاح القضية السياسية الداخلية في الوقت الحاضر، هو مشروع قانون الانتخابات البرلمانية للسنة 2013. ويذكّر بأنه في آب (أغسطس) 2012، بعد جولات عدة من الخلاف، اقرّ مجلس الوزراء مشروع قانون يدعو إلى استحداث نظام التمثيل النسبي وفق 13 دائرة انتخابية. ودافع أنصار هذا مشروع عن وجهة نظرهم  انطلاقاً من انه سيشجع الأطراف على تجاوز منطق الطائفية. بينما عارضه تيار المستقبل، والحزب التقدمي الاشتراكي، وبعض أحزاب الأقلية المعارضة في الاصل لنظام التمثيل النسبي، انطلاقاً من ان من شأن النسبية أن تقوض تمثيلهم النيابي وقدرتهم على التأثير في تركيبة السلطة التنفيذية. وحتى الآن لم يعتمد البرلمان هذا المشروع، كما انه لم ينظر في غيره من مقترحات الإصلاح الانتخابي.

المساعدات الأميركية
ويذكّر التقرير بأنه بعد الانسحاب السوري من لبنان في عام 2005 وبعد الحرب بين اسرائيل وحزب الله في صيف عام 2006، طلبت إدارة جورج دبليو بوش والكونغرس تخصيص زيادة كبيرة في المساعدات الأميركية إلى لبنان. ومنذ عام 2006، منحت الولايات المتحدة أكثر من مليار دولار لمساعدة لبنان، لتحقيق الأهداف الآتية:
– دعم تنفيذ قرارات مجلس الأمن، بما في ذلك القراران 1701 و1559.
- الحد من الطائفية وتوحيد المؤسسات الوطنية.
-توفير المعدات العسكرية والإمدادات الأساسية للقوات المسلحة اللبنانية (الجيش اللبناني).
– الدعم لقوات الأمن الداخلي للتدريب ولشراء المعدات والمركبات، ومساعدة منطق الشرطة المجتمعية، وإصلاح السجون.
– زيادة الفرص الاقتصادية.
يضيف: تشمل المساعدات برامج لأمن الحدود، وتدريب قوات العمليات الخاصة والشرطة، وإصلاح السجون، وتحسين القدرة التنافسية لقطاع تكنولوجيا المعلومات، وتشجيع نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. ومن السمات الرئيسية للمساعدات الأميركية الراهنة، وهي لمدة خمس سنوات (2010-2014)، تخصيص 1،1 مليار دولار لخطة تحديث وتجهيز القوات المسلحة اللبنانية.
ودعمت إدارة أوباما وبعض أعضاء الكونغرس استمرار هذه المساعدات، وخصوصاً لجهة تأمين (ضبط) الحدود اللبنانية، التي هي راهناً عامل مهم في العلاقات السورية – اللبنانية. وعلى المدى الطويل، يأمل المسؤولون الأميركيون أن تسهم هذه المساعدات في تقوية الاجهزة الامنية بما يضمن تحسين الاستقرار الداخلي وتصليب ثقة الجمهور اللبناني في الجيش وقوى الأمن الداخلي. ويمكن لهذه الثقة ان تؤمن إنشاء مساحة مناسبة للمجموعات السياسية كي تنصرف الى معالجة القضايا السياسية الحساسة والاكثر تعقيداً والتي تمتد من الإصلاح السياسي إلى وضع استراتيجية دفاعية وطنية.
والأكثر جوهرية، ان لدى بعض المسؤولين الأميركيين وبعض أعضاء الكونغرس الامل في ان بناء الجيش اللبناني يمكن في نهاية المطاف الحكومة اللبنانية من احتواء حزب الله وقدراته العسكرية وصولاً الى تفكيكها. اما مخاطر عدم مد يد المساعدة الى الجيش فكثيرة وتعيد بالذاكرة الى ما فعلته واشنطن في سبعينيات القرن العشرين، عندما تلكأت في تقديم المساعدة للقوات المسلحة اللبنانية بما فيها الكفاية كي تتمكن من اتخاذ إجراءات ضد الفدائيين الفلسطينيين، فكان هذا التلكؤ من العواقب التي اسهمت في اندلاع الحرب الأهلية، الأمر الذي أدى بدوره الى التدخل الأجنبي في الحرب الأهلية التي أعقبت تنامي النفوذ الفلسطيني.

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق