صحة

ضمور المهبل ألم المرأة الصامت!

يُقصد بكلمة ضمور، في المعاني، ضعفاً ما. وهي، في الطب، تعريف عن حالة توقف النمو بسبب مرض أو نتيجة قلة تغذية أو رجوع انحلالي للخلايا والأنسجة. أما في الهمس والغمز فلا تعدو «حكي نسوان»! وبما ان الصيت هكذا: حكي نسوان، فلنحكي ونحكي ونظل نحكي لكن بصوت علمي عاقل عال… والحكي هنا، في الضمور المهبلي، يحتاج الى كسر تابو وبثّ جرأة ونشر ثقافة «كي لا يبقى وجعكن حكي نسوان»!

لأن الصورة تكون غالباً أكثر دلالة من عشرات الحروف، شاهدنا فيلماً قصيراً مليئاً بالمشاهد المصورة من بطولة أربع نساء، غير ممثلات، نساء يشبهنكن  أنتنّ جداً، ربات بيوت، عاملات، جميلات، جذابات. اهتماماتهن، مثلكن، متشعبة بدأن يشعرن في مرحلة ما، مع اقتراب دخولهن مرحلة انقطاع الطمث، بخلل يجتاحهن. واحدة ظنت حين فاتها الميعاد انها حامل! لم تكن طبعاً كذلك. ولم يكن سهلاً عليها أن تقبل، وهي تنظر الى نفسها في المرآة، بالمرحلة الجديدة، مرحلة قد تشعر فيها الأنثى أنها ما عادت صبية. مرحلة لن تعود فيها قادرة على الإنجاب والإعجاب! تحتاج المرأة الى وقت لتفهم أنها ستبقى في كل الأيام والحالات، إذا هي أرادت، جميلة. هذا في الشكل لكن ماذا عن الأعضاء؟ كم تتأثر الأعضاء والخلايا والأنسجة بالمرحلة الجديدة؟ كم يتأثر تحديداً نسيج المهبل بتغيرات هذه المرحلة؟

تابو
الصبايا – الصديقات (اللواتي بلغن سن انقطاع الطمث وما زلن صبايا) يخشين، على ما بدا في الفيلم القصير الذي أعدته أستاذة قسم الفنون السمعية – البصرية في جامعة سيدة اللويزة زويا عوكي، إفشاء «سرهن» لبعضهنّ! الخبر شكّل «فقسة» لهنّ. المشكلة أن الرجل يُذكّر دائماً المرأة بعمرها. الهبات الساخنة أيضاً تذكرهنّ بأنهن يعبرنّ في مرحلة دقيقة. المزاج يُصبح سيئاً والعلاقة الجنسية تُصبح مؤلمة. لماذا هذا؟ لماذا أصبحن يتهربن من العلاقة الحميمة؟ حياتهن الأسرية بدأت تتأثر بهذه المشكلة وهنّ يخشين الكلام مع شركائهن بها! فهل من حلّ؟
رئيس الجمعية اللبنانية للتوليد والأمراض النسائية الدكتور فيصل القاق صفق كثيراً للشهادة الحية التي قدمتها «الصبايا الأربع» في الفيلم المصور، لافتاً الى ان غالبية النساء لا يتجرأن على طرح كل الأسئلة التي تلوح في بالهن. الأطباء يخشون أيضاً، بحسب دراسة اعدتها الجمعية، السؤال عما يُعتبر في الثقافة الشرقية «تابو». فالطبيب والمرأة يتحدران من البيئة عينها. في كل حال نحن، والكلام الى القاق، نشجع الأطباء على فتح باب الحوار في الموضوع. وفي هذا الإطار وزعنا بروتوكولاً يتضمن جملة أسئلة تجيب عنها المرأة وتسمح للطبيب باكتشاف ما إذا كانت تريد، في قرارة نفسها، ان تطرح مثل هذه الحالة، ما يسمح للطبيب، بمهارته، من توجيه أسئلة أكثر دقة.

اشارات
ضمور المهبل يحصل بسبب عوز هورمون الاستروجين الذي يحدث في سن الأمل، وتمر 75 في المئة من النساء عادة في مثل هذا العوز مع تقدم العمر. وهذا العوز الذي يؤثر على جفاف المهبل تتبعه جملة إشارات ظاهرة مثل الهبات الساخنة، ويشرح القاق: المهبل قناة عضلية تتغذى بالدم وبهورمون الأستروجين، ما يسمح من اتمام عملية جنسية سليمة، لكن حين ينتقل الجسم من دورة صحيحة الى دورة غير صحيحة، وصولاً الى انقطاع الطمث الكلي يهبط هورمون الأستروجين الى أدنى مستوياته، ما يجعل المهبل يعاني من الجفاف والضمور التدريجيين.
معدل انقطاع الطمث في المنطقة وتحديداً في لبنان وسوريا والأردن هو 49 سنة وشهرين، لكن إنذار جفاف المهبل يبدأ قبل هذه السن بثلاث سنوات تقريباً، فتبدأ المرأة تشعر بحريق في المهبل، خصوصاً أثناء التبول، وبحكاك مزعج شديد وبإفرازات مائية وبنزف خفيف وألم شديد أثناء الجماع وبضيق في القناة المهبلية، ويظن بعض النساء أنهن يعانين من الحساسية ونادراً ما يخطر في بالهن أن العمر يلعب لعبته في أنسجة المهبل أيضاً، جاعلاً جداره أقل سماكة وأكثر جفافاً!

الاكثر عرضة
ليس عامل العمر وحده سبب تدني نسبة الأستروجين في أنسجة المهبل وضموره. الرضاعة قد تكون سبباً مؤقتاً آخر ومثلها الاستئصال الجراحي لكلا المبيضين. وتتسبب المعالجة الشعاعية للحوض عند مرضى السرطان والعلاج الكيميائي بالمشكلة نفسها ايضاً. التدخين قد يعيق بدوره دوران الدم وتدفقه ويحرم المهبل والأنسجة من الأوكسيجين والأستروجين الطبيعي في الجسم. في كل حال ثمة خبر آخر قد يُزعج كثيرات هو أن النساء اللواتي لم يلدن في شكل طبيعي، عبر المهبل، عرضة اكثر من سواهن للضمور المهبلي.
ضمور المهبل قد يكون، مثل الهبات الساخنة، شديداً او خفيفاً.  وهو، كما يحلو الى الأطباء وصفه: عارض صامت لانقطاع الطمث! هو صامت لأن الكلام فيه يعتبر عيباً! علماً بأن اكثر من مئة وعشرين ألف امرأة في لبنان، اعمارهن بين 45 و60 سنة مصابات، بحسب المديرة العامة لنوفو نورديسك- لبنان ريتا صفير، الآن بضمور المهبل. انهن يعانين بصمت ويترددن في مناقشة مخاوفهن اعتقاداً منهن ان هذا هو أمر جد طبيعي سببه التقدم في السن. وبينت دراسة حول الصحة المهبلية – رؤى ووجهات نظر ومواقف شاركت فيها 3520 امرأة في سن الأمل ومن جنسيات مختلفة، ان 63 في المئة منهن لا يعتبرن ضمور المهبل حالة مرضية مزمنة تستلزم علاجاً متواصلاً لأسبابها الكامنة، كما تُنسب اكثر من تسعين في المئة منهن هذه العوارض الى أسباب مرضية أخرى مثل الفطريات المهبلية أو التهاب المثانة.
ذاك الاعتقاد الخاطىء يقودنا مباشرة الى سؤال: كيف يمكن أن يتأكد الطبيب من أن العوارض المختلفة التي تشعر بها المرأة سببها  ضمور المهبل لا الفطريات والالتهابات؟
يتحدث القاق عن فحص سريري سهل يتيح تشخيص الحالة ويقول: النظرة الخارجية تساعد فمهبل ابنة عشرين غير مهبل ابنة خمسين، يضاف الى ذلك ان الفحص النسائي يجعلنا نتأكد أكثر من نوع التشخيص. الإحساس الدائم الملح بالتبول علامة على وجود ضمور. التهريب البولي علامة أخرى. ولعل المشكلة التي يفترض أن نتخطاها نحن الأطباء أولاً، والكلام الى القاق، هو عدم تركيزنا خلال الفحص النسائي السريري على وجود النزف فقط أو التأكد من عدم وجود سرطان أو على مسائل الحمل والعقم… علينا أن نتخطى أحياناً كل هذه الحالات الى حياة ما بعد الطمث.
المرأة تبقى إذاً جذابة في الخمسين. صحيح أن البيت يُشكل لها في هذا العمر أماناً أكثر من قبل لكنها تظل تحب الحياة. قلب ابنة خمسين يظل يدق كما قلب ابنة عشرين. وحتى الحرج الذي قد تشعر به ابنة عشرين قد يلازمها، في بيئتنا، الى عمر الخمسين والستين.

العلاج
هل يفترض إذاً بداعي الحرج أن نسكت عن الكلام المباح ونعض على الألم؟
لو لم يكن هناك علاج لقلنا: افعلن ما يحلو لكن! اصمتن إذا أردتنّ! لكن هذا ما عاد مسموحاً مع توافر العلاج المباشر والموضعي. وحول هذه النقطة يتحدث الطبيب النسائي فيصل القاق عن استروجين موضعي، في شكل حبة يومية توضع في المهبل، وتعطي كمية محددة جداً من الهورمون، كفيلة بإفادة ضمور المهبل من دون ان تتعدى نسبتها في الدم السقف الذي يخيف النساء ظناً منهن انه قد يتسبب بحالات سرطانية. ويجزم الطبيب انه لا بد أن تشعر المرأة خلال ثلاثة أشهر بالفرق الكبير. ستتحسن كثيراً. ولا يوجد بحسب الدراسات اي مانع من استخدام هذا العلاج مدة طويلة. هل نفهم من هذا انه قد يكون علاجاً دائماً؟ يجيب القاق: يعود الى الطبيب النسائي تحديد ما إذا كان يفترض ان يكون علاجاً دائماً او مؤقتاً، وفقاً الى حالة المرأة وعمرها يُصار الى إعادة تقويم العلاج. في كل حال يفترض ان تعرف المرأة ان هذا النوع من العلاج الهورموني لا يعالج الهبات الساخنة التي قد تجتاحها والتي يكون سببها الخلل في نظام الجسم وتحتاج بالتالي الى علاج آخر. امرأة؟ راكمت من السنين وتقتربين من سن الأمل؟ زوجة؟ تشعرين بشيء ما، بخلل عضوي ما، في علاقتك الجنسية؟ أنثى؟ ترفضين الاعتراف بأثرِ السنين على حالك؟ ابنة التقاليد؟ تقبلين الألم وترفضين الكلام به، حتى مع شريكك، خوفاً من كسر أحد تابوهات الأعضاء الحميمة؟ جريئة؟ مثقفة؟ انضمي إذاً، منذ هذه اللحظة، الى حملة الجمعية اللبنانية للتوليد والأمراض النسائية ونوفو نورديسك حول ضمور المهبل كي لا يظل هناك من ينعتون كلام الجنس اللطيف: بـ «حكي نسوان»…

نوال نصر

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق