رئيسيسياسة عربية

العراق: الاكراد يلوحون بالانفصال النهائي

فيما نجح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في خرق صفوف المعارضين له في الانبار والفلوجة والرمادي، ومد جسور التواصل مع فريق منهم مما ادى الى احداث شرخ في داخلهم، وافضى الى فتح باب صراع بينهم، فان العلاقات بين المالكي والائتلاف الكردستاني اتجهت في الايام القليلة الماضية الى المزيد من التصعيد، خصوصاً ان رئيس اقليم كردستان جدد التلويح بانفصال الاقليم اذا اخفقت الشراكة مع العراق.

المعلوم ان العلاقة بين بغداد واربيل اخذت تتجه نحو التوتير في اعقاب ما صار يعرف بنشر حكومة بغداد قوة عراقية في المناطق التي تدرج عادة تحت مسمى «المناطق المتنازع عليها». في ذلك الحين قامت قيامة اربيل معتبرة ان هذا الاجراء الامني من جانب الحكومة المركزية هو نوع من التحدي وفرض امر واقع غير مقبول، وكادت الامور تتجه ميدانياً نحو التصادم، خصوصاً عندما بادرت حكومة اربيل الى نشر قوات البشمركة قبالة القوة الامنية العراقية الرسمية.
التوتر استمر شهوراً، ونتجت عنه سلسلة تداعيات امنية وسياسية تحدث البعض عن ان الحلف التاريخي بين الشيعة في بغداد والاكراد في شمال العراق، يوشك ان ينفرط عقده لتحل محله ازمة اخرى تضاف الى سلسلة الازمات في الساحة العراقية.
وعلى الاثر، تقدمت مساعي التهدئة واعادة الامور الى نصابها على المستويين الميداني والسياسي، وفعلاً جرت مفاوضات بين الجانبين خفضت من منسوب التوتر الى درجة كبيرة وان لم تحل الازمة نهائياً.

مواقف حيادية
عندما اندلعت الازمة السياسية الحالية في العراق بعد «انتفاضة» محافظات الوسط ضد المالكي وحكومته ونزول سكانها الى ساحات وميادين الاعتصام، كان لافتاً ان حكومة اربيل بادرت الى اتخاذ مواقف حيادية نوعاً ما، وان كانت في بداية الانتفاضة افصحت عن دعمها وتأييدها لمطالب المعارضين.
وبمعنى اخر، لم يظهر الفريق الكردي انه جزء من المواجهة المتجددة فصولاً مع حكومة المالكي مع ان جزءاً من ثلاثي المعارضة الشرسة للمالكي تولى منذ اكثر من عام قيادة الحراك المعارض للمالكي.
ولاحقاً، اخذت الامور منحى مختلفاً، اذ تحدثت المعلومات عن ان واشنطن طلبت من زعيم اقليم كردستان مسعود البرزاني الاضطلاع بدور عاجل في حل الازمة السياسية الصاعدة الى الواجهة من الساحة العراقية، وعليه بدأ البرزاني يتراجع عن المشهد السياسي المستجد.
ولاحقاً ايضاً سرت معلومات فحواها ان المالكي ولكي يواجه الانتفاضة الناهضة في وجهه، بدأ يعيد الحياة الى قنوات التواصل مع الفريق الكردي الى درجة ان البعض سجل غياباً تاماً لهذا الفريق عن اي فعل في جبهة المعارضة المتصاعدة ضد المالكي، وقيل بعدها ان الحلف الشيعي – الكردي في العراق عادت الحياة اليه ثانية، وان ذلك لكي يكتمل لا بد من حصول الاكراد على بعض ما يطمحون اليه منذ زمن على مستوى الجغرافيا وعقود النفط وسواهما.
وظلت الصورة على هذه الحال حتى الامس القريب، وبالتحديد عندما اقر البرلمان العراقي الموازنة العامة رغم ارادة نواب الائتلاف الكردستاني الذي رغم غيابهم عن جلسة البرلمان، فإن الموازنة العراقية اقرت كما وردت، اي دون اضافات مالية ونفطية كان الطرف الكردي يطمح صراحة الى ادراجها في هذه الموازنة لكي تصير حقاً مكتسباً له، لا يمكن بعد اليوم التشكيك به او اخذه.
وعلى الاثر، ثارت ثائرة ائتلاف الفريق الكردي، فأعلن اولاً انه في صدد درس سلسلة خطوات تعبر عن احتجاجه على ما حصل، ومنها اولاً اعتكاف وزراء الائتلاف الكردستاني عن المشاركة في جلسات حكومة المالكي. ثم بدأ على لسان البرزاني يندد صراحة بأداء حكومة المالكي وبمقاربتها للامور، معتبراً ان العراق يعيش ازمة حقيقية على كل الاصعدة.

تهديد بالانفصال
ثم كانت ثالثة الاثافي من خلال تهديد البرزاني بفض عقد الشراكة مع بغداد، مما يعني التلويح تكراراً بالانفصال النهائي عن الحكومة المركزية.
وثمة بين العارفين بالشأن العراقي من يرون بأن هذا التصعيد الذي تمارسه حكومة اربيل في الوقت الراهن حيال المالكي لا يعني بالضرورة انه سيصل الى حد تنفيذ التهديدات التي يطلقها الطرف الكردي، ولا سيما مسألة الانفصال.
فثمة قراءتان لهذا الموضوع: الاولى تقول بأن الطرف الكردي يمارس سياسة الترهيب والترغيب مع حكومة المالكي. فهو يحاول الحصول على سلة مكتسبات من قبل ان يشرع في اعادة الحياة الى مجاريها مع حكومة المالكي، واذا لم ينجح في بلوغ مطالبه المزمنة والتي صارت معروفة فإنه لا يلبث ان يمسك المالكي من يده التي توجعه ويشد على مواضع الوجع، ولا سيما انه يعتقد بأن المالكي هو في اشد اوضاعه حراجة، خصوصاً بعد انتفاضة محافظات الوسط عليه ونزولهم الى الساحات والميادين احتجاجاً واعتصاماً ومطالبة برحيله وحكومته.
واكثر من ذلك، فإن حكومة المالكي نفسها مهددة بأسوأ المصائر اذا ما غادرها الوزراء الاكراد، لا سيما ان وزراء القائمة العراقية السنة هم اما بين مستقيل نهائياً، (وزير المال ووزير الزراعة) واما معتكف ومقاطع، وذلك بعدما ربطوا صراحة عودتهم الى حضور جلسات مجلس الوزراء بتلبية مطالب المتظاهرين وهو امر يبدو تعجيزياً، اذ ان المالكي يعتبر أن الجزء المتعلق بحكومته من هذه المطالب قد انجز تماماً، لا سيما لجهة اطلاق المعتقلين، اما الجزء المتبقي فهو يعود الى البرلمان العراقي، وهو منطق يرفضه المحتجون تمام الرفض، ويعتبرون ان شيئاً من المطالب والوعود الحكومية لم يتحقق بعد، مما يبرر لهم ادامة حراكهم المعارض.
وفي كل الاحوال، فإن الطرف الكردي في معارضته للمالكي واقفاله ابواب الحوار معه، وذلك في اعقاب اتصال جرى بين وزير الخارجية الاميركية جون كيري والبرزاني، ذكر في اثره ان كيري حض البرزاني على مواصلة جهوده لجمع قادة الكتل السياسية لحل الازمة السياسية الحالية التي تعصف بالساحة العراقية.

فجوة في المعارضة
ومهما يكن من امر، فإن اهتمام المالكي بقي منصباً دوماً على التعامل مع المنتفضين في وجهه، وقد دخلت انتفاضتهم الثمانين يوماً، وهي تتوالى فصولاً. وصار معلوماً ان رئيس الوزراء العراقي حقق نجاحات عدة في ميدان مواجهة معلني الانتفاضة في وجهه، الرافعين علناً شعار رحيله.
فهو نجح استهلالاً في ايجاد تمايز داخل المعارضة نفسها، فبدا جلياً بأن هناك فجوة بين المعارضة التي تتحرك عبر اعتصامات الشارع، والقائمة العراقية الزعيمة التقليدية القديمة لمعارضي المالكي. فقد اتضح ان المعارضة الجديدة المنتفضة انتجت قيادتها السياسية الميدانية بعيداً عن القائمة العراقية التي بدت في حال ارباك وانقسام حيال التعاطي مع «الانتفاضة» ومع الحكومة.
فرغم ان وزراء من القائمة استقالوا واعتكفوا، فإن اقربين ظلوا يواصلون حضور جلسات مجلس الوزراء. وفي الوقت عينه، ظل نائب رئيس الوزراء واحد القادة البارزين في القائمة العراقية صالح المطلك ينهج نهجاً سياسياً متمايزاً، فهو يؤكد احقية المطالب التي يرفعها المعارضون لكنه في الوقت نفسه يرفض اسلوبهم، لانه يعزز احتمال اشتعال المشكلات الطائفية والعرقية، داعياً الى «توسل الصبر والحكمة بغية الحصول على الحقوق».
وفي مرحلة لاحقة، اعتمد المالكي اسلوب التشدد السياسي والامني في مواجهة المحتجين والمعتصمين، اذ اقدمت القوات الامنية على محاصرتهم والحؤول دون توسيع نطاق حراكهم ثم واجهتهم بقوة النار غير عابئة بتهديدات زعمائهم بالذهاب الى الخيارات التصعيدية.
وبالفعل نجح خلال الفترة التي تلت حراكهم في التضييق عليهم رغم انه حقق العديد من المطالب التي رفعوها.
والى جانب رهانه المستمر على عامل الوقت الطويل بغية تسرب الملل الى نفوس المحتجين وتسلل اليأس والقنوط الى نفوس المعتصمين في الساحات والميادين، راهن دوماً على امور اخرى وهي مد جسور الاتصال وقنوات التواصل مع عشائر ووجهاء وقوى لها قيمتها الاعتبارية في البيئة المذهبية والعرقية التي يسبح فيها المعارضون المحتجون، بحجة دعوتهم الى الحوار او فتح الابواب أمامهم لقول ما يريدون.

انقسام داخل المحافظات
في بداية الامر لم تؤت هذه السياسة ثمارها بالشكل المطلوب الذي يمكن ان يؤثر سلباً على حراك المحتجين، وبالتالي يقلص مساحته، لكن الايام الماضية سجلت نقاطاً لمصلحة المالكي، اذ نجح فعلاً في مد الخطوط مع زعماء اساسيين من زعماء عشائر الانبار وفي مقدمهم الشيخ حميد الشوكة، والشيخ رافع الفهداوي وأحد ابرز مشايخ عشيرة الدليم الشيخ رعد السليمان.
وفي الاستهلال كان لهؤلاء مؤتمر صحافي اعلنوا فيه انهم بصدد اعداد مبادرة لفتح الابواب الموصدة بين الحكومة والمعارضة. ثم قابل الفهداوي والسليمان المالكي، وحملا اليه في لقاء اول لائحة المطالب على ان تكون هناك لقاءات اخرى بغية بلورة صيغة حل او تسوية، تفضي الى تحقيق مطالب المعارضين واحتواء التوتر بينهم وبين الحكومة.
ولقد احدث هذا الانفتاح  من قِبل المالكي على جانب من عشائر الانبار باب الانقسام داخل المحافظات الوسطى الثلاث. ففيما انضم قسم من المعارضين والمحتجين الى جهود هؤلاء المشايخ وسعيهم الحثيث لايجاد تسوية، بادرت قيادات المعارضين ولا سيما المعتصمين وفي مقدمهم المرجع الروحي للمعتصمين الشيخ عبد الملك السعدي الى توجيه انتقاد شديد لتواصل هؤلاء المشايخ مع المالكي، فاعتبروا ان هؤلاء المشايخ لا يمثلون المحتجين في الرمادي والفلوجة، فيما دعا الشيخ السعدي هؤلاء الشيوخ الى «عدم الهرولة وراء سراب الحكومة التي تضحك عليهم».
وهذا يدل على امرين اثنين الاول: ان المالكي نجح فعلاً في ايجاد شرخ داخل المعتصمين والمحتجين، والثاني انه بيّن الرغبة الحقيقية للمعتصمين في عدم اتاحة الفرصة لاستيلاد تسوية معقولة تضع حداً للازمة الحالية.

ابرهيم بيرم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق