سينما

بيترويت… المرأة معنفة والقضية مسخّفة

في العالم، امرأة من كلّ ثلاث نساء تتعرّض للعنف الجسدي والنفسي. في لبنان مئات النساء يتعرضن للتعنيف والضرب في ظل غياب قانون يحميهن. المخرج عادل سرحان المتعاطف على ما يبدو مع هذه القضية الانسانية الكبيرة والمهمة التي تطاول كل أم واخت وابنة وحبيبة وصديقة، قرر ان يحولها قضيته ويقدمها في فيلم سينمائي بعنوان «بيترويت» تم افتتاح عرضه الاول في حفل ضخم ليل 5 اذار (مارس) الجاري في قصر الاونيسكو، بحضور عدد كبير من النجوم والفنانين والاعلاميين.

«بيترويت» أي بيروت اللبنانية وديترويت الاميركية، لأن الوجع المعنوي والجسدي الذي يعانيه المعنفون اسرياً لا يقتصر على بلد محدد بل هو شائع في الغرب والشرق على حدّ سواء، والظلم لا يقع فقط على المرأة غير المحمية بالقانون في لبنان، بل على الرجل غير الاميركي أيضاً في اميركا التي يقف قانونها في صف المرأة المعنفة بشكل اعمى ومن دون تحقيقات كما أظهر الفيلم.

بين بيروت وديترويت
القضية المهمة قدّمت من خلال مقاربة بين ديترويت الاميركية التي يحمي قانونها المرأة بشكل اعمى، وبيروت التي لا يزال نساؤها يرزحن تحت نير مجتمع ذكوري يعطي كامل الصلاحية للرجل بأن يضربها طالما ان القانون لا يقف بصفها. في بيروت سنتابع المأساة التي تعيشها ليلى (دارين حمزة) المرأة التي تعيش مع زوج (حسن فرحات) عنيف يتعاطى المخدرات والكحول ويعاملها كحيوانة، فيمسح الارض بكرامتها ويحوّل جسدها متنفساَ لحقارته، وكل ذلك امام عيني ابنتهما الصغيرة. ليلى ستحاول الهرب منه مع ابنتها ولكنه سيتمكن من الامساك بها، فيتركها مضروبة ونازفة على قارعة الشارع بعد أن يأخذ منها ابنتها. ليلى ستقع على امرأة سورية (مديحة كنيفاتي) عانت مثلها من العنف على يد زوجها فهجرته واحتمت في فندق تملكه السيدة الطيبة والخدومة (ختام لحام). السيدتان  اللتان ستساعدان ليلى على استرجاع ابنتها وجواز سفرها استعداداً للهرب الى اميركا عند شقيقتها  زوجة المحامي الذي يهتم بقضية الثنائي الثاني في الفيلم. انهما سام (ديريك كيلي) اللبناني الاصل وليزا (آثينا ليبيسيس) الاميركية اللذان كانا يعيشان بسعادة وبحبوحة مع ابنتهما الى أن قررت ليزا تحقيق طموحها المهني وتصبح عارضة ازياء ونجمة اعلانات. عندها ستقرر التحرر من سام فتدعي انه ضربها وتحصل على حكم قضائي بحضانة ابنتها وبترحيله الى لبنان بعدما سحبت منه اقامته.

مأساة الاخراج والسيناريو!
هكذا بكل بساطة أطلق البعض على مخرج الفيديو كليب اللبناني عادل سرحان لقب المخرج العالمي، اسوة  بجيمس كاميرون وستيفن سبيلبرغ وتيم بورتون ودايفيد لينش وفرانك كابرا وجون فورد وفيديريكو فلليني والفريد هيتشكوك وغيرهم من الذين حفروا اسماءهم بالذهب في سجلات السينما العالمية. فهل يعقل أن نطلق عليه  لقب مخرج عالمي لأنه قدم في شريطه الثاني قضية المرأة المعنفة في حبكة ضعيفة ومعالجة سخيفة، ومع ممثلين من جنسيات متعددة بين لبنانية (حسن فرحات ودارين حمزة وختام اللحام وعدنان عوض) وسورية (مديحة كنيفاتي) واميركية وكندية (ديريك كيلي وآثينا ليبيسيس وأليكس صافي وكريستين سولومون ولينا شوكان وماريا صفا) ؟ العالمية لا تعني تصويراً بين لبنان واميركا، وممثلين من الشرق والغرب. العالمية تعني شريطاً يلامس ويأسر اهتمام العالم كله بمضمونه المؤثر والعميق وشكله ولغته السينمائية وابتكاراته. صحيح ان عادل سرحان يطرح في «بيترويت» قضية تلامس العالم كله الذي يرفض جميع اشكال العنف الاسري وتحديداً العنف ضد المرأة، ولكن شريطه للاسف لا يقترب قيد انملة من مستوى افلام لبنانية تميّزت وبرزت في مهرجانات عربية وعالمية مثل أفلام نادين لبكي ولارا سابا وسمير حبشي وبهيج حجيج وزياد دويري. والسبب أنه ضعيف باخراجه الذي اقترب في بعض المشاهد من منطق الفيديو كليب بالمونتاج والايقاع والحركة السريعة والمبالغة في المؤثرات الصوتية والبصرية، إضافة الى كادرات غير موفقة وراكورات خاطئة. اما النص وابتعاده عن المنطق والواقع فحدث عنه بلا حرج، لأنه يسخر من عقل المشاهد بمغالطاته الكثيرة.
للاسف عادل سرحان الذي برز كمخرج فيديو كليب ناجح لعدد كبير من نجوم الغناء في العالم العربي، والذي قدم فيلماً روائياً سابقاً بعنوان «خلّة وردة» لم يمتلك مقومات النجاح رغم انه يطلق تحية للمقاومين في الجنوب، «تعدّى» واعذروني لاستعمال هذا التعبير، «تعدّى» على المرأة وحقوقها عندما «تعدّى» على كتابة السيناريو التي تحتاج الى الكثير من الموهبة والتقنية والحرفة والبحث والتعمّق في المعطيات حتى تجيء بصورة مشرفة وتوصل الرسالة بشكل هادف. انه موضوع حساس ومهم وجوهري وكبير كموضوع المطالبة بقانون يحمي المرأة من العنف الاسري ولا يعالج بكل هذا التسخيف والتسطيح والاستهتار، فكتابة السيناريو ليست تسلية «وخربشة» افكار على الورق، نوصلها بما تيسّر ونقدمها في عمل نطلق عليه بكل ثقة اسم شريط عالمي. الكتابة السينمائية تتطلب الكثير من المنطق والجدية في التعاطي والمعالجة من خلال اشهر من الابحاث المفصلة والدقيقة حول الموضوع المطروح، من جميع نواحيه القانونية والاجتماعية والطبية والنفسية. عندها لن يقع عادل سرحان في اخطاء اقل ما يقال عنها انها مثيرة للسخرية والاستهزاء، بكل ما تحتويه من مواقف مفتعلة وغير منطقية ترجمت في حوارات ركيكة لم تساعد الممثلين على تقديم اداءات اقوى، فبدوا كمثل من يسمّع درسه خصوصاً الممثلين من الجهة الاميركية. اما الممثلون اللبنانيون فليسوا افضل كثيراً، فدارين حمزة لم تكن موفقة ابداً ولم تترجم بشكل مقنع كل ذلك الالم والذل والاهانة التي تشعر بها المرأة المعنفة.

لقد بدت باردة جداً وكأنها غير معنية بكل ما يجري، فلم نشعر بأننا نتعاطف معها. اما حسن فرحات فوحده من يستحق كلمة «برافو»، لأنه بدا صادقاً ومقنعاً وحقيقياً رغم شخصيته الكاريكاتورية المبالغة، ونجح في ملئنا حقداً وثورة حيناً وفي اضحاكنا احياناً اخرى. وتجدر الاشارة الى ان ضيوف شرف حلوا على الفيلم، مثل صوت النجم عاصي الحلاني الذي قدم اغنية بعنوان القدر ورافقتها مشاهد فيديوكليبية بامتياز، وحضور الممثل اكرم الاحمر في اطلالة محببة من اميركا حيث يقيم، ومشاركة الاعلامية ماريا معلوف.

مغالطات
المغالطات في الشريط عديدة جداً فهل يعقل ان نصدق ان شاباً لبنانياً مولوداً في اميركا ولا يحمل الجنسية الاميركية؟ وهل يعقل ان نصدق ان الشرطة الاميركية ستصدق امرأة تدعي ان زوجها ضربها بوضعها بعض المساحيق الداكنة حول عينها، فتصدر امراً قضائياً من دون تحقيقات، ويقضي بابعاد ذلك الزوج وحرمانه من «الغرين كارد» ومن ابنته وتتم اعادته الى وطنه لبنان بجواز سفر لبناني منتهية صلاحيته؟ هل يعقل ان
الحفيدة لا تعرف جدها، مع العلم ان الزوجين كانا كالسمنة والعسل مدة عشرة اعوام وحياتهما العائلية كانت رائعة مما لا يبرر عدم لقاء الجد والحفيدة في السابق. هل يعقل ان نصدق ان السيدة اللبنانية التي لم تستطع ركوب الطائرة الى اميركا لان زوجها تقدم بطلب يمنعها من السفر مع ابنتها، بقيت محتجزة في المطار اللبناني وكأنها «عاملة عملة» وممنوعة من التحرّك؟ هل يعقل ان نصدق ان القوى الامنية اللبنانية  عام 2013 لا تتحرك لالقاء القبض على رجل يطلق النار على شرفات منازل الجيران الحشريين بعد مشادة عنيفة مع زوجته، بينما تهجم كتيبة كاملة من قوى التدخل السريع بكامل عتادها واسلحتها وقنابلها وقناصتها  على منزل هذا الرجل بعد اتصال من اعلامية مشهورة تنبأت ربما بأن الزوج يتاجر بالمخدرات. هجوم كوموندوسي مضحك في مبالغاته غير المقبولة، فحتى لو كان  الرجل هو الارهابي كارلوس ويجتمع مع مافيا دولية لتهريب المخدرات، لما احتاج الى كل ذلك الجيش من العناصر لمهاجمته… اما مهاجمتنا لفيلم «بيرترويت» فليست من باب الانتقاد والتهشيم وعدم الرغبة بمساندة فيلم لبناني، فرغم قساوتها هي تندرج في خانة النقد البناء، خصوصاً أن السينما اللبنانية بدأت تثبت نفسها فعلاً ولم يعد مقبولاً التغاضي عن الاخطاء فقط مراعاة للخواطر.

مايا مخايل

 

مهرجان أيام بيروت السينمائية ينطلق للمرة السابعة
ينطلق مهرجان أيام بيروت السينمائية بدورته السابعة في ١٥ آذار (مارس) في سينما متروبوليس- أمبير صوفيل الاشرفية ويستمر لغاية  ۲٤ آذار (مارس)، وهو من تنظيم الجمعية الثقافية بيروت دي -سي. يستضيف المهرجان أكثر من خمسين فيلماً من الأفلام العربية الروائية الطويلة والوثائقية والقصيرة، إضافة إلى ندوات وجلسات تواصل وندوات مختصة. تقدم هذه الدورة أفلاماً جديدة من بلدان تشارك للمرة الأولى كفيلم الإفتتاح  «وجده» إخراج السعودية هيفاء المنصور الذي سبق ان شارك في مهرجان البندقية، وحصد جوائز مهرجان دبي الدولي. ويروي الفيلم قصة فتاة تحلم بشراء دراجة هوائية، فتتحدى وتجتهد لتحقيق مبتغاها رغم ممانعة مجتمعها. افلام هذه الدورة من دول عربية عدة وقد شارك معظمها في مهرجانات عالمية عريقة مثل مهرجان كان والبندقية. باقة من المغرب والجزائر وتونس ومصر وفلسطين والعراق وسوريا، وطبعاً لبنان المشارك بمجموعة افلام وثائقية إضافة للعرض الاول لكل من فيلم المخرج فؤاد عليوان «عصفوري» قبل انطلاقه في الصالات اللبنانية، والشريط الوثائقي «النادي اللبناني للصواريخ» اخراج جوانا حاجي توما وخليل جريج قبل بدئه في الصالات اللبنانية في 11 نيسان (ابريل) المقبل. كما تقوم أيام بيروت السينمائية وجمعية بيروت دي – سي بتنظيم نشاطات وندوات عدة موازية للمهرجان لدعم السينما العربية عبر «دوك ميد» وهو برنامج تدريب على إنتاج الأفلام الوثائقية يستهدف المنتجين و/أو المخرجين/المنتجين العرب من الشرق الأوسط والمغرب العربي  (الجزائر، مصر، الأردن، لبنان، ليبيا، المغرب، سوريا، فلسطين وتونس). وسيتم ضمن هذا النشاط عرض افلام بحضور صانعيها وتليها حوارات مفتوحة، مثل «غزة ٣٦ مم» بحضور المنتج ابرهيم الياغي و«رسائل من الكويت» بحضور المخرج كريم غوري.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق