صحة

لعنة الكحول!

الذنبُ ليس ذنبه… انه ذنب الكحول! كم سمعتم بربكم مثل هذا التعليق وأنتم ترون شباناً يلفظون العمر ويُصبحون تراباً بسبب الافراط في السِكرِ؟ وكم قُتل أناس على قارعة الطرق بسبب الافراط في الشرب؟ وكم من دماغ بات صدئاً وكبد تشمع وعقل تشظى بسبب كؤوس تُدق ببعضها على صدى: كاسك؟ أنظروا في الكأس، في قلب الكأس، في السائل المرفوع خلال السهرات عالياً ولا بدّ أن تروا عيوناً تائهة غائرة، ووجوها سوداء مقفرة مكتوباً على تقاسيمها: سكارى!

الشباب والكحول عنوان بحث جديد انطلقت به الجامعة الأميركية في بيروت حول تخفيف مضار الكحول. جيد. هذا هو المطلوب: تخفيف مضار الكحول… لكن بعد ماذا؟ وبأي قوانين؟ ومن يحمي ويتابع؟ ولماذا يُفترض بنا أن نقرع جرس الإنذار بقوة؟
دق ناقوس الخطر، في موضوع الكحول، على الأبواب. فالشبابُ يحبون منذ ان تنبت أولى شعيرات ذقونهم التمثل بالناضجين، بآبائهم، فيسارعون الى حلقها وهي بعد ناعمة! الكأس، في ليالي السهر، علامة نضوج أخرى. الشباب يهوون أن يشربوا حتى لو لم يستسيغوا المذاق وشيئاً فشيئاً يعتادون عليه. الشرب إذاً، في الشكل العام، مهزلة، أما في الظاهر فخطر داهم! لهذا نسمع بجمعيات تولد يومياً رافعة الصوت: لا تشربوا وتسوقوا! لا تفرطوا أيها الشباب الأعزاء بالشرب! فالسكر قد يبدأ حالة نشوة تدوم دقائق ويتحول الى سجن دامس قاتل موجع ومدمر!

شاربو الكحول في لبنان 40%
هو، صديقنا، بدأ يشرب مراهقاً، واليوم، قبل نحو أسبوع بالتمام والكمال، سكن القبر بسبب داءِ تشمع الكبد! أدمن هو على الكحول الى حين قضت هي عليه. كانت له أهم من بثينة الى جميل واهم من جولييت الى روميو. بدأت ثورة وأصبحت إدماناً. مات هو. طمر تحت التراب. ويبقى هناك نحو أربعين في المئة من اليافعين في لبنان يؤسسون للأسف الى بداية إدمان! نعم بينت الإحصاءات التي جرت بين عامي 2005 و2011 ارتفاع نسبة اليافعين في لبنان، في الفئة العم
رية بين 13 و15 عاماً، الى أربعين في المئة. وبين كل سبعة يافعين هناك اثنان يتناولان الكحول. وعدد طلاب الثانويات الذين اعترفوا بأنهم سكروا ارتفع بين عامي 2005 و2011 مرة ونصف!!
الخطر المحدق قد يكون بحجم قنبلة ذرية. انه بحجم جيل يُفترض أن يُبنى للمستقبل. وفي هذا الإطار حصلت الأستاذة المساعدة في مكافحة الوبائيات والإحصاء الحيوي في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية الدكتورة ليليان غندور على منحة من مركز أبحاث التنمية الدولية من اجل العمل على تحديد السياسات الوطنية القادرة على التأثير في الحد من استهلاك اليافعين للكحول. لن ندخل طبعاً في «السياسات» التي ما دخلت، حتى هذه اللحظة، في شيء إلا وأفسدته… بل سنغوص في شكل المدمن لنسأل: ماذا يعني صحياً ان يكون الشاب مدمن كحول؟

الكحوليون اكثر عنفاً
لن نغو
ص طبعاً في الدراسات التي تقول ان الكحول متورطة في ربع جرائم القتل عالمياً، لكننا لا بدّ ان نلفت الى انه تبين ان الشباب الذين يفرطون في تناول الكحول لديهم أرجحية للعنف أكبر بخمس مرات من غير الكحوليين. هذه الحقيقة يُفترض وحدها ان تجعلنا نضرب فرامل قوية لنسأل: كيف تعمل الكحول في أجسام الشباب؟
يكف
ي، او يفترض ان يكفي، ان نعرف ان مادة الايثانول الموجودة في المشروبات الكحولية تُستخدم نفسها في الصباغ والطلاء وفي تحضير المنكهات والمطهرات وحتى في الوقود… والمادة تمتصها الامعاء بسرعة هائلة وتوزعها الى الأعضاء والأنسجة والكبد عبر الدم.  وهي تجعل من يشربها يعيش حالة سكر تنخفض فيها الكفاءة الجسدية ويضعف البصر والذاكرة ويضطرب الادراك وتتباطأ ردات الفعل ويحدث التشوش الذهني والارتباك وتُشل الأعصاب التي تُحرك العين وتضعف حاسة السمع وقد يؤدي هذا، تدريجياً، الى تشمع الكبد ويزيد من احتمال الإصابة بالتهاب المعدة والقرحة والبنكرياس.
تعمل الكحول على الجهاز العصبي المركزي، وهي تؤثر تحديداً على النخاع الشوكي والمخيخ وعلى قشرة الدماغ وعلى أنظمة الناقلات العصبية. وتذوب الكحول عادة في المواد الدهنية، ما يساعد على انتقالها في مجرى الدم بسهولة وعبورها الحائل الدموي الدماغي. وهذا الحائل، لمن يجهل، عبارة عن غشاء مبني من طبقة ثنائية من الخلايا يمنع بعض المواد المنتقلة عبر تيار الدم من الدخول الى أنسجة الدماغ لكن الكحول، للأسف، تقوى عليه وتخترقه.

ماذا تفعلون بأنفسكم؟!
يتسبب تناول الكحول طويلاً، كي لا نستخدم عبارة إدمان الكحول، بتلف في النصف الجبهي من الدماغ وبزيادة في حجم البطينات وبتقلص حجم الدماغ وبنقص في الفيتامينات وخصوصاً فيتامين ب واحد، ما يتسبب بارتباك وبفقدان الذاكرة والانحراف واللامبالاة. ويكفي ان يشرب السكير خمس كؤوس كحول حتى يواجه ارتفاعاً في ضغط الدم، كما قد تزداد لدى المدمنين على الكحول امكانات الإصابة بالسرطان وبالمرض المعوي والسكتة الدماغية وبالتهابات البنكرياس والرئة وبفقر الدم.
تعبر الكحول نحو الدماغ بسرعة، وتبقى في الجسم الى حين يُفككها الكبد، فتخرج عبر التنفس والعرق والبول. وهذا يعني انها تهد الكبد، والكبد كما تعلمون، هو مصفاة الجسم، ينظم مستوى السكر ويُكسر الدهون ويساعد على تكوين البروتينات الممتصة لتجلط الدم ويحطم الميكروبات ونفايات الخلايا… فتصوروا إذاً أيها الشباب، شباب الكحول، ماذا تفعلون بأنفسكم؟! في كل حال، قد يحتاج الجسم كي يتخلص من تأثيرات كأس واحدة من النبيذ الى اكثر من ساعتين! وما عليكم إلا أن تحسبوا كم عدد الكؤوس التي قد تشربونها في ساعتين وكم تحتاج الى وقت كي تعود وتتكسر وتلفظونها عبر البول والعرق والتنفس!! هنا، يُفترض ان نقرأ جيداً إحصائية حديثة دلت على أن أمراض الكبد الكحولية التي كانت نادرة بين المراهقين تتمدد بفعل تغير عادات الشرب والظن، ظن الشباب، بأنهم غير قادرين على ان يصبحوا اجتماعيين إلا بالإمساك بكأس في اليد اليمنى وبسيكارة في اليد اليسرى!
يبقى أن نعرف ان الدراسات تشير الى ان 14 في المئة من المراهقات و18 في المئة من المراهقين من الفئة العمرية بين 13 و15 سنة يتعاطون الكحول في البلدان المنخفضة الدخل! نفهم من هذا أن هؤلاء يظنون أنهم بفعلتهم هذه يتمثلون بطبقة الأغنياء! انه التقليد الأعمى!
شباب؟ مدمنون على الكحول؟ نصيحة مجانية: فكروا مرتين!.

نوال نصر

حين يدق القلب ومن السكري ما قتل…
على هامش أسبوع مكافحة أمراض القلب والتمثيل الغذائي، عاد مرض السكري المتمدد ليحضر مرة جديدة بالأرقام والمعلومات. الحدث إذاً يتعلق بالقلب اما الكلام فله علاقة بالحلاوة، بالسكر، وحين يجتمع القلب والحلاوة يُفترض أن تبدأ في الحياة حكاية اعجاب فـ… ودّ فهيام لكنها هنا، في الصحة، تبدأ حكاية من نوع مختلف آخر…
نظمت الحدث «أم أس دي» بالتعاون مع الجمعية اللبنانية للغدد الصماء والسكري بهدف عرض المضاعفات الخطيرة التي يواجهها مرضى السكري وانتشاره الواسع في لبنان واستعراض الحلول الطبية التي تكفل مساعدة مرضى السكري على إدارة حالاتهم والتحكم في المرض.

يبدأ قبل أن يظهر!
رئيس الجمعية اللبنانية للغدد الصماء والسكري والدهنيات الدكتور شارل صعب شرح مرض السكري بأسلوبٍ مبسط: يبدأ الداء قبل أن يظهر! بمعنى أن مشاكله قد تبدأ قبل أن ترتفع معدلاته، فيكبر الكرش الذي يحلو لنا شعبياً تسميته «كرش الوجاهة»، وترتفع الدهنيات في الدم وتزيد خطورة حصول جلطة في الرأس. وفي هذه المرحلة يكون الإنسان مستبعداً وجود السكر مردداً: «ليس معقولاً هذا… فأنا لا أعاني من أعراض السكري. ولا أشعر بالعطش. ولا أشعر بالحاجة الدائمة الى التبول. وهو، أي هذا الإنسان، لا يكون مدركاً أن تلك الأعراض قد لا تظهر إلا بعد أن يرتفع معدل السكري عن 180، حين تبدأ الكليتان بتهريب السكري فيعطش الإنسان ويزيد التبول. ويتحدث صعب عن وجود ثلاثة آلاف مصاب بالسكري من النوع الأول في لبنان مقابل 400 ألف مصاب بالنوع الثاني من السكري، وهذه النسبة تتقارب مع ما هي عليه في الولايات المتحدة الأميركية حتى ولو لم يكن نمطنا الغذائي مثلهم لكنه، للأسف، يتغير! نمطنا الغذائي سيقترب إذا لم نعد الى الجذور لأن يُصبح مثل نمطهم!
على الرغم من ارتفاع مستوى الوعي حول خطورة السكري، يستمر الوعي حول العلاقة الوثيقة بين السكري وأمراض شرايين القلب منخفضاً. ومعلوم أن مضاعفات السكري تمثل السبب الرئيسي لوفاة ثلثي مرضى السكري، اثنين من كل ثلاثة، وتتمثل تلك المضاعفات في حدوث الجلطات والأزمات القلبية.
العضو المنتدب لشركة «أم أس دي» في منطقة الشام عن السكري الدكتور عمر ريفي تحدث بدوره عن دراسات تشير الى أن مرضى السكري من النوع الثاني معرضون للإصابة بأمراض شرايين القلب أكثر مرتين الى أربع مرات من سواهم. والخطير في هذا الموضوع أن الدراسات تشير الى أن أربعين في المئة فقط لا غير من مرضى السكري من النوع الثاني يتلقون علاجات مستمرة لضبط هذه المستويات!
نعود الى الدكتور صعب الذي يشرح أن ارتفاع مستويات السكر في الدم في شكل متواصل ودائم يؤدي الى تكوين لويحات كثيفة على الجدران الداخلية للشرايين وهذا ما يجعل مريض السكري أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب.
ألم نقل أن العلاقة بين القلب والسكر في موضوع الصحة ليست كما حالها في حالات الحب؟!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق