عالم عربي

دمشق… المأزق يسترشد منافذ الحل

هل توصلت اطراف الصراع السوري الى نتيجة مفادها استحالة الحسم بمثل تلك الطريقة القائمة؟ وهل اهتدى المتقاتلون الى طريقة افضل لحل الازمة المتصاعدة؟ وهل ستؤدي الافكار المطروحة الى حل مقبول؟ ام ان المتغيرات الاقليمية والدولية فرضت نفسها على المشهد بكل تفاصيله، وانتهت الى تطبيقات لا بد من الاخذ بها تبعاً لنتائج وخلاصات توصلت اليها مراكز صنع القرار؟

اسئلة تطرح بقوة على مختلف الصعد وصولاً الى اجواء يراها متفائلون مريحة بعض الشيء، ويراها متشائمون مجرد افكار صعبة التطبيق والهضم امام واقع لا يخلو من التعقيد، ومسارات متقاطعة من شأنها ان تترك بصمات واضحة على مسارات الملف السوري بكل تفاصيله. لكنها وبكل الاحوال يمكن ان تكون قد حركت المياه التي كانت على وشك الركود، واسست لحالة من الحراك الذي يراه محللون ضرورياً من اجل التأسيس لحل يجده البعض صعباً لكنه غير مستحيل. وفي المحصلة فإنها تحمل في ثناياها عمليات ايجابية، وفي مسار آخر انعكاسات سلبية على المشهد العام.
فعمليات الرصد لمجريات الاحداث في سوريا لخصها قادة عسكريون وسياسيون متابعون قبل اسابيع، حيث اكدوا ان الرئيس الاسد يمكنه الاستمرار عسكرياً لعامين، الا انه لا يمكنه البقاء سياسياً الا لاشهر عدة.
واشار اليه نائب الرئيس السوري فاروق الشرع صراحة من خلال التأكيد على ان اي فريق من طرفي الصراع لا يستطيع حسم المعركة عسكرياً. وكلها اشارات تعزز الفرضية التي تقول بأن الحل يجب ان يكون سياسياً. وان على الرئيس الاسد واركان نظامه القبول بمعطيات الحل السياسي، خصوصاً ما طرحه الائتلاف المعارض خلال ندوة على هامش مؤتمر للامن عقد في ميونيخ.
وفي الوقت نفسه يعزز المتابعون فرضيتهم من خلال ما يمكن تسجيله على الارض، حيث الدمار الشامل بات عنواناً بارزاً من عناوين الحالة الراهنة، وان الاستمرار في النهج عينه يمكن ان يفضي الى دمار شامل لكل انحاء البلاد. اضافة الى استمرار اعمال التشريد والقتل حيث تجاوز عدد القتلى الستين الفاً، والجرحى الربع مليون، واللاجئين الثلاثة ملايين.
ومن ابرز الاحصائيات التي بات الشارع العربي يتحدث عنها بلوغ عدد سكان مخيم الزعتري بمحافظة المفرق  الاردنية المائة الف، وهو ما يعني مضاعفة عدد سكان المحافظة الحدودية التي تعيش حالة من الفقر الشديد. بينما بلغ عدد اللاجئين السوريين في الاردن قرابة النصف مليون لاجىء.

الدعم الدولي
اما في مسار الدعم الدولي، فالقصة قد تكون اكثر عمقاً، حيث الاحساس العام بان المجتمع الدولي لم يعد على الوتيرة عينها من الدعم. وان هناك تراجعاً عاماً في الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي لعناصر الثورة. وبحسب تقارير يجري تداولها على مستويات مختلفة تعاني التنظيمات المسلحة من شح في عمليات التزود بالسلاح، الامر الذي انعكس سلباً على مستوى العمليات التي تنفذها.
وفي المحصلة هناك احساس عام لدى الثورة بوجود مواقف ثابتة تدعم النظام، وتزيده صلابة، خصوصاً مواقف كل من روسيا وايران. بينما يعاني الدعم الخاص بالثورة من حالات تذبذب واضحة، انعكست على المستوى العملياتي للثورة. وهي الفرضية التي اثارت وما زالت تثير جدلاً عميقاً، بحكم بعض القراءات التي تتحدث عن تناقض في الموقف الروسي ازاء نظام الحكم. وهي قراءات يعتقد انها اخذت مسارها مؤخراً في ضوء المتغيرات الدولية. بينما الموقف الايراني لا يزال متمسكاً بثوابته، رافضاً اي تغيير يطرأ على عناصر التحالف الاستراتيجي المعلن منذ سنوات طويلة. ويشير قادة الثورة في هذا الصدد الى الرد الايراني الاخير على الغارة التي دمرت احد المواقع العسكرية السورية والتي يعتقد انه احد المختبرات التي تعمل في المجال الكيميائي، حيث هددت بالرد المباشر على تل ابيب. وألمحت الى امكانية تنفيذ ضربة عسكرية لاحد المواقع الاسرائيلية. وكذلك الموقف المعلن بتقديم كل دعم ممكن للنظام السوري، بما في ذلك فتح بوابات التسلح امام الجيش السوري، وتمرير الدعم العسكري الى قوات حزب الله لكي تكون على اهبة الاستعداد لدعم  نظام الاسد واعطاء هذا العنصر الاولوية في كل شيء.
اذاً، كل المعطيات المحلية السورية تدفع باتجاه الحل. يساعد في ذلك نضوج معطيات اقليمية ودولية من شأنها ان تهيىء الاجواء لاطلاق مشروع سياسي يتقاطع مع ما هو قائم وتؤسس لحالة اقليمية تستبعد بعض الفرضيات التي حكمت المنطقة لفترة من الزمن، واوصلتها الى ما هي عليه الان.
من هنا، وفي ضوء كل تلك المعطيات، هناك من يقرأ المشهد بوجود مؤشرات على نهايات «المشروع الاميركي» الذي دفع المنطقة باتجاه الوثوق بالتيار الاسلامي وتسليمه مقاليد الامور أملاً باحداث التغيير الذي تراه واشنطن متسقاً مع متطلبات المرحلة، والذي يقوم على فكرة جمع الاضداد على طاولة واحدة، وبما يتناسق مع التوجهات الشعبية الاسرائيلية التي قدمت اليمين لديها الى الواجهة.
فالمشروع يقوم – تفصيلاً – على فكرة الدفع باليمين الى الواجهة من فرضية انه هو القادر على معالجة التناقضات وحل الازمات القائمة، خصوصاً ان العملية تكون محكومة باتفاقات مسبقة وبقدر من الضمانات التي تؤكد عدم الخروج بعيداً عن الخط.
ويذهب بعض المحللين الى قراءة المشهد العام من زاوية ان الربيع العربي لم يكن سوى واحد من التطبيقات العامة لذلك المشروع المنتج «اميركياً واسرائيلياً».

ما هو البديل؟
إذاً، البعض يرى المشهد من زاوية انه نهاية للمشروع المتعدد الاطراف وتشارك فيه كل من الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل وبعض الدول الاوروبية وفي مقدمتها بريطانيا. لكن السؤال الذي يطرح: ما هو البديل؟  وهل المشروع البديل هو مشروع ايراني ؟ ام عربي؟ أم خليجي ؟ ام ماذا؟
قد يكون من المبكر تلمس الملامح الكاملة للمشروع الجديد، لكن المدققين في التفاصيل يتلمسون بعداً واضحاً يمكن ان يؤشر الى بعض مفاصل ما يمكن ان يكون مشروعاً بديلاً يأخذ في الاعتبار مجمل ملفات المنطقة الساخنة، وفي مقدمتها الملف النووي الايراني، الذي سيدخل معادلة الصفقات وصولاً الى تنازلات في المواقف الدولية، مقابل دخول ايران الى المنطقة بقدر من الانسجام. وبما يؤدي الى حفظ الامن والامان في منطقة الخليج العربي. وبما يعيد الألق الى العامل السوري ولكن ضمن ترتيبات جديدة تحفظ للثورة ماء وجهها، وتعطي الرئيس الاسد واركان نظامه بعض الضمانات، وبما يقترب من مسار الملف اليمني، مع مراعاة ما يمكن الافادة منه في تلك التجربة. ولن يكون الحل بعيداً عن تطورات ملف عملية السلام التي يقال انها ستأخذ مساراً جديداً بالكامل، وتقوم على طروحات لا تخلو من الجرأة.
ومن ابرز تلك المفاصل ما يمكن ان تلعبه المملكة العربية السعودية من دور بارز في المشهد العام. وبما يمكن ان يؤثر في التفاصيل العامة للحل المنتظر، الا ان التدقيق في تلك التفاصيل يفضي الى ملامح جديدة من ابرزها دخول عناصر خليجية على الخط بهدف القناعة بأن ترك الامور تسير في الاتجاه عينه يمكن ان تفضي الى حالة من الفوضى. كانت بداياتها ما تم الكشف عنه كجهد سعودي – اماراتي مشترك يتمثل بتفكيك خلايا اسلامية يجري تأسيسها في دولة الامارات العربية المتحدة. وبما يتفق مع فكرة تصدير الثورة التي تتولى الجماعة تطبيقها كواحد من الاستحقاقات التي تراها ركناً من اركان نشاطها.
والرؤية التحليلية تستند الى ما يجري في اكثر من مكان، خصوصاً في الدول التي اطلق عليها مجازاً «دول الربيع العربي». فالمشهد المصري لم يعد من التجارب التي يعتد بها، والمشهد الليبي ينشد تجديد الثورة والمشهد التونسي لم يعد على ما يرام. وقد يكون المشهد اليمني الاقل دموية في كل تلك المشاهد، الامر الذي يمكن التفكير بتطبيقه في سوريا التي يدرك جميع الفرقاء انها ماضية نحو الدمار الشامل، وان عناصر الدمار قد لا تتوقف عند حدود تلك الدولة بل تتعداها الى دول اخرى مجاورة.

مشروع جديد
باختصار، يعتقد محللون ان في الافق مشروعاً جديداً يزاوج ما بين عناصر «الربيع العربي» والحلول السلمية للمشاكل القائمة.
ويبدو ان حصة سوريا ستشكل «نصيب الاسد» من ذلك المشروع الذي تجري بلورته، والذي وصلت مؤشراته الى الحركة الوطنية السورية المعارضة وقيادتها، والتي باشرت فوراً بتطبيق تلك العملية.
واختارت الحركة السورية «الائتلاف السوري المعارض» الذي شكل بمباركة دولية قبل اشهر عدة، العاصمة النمساوية فيينا لاطلاق مشروعها الذي صوره البعض بأنه على درجة كبيرة جداً من الاهمية، وان الاخذ به يمكن ان يشكل انقلاباً على كل الثوابت التي كانت قائمة من قبل.
كما اطلق رئيس الائتلاف السوري المعارض معاذ الخطيب مبادرة ابرز مضامينها دعوة النظام السوري الى المفاوضات وصولاً الى حل سياسي للازمة المتصاعدة هناك. وطالب الخطيب اولاً باطلاق سراح المعتقلين كبادرة حسن نية لقبول المبادرة.
غير ان الخطيب طور لاحقاً مشروع المبادرة من خلال الدعوة الى عدم محاكمة بشار الأسد مقابل رحيله. و«التفاوض مع موفدين ذوي صلاحية من قبل النظام، ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء، وذلك توفيراً للمزيد من الدماء والدمار والخراب». وفي بيانات تفصيلية رشح الخطيب نائب الرئيس السوري فاروق الشرع ليكون الشخص المطلوب للتفاوض معه. وهو الترشيح الذي يلتقي مع مشروع تركي عرض قبل اشهر عدة، ودولي تطور لاحقاً ليصبح احد مفاتيح الحل.
وحازت هذه المبادرة على تأييد واسع من جانب أعضاء الائتلاف، الا انها جوبهت بالرفض والتشكيك من قبل المجلس العسكري الذي يرى ان السير في هذا النهج يمكن ان يؤدي الى ضياع انجازاته في المسار العسكري، كما سيؤدي الى مواجهات بين الفصائل التي تتقاطع مع بعضها البعض احياناً، والمطلوب رأس بعضها اميركياً ودولياً احياناً اخرى، الامر الذي كان دافعاً لأن يطرحها الخطيب خلال مؤتمر ميونيخ للأمن العالمي الذي اختتم فعالياته يوم الإثنين الماضي. كما جوبهت المبادرة بالرفض من قبل المجلس الوطني الذي يرى انه مستهدف من خلال هذه المبادرة.
والتقى الخطيب، خلال القمة كلاً من، جو بايدن نائب الرئيس الأميركي، وسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، وعلي أكبر صالحي وزير الخارجية الإيراني، والأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي والعربي الى سوريا.
ويرى محللون ان طرح اسم فاروق الشرع كان تنفيذاً لاتفاق ابرم في ميونيخ، تم خلاله تحديد الشخصية التي يمكن أن يتحاور معها الائتلاف. وبنى أصحاب هذا الرأي رؤيتهم على ما خرج عن الخطيب من تصريحات بعد عودته من ألمانيا، أعرب فيها عن استعداده للتفاوض مع الشرع على رحيل النظام.

طرح الخطيب
وفي التفاصيل، طالب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أحمد معاذ الخطيب النظام السوري بـ «موقف واضح» من موضوع الحوار لحل الأزمة في سوريا، موجهاً نداء إلى الرئيس بشار الأسد لإيجاد حل و«التعاون لمصلحة الشعب».
ورد الخطيب من جهة ثانية بشكل غير مباشر على منتقديه، رافضاً «تخوين» من يتكلم بالتفاوض. ودعا الخطيب في تصريحات صحافية الرئيس السوري الى النظر في عيون الاطفال السوريين والبحث عن حل. مؤكداً ان الائتلاف سيعمل على مساعدته في هذا المسعى، وبما يخدم مصلحة سوريا.
واضاف الخطيب ان على النظام ان يتخذ موقفاً واضحاً. بينما «نمد ايدينا لأجل مصلحة الشعب ولاجل ان نساعد النظام على الرحيل بسلام». واكد ان المبادرة حالياً لدى النظام، وعليه «اما ان يقول نعم او لا». وتابع الخطيب: «ان النظام اذا اراد ان يحل الامور يستطيع ان يشارك ولن يلقى اذا كان جاداً وصادقاً، الا الترحيب من قبل المعارضة».
وفي معرض الدفاع عن مشروعه، اتهم الخطيب «العقلية البعثية» بانها عودت الناس على ان كل كلام عن التفاوض هو نوع من التخوين. واستعرض بعض حالات التفاوض مع «الاعداء» في التاريخ منها ما يعود الى بدايات الاسلام ومنها جلوس القيادة الفيتنامية للتفاوض مع الاميركيين وشعبها تحت القصف والتي جرت دون تخوين.
وعن مضمون المحادثات التي اجراها في ميونيخ وشملت نائب الرئيس الاميركي جو بايدن ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي والموفد الدولي الى سوريا الاخضر الابراهيمي، قال الخطيب: «هناك امر متفق عليه بين كل قوى المعارضة. نحن نريد ان نوفر المزيد من الدماء والخراب، لذلك نقوم بمبادرة سياسية من اجل حل الازمة».
وجدد الخطيب التأكيد على ان الاميركيين والروس والايرانيين والاوروبيين لا يملك اي واحد منهم تصوراً للحل. وان الشعب السوري وحده هو من سيقرر الحل.
وتابع ان الدول الكبرى ليس عندها تصور واضح لحل الازمة، وليس لديها مشروع حل، ودعا السوريين إلى أن «يتخذوا قراراً ويتشاوروا مع بعضهم البعض ليكونوا يداً واحدة». وذكر بأن الهيئة السياسية المؤقتة لائتلاف المعارضة اكدت في بيان أصدرته اخيراً ان «لا مانع من حل سياسي اذا كان على رحيل النظام».
وكان الخطيب اعلن في 30 كانون الثاني (يناير) استعداده المشروط للجلوس مباشرة مع ممثلين عن النظام، مسجلاً خيبة امله من غياب الدعم الدولي للمعارضة وعدم الايفاء بالوعود. وتمثل شرطاه بالافراج عن «160 الف معتقل» في السجون السورية وتجديد جوازات سفر السوريين الموجودين في الخارج. وجوبه موقفه بانتقادات من بعض المعارضين، قبل أن يعلن الائتلاف المعارض في بيان صدر عن هيئته السياسية ان اي حوار يجب ان يتركز على رحيل النظام.

ايران ترحب
في هذا السياق، أعلن وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي في برلين ان بلاده ستواصل المحادثات مع المعارضة السورية التي اجتمع معها رسمياً في نهاية الاسبوع للمرة الاولى. وكشف صالحي خلال مؤتمر امام المعهد الالماني للسياسة الخارجية انه اجرى محادثات استمرت بين 45 دقيقة وساعة، وكانت مثمرة جداً وقررنا مواصلة هذه المحادثات. وكان صالحي وصف المحادثات مع رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض احمد معاذ الخطيب بانها جيدة جداً، وانها شكلت خطوة جيدة الى الامام. وكان ذلك اول لقاء بين وزير الخارجية الايراني والخطيب.
من هنا يمكن القول ان الملف السوري اصبح على اعتاب تطور جديد، واصبحت احاديث السلام تطغى على ما سواها من اصوات. الا ان بوادر الخلاف باتت تطغى على تشكيلات المعارضة خصوصاً على المجلس الوطني الذي يسيطر عليه الاسلاميون، والذي شن حملة ضد رئيس الائتلاف

 

عواصم – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق