سياسة عربية

العراق: سقطت الحلول… وعاد التصادم السياسي والتفجير الارهابي

لا افق لأي حل او تسوية سياسية في الساحة العراقية تنهي احتجاج المعارضين المستمر والذي يوشك ان ينهي شهره الثاني على التوالي، وبالتالي تدفع حكومة نوري المالكي الى الانصياع للمطالب التي يرفع لواءها المعتصمون، اذ ان كل الجهود التي بذلتها اللجنة الوزارية المخولة متابعة هذه المطالب وكل ما حققته من انجازات لم تشف غليل المعارضين وتجعلهم يقتنعون بجدية الحكومة ورغبتها في اجراء حوار جدي يقف على اوجاعهم، مما دفعهم الى المحافظة على وتيرة حضورهم القوي في الشارع حتى لا يتسلل الضعف واليأس الى صفوفهم.

على خط الازمة المستعرة، وجد الارهاب مجدداً بابه المشرع، فولج عبر المزيد من العمليات الارهابية التي طاولت هذه المرة الشرطة في كركوك (4 انتحاريين)  وعناصر مجالس الصحوة، حيث سقط في اسبوع واحد ما لا يقل عن مئة قتيل واكثر من مئتي جريح في عمليات انتحارية وتفجير ارادها منفذوها ان تكون مدوية وموجعة.
وبين عجز حكومة المالكي عن تقديم اية انماط من الحلول بشكل تعتبره المعارضة تجاوباً مع مطالبها فتخلي بالتالي ساحات الاعتصام والتظاهر وتعيد الامور الى سيرتها الاولى، واعتبار المالكي ان اصرار المعارضة من اساسه يتم بإيعاز خارجي ولتنفيذ اجندة عنوانها ارباك العراق واضعافه، ولا سيما بعدما ابدت الحكومة العراقية تجاوباً مع الكثير من المطالب المتعلقة بها، وعجز القوى السياسية المعارضة منها والموالية على حد سواء، عن الاضطلاع بدور يفضي الى نزع فتيل التفجير ويفتح ابواب الحل والانفراج، فإن مسار الامور يبدو انه متروك لشارع كل فريق، يصعد الامور كيفما يريد ويفعل ما يشتهي ويطرح ما يرغب من شعارات بغية اثبات حضوره في ساحته وشد عصب جمهوره في مقابل شارع وجمهور الفريق الاخر، ما من شأنه ان يفتح الابواب امام فصول جديدة في الازمة ويعمق الشرخ الوطني الحاصل، ويبدد كل الجهود الحالية والمستقبلية للحل والتسوية.

جيش المختار
خلال الاسبوع الماضي، ظهر فجأة امام عدسات المصورين في بغداد، الامين العام لـ «حزب الله» العراقي واثق البطاط معلناً اطلاق كتائب وفصائل شعبية مناطقية، اسماها «جيش المختار» مهمته محاربة الفساد، اضافة الى مواجهة التنظيمات الارهابية مثل تنظيم «القاعدة» او ما يعرف بفصائل «الجيش العراقي الحر».
واضاف: «ان جيش المختار لا يقف ضد التظاهرات التي يشهدها بعض المحافظات العراقية، لكنه ضد استغلال هذه التظاهرات من جانب التنظيمات الارهابية ولن يقف مكتوف الايدي اذا انحرفت عن مسارها على يد هؤلاء الارهابيين».
وكان البطاط نفسه هدد سابقاً بإبادة البعثيين اذا بادرت الحكومة الى الغاء قانون اجتثاث البعث او ما يعرف بقانون المساءلة والعدالة، معتبراً ان المطالبة بإلغاء قانون اجتثاث البعث الذي تم اقراره سابقاً، انما يمثل انقلاباً على الدستور.
وعلى رغم ان ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي بادر فوراً الى اعلان رفضه المطلق تشكيل اية فصائل او ميليشيات مسلحة وان كان هدفها مساندة الحكومة ومواجهة تنظيم «القاعدة» الارهابي او مجموعات الجيش الحر في العراق. ورغم ان وزارة الداخلية توعدت البطاط بإجراءات رادعة واكدت في بيان لها انها ستعمل على ردع كل من يحاول احداث شرخ في النسيج الوطني، معتبرة ان الاعلان عن تشكيل هذا الجيش مجرد محاولات لتأكيد الحضور الاعلامي. ورغم ان السلطات العراقية المعنية اصدرت في ما بعد امراً باعتقال البطاط لتهديداته بتصفية البعثيين السابقين، ورغم ان عشائر الانبار والمنطقة الغربية قللت من اهمية ما سمته «جيش المختار»، معتبرة ان تصريحات البطاط عن تشكيل جيش لا تعدو كونها محاولة للظهور الاعلامي ليس الا، الا ان الخطاب الذي اطلقه البطاط وما هدد به، انما يعبر عن المستوى المنخفض والفوضوي الذي بلغته الاوضاع العراقية خلال الشهرين الماضيين من الاحتقان الحاصل، يفتح الابواب امام اطلاق مثل هذه الخطابات مما يفتح في المجال امام بروز هذا النوع من التحريض والتعبئة.

الجيش العراقي الحر
فقبل ظهور البطاط ودعوته الى تشكيل جيش، كانت بعض المعلومات تتحدث عن بروز ما سمي بـ «الجيش العراقي الحر» في بعض محافظات الوسط العراقي، وذلك في محاكاة واضحة للجيش السوري الحر الذي يواجه النظام في سوريا.
وعلى رغم التقليل من هذا الاعلان واعتباره فقاعة صابون، الا ان الاحتقان الحاصل والازمة المتعمقة يوماً بعد يوم، يشجعان على نمو مثل هذه الظواهر، ويعقدان الاوضاع ويرسخان من مظاهر الانقسام الاجتماعي.
فقبل ايام قليلة، زار وفد من زعماء عشائر الجنوب العراقي والعراق الاوسط، زعماء عشائر في محافظات الوسط التي تجاهر بمعارضتها للنظام في محاولة واضحة لتهدئة التوتر والمساعدة في ايجاد الحلول.
ورغم ان الوفد الزائر اعرب عن تأييده لمطالب المعتصمين وتعاطفه مع حراكهم، فإنه عندما زار احد امكنة الاعتصام برفقة المشايخ المضيفين، بادر المحتجون الى محاصرة الزائرين واطلقوا عليهم وابلاً من قناني المياه والحجارة، فضلاً عن شعارات غير لائقة مما خلق جواً من الاستياء والاحتقان.
ورغم ان مشايخ العشائر المضيفة استنكرت الامر ونددت بهذا الفعل، واعتبرت ان هناك مندسين ومتسكعين ولا يعبرون عن المعتصمين، فإن الوفد الزائر عاد الى دياره ليعلن على الملأ في ظهور اعلامي، فحواه ان مشايخ العشائر لا تسيطر على الوضع ولا تملك زمام أمر المحتجين او السيطرة عليهم.

امور مستحيلة
وبناء على كل هذه المستجدات مجتمعة يمكن استنتاج ثلاثة امور تتصف بالسلبية وهي:
1– ان الشارع العراقي بكل اطيافه والذي كان حتى الامس القريب، يجمع على امر اساسي وهو التعاطف مع مطالب المحتجين المعارضين والتأكيد على ضرورة النظر فيها بشكل جدي وتنفيذ ما لا يخالف القوانين والانظمة منها والذي رفض اساساً رفضاً مطلقاً بلوغ مرحلة التصادم او جعل التظاهرات والاضرابات مدخلاً الى التفجير والتصادمات، وقد ظهر في الآونة الاخيرة وكأنه بدأ يتحلل من هذه الالتزامات وصار ينحو نحو التصعيد والتعبئة، نتيجة تأخر الحلول والتسويات على نحو يفضي الى اشعار المحتجين بأن هناك اهتماماً حكومياً بمطالبهم من جهة، ونتيجة التحريض والشحن والخطاب العالي الذي بات يشعر انصار المالكي والحكومة، بأن المسألة ليست مطالب آنية يتعين النظر فيها والاخذ بما هو ممكن منها، بل هي تتعدى ذلك الى حد قلب الاوضاع رأساً على عقب، وانما هي مع ما يحدث في المحيط من جهة اخرى.
وعليه، بدأت ظواهر الجيش الحر وجيش المختار وسواهما تطل برأسها وتجد آذاناً صاغية لها، وهي بإقرار الجميع ظواهر تعبر عن الرغبة المضمرة بالعودة الى مراحل سوداء، اعتقد الكثيرون انها مضت وولت الى غير رجعة.
2- ان تداعيات الازمة المتوالية فصولاً منذ اسابيع عدة، بدأت تلقي بثقلها على كل الاطراف العراقية وعلى مكونات كل طرف من دون استثناء.
فعلى مستوى الجسم السياسي الحاضن للمالكي، بدا واضحاً منذ البداية ان ثمة تباينات داخل مكوناته حيال التعاطي مع الازمة ولا سيما مع مطالب المتحركين والمعترضين ومعالجتها.
فإضافة الى التمايز التام الذي اختاره زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر منذ البداية، والذي حرص فيه دوماً على الظهور بمظهر المتعاطف تماماً مع حراك المعارضين والمعترضين على كل السلوكيات السياسية للمالكي، فإن ثمة تباينات تتضح يوماً بعد يوم داخل الائتلاف الوطني.
وفي الآونة الاخيرة، القت الازمة نفسها على التيار الصدري نفسه، اذ اعلن عدد من تكتله النيابي نيتهم الخروج منها وتأليف تكتل آخر ينتهج نهجاً متميزاً عن النهج الرسمي للتيار حيال الازمة الاخيرة.
وقد عُد هذا الامر ان ما حصل بشكل عملي بمثابة رسالة ذات معان عدة توجه للصدر كرد على جملة المواقف المعارضة للمالكي التي يتخذها منذ فترة.
وفي المقلب الاخر، بدا واضحاً ايضاً ان المعارضة التقليدية المعروفة في العراق وفي مقدمها القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي باتت تشعر بغربة عن الحراك الحاصل، او ان الحراك الحاصل بات يعيش واقعاً مختلفاً افرز معه قياداته وافرز شعاراته واهدافه البعيدة والقريبة، لدرجة ان المحتجين فصموا علاقتهم بالعملية القائمة.
واللافت في هذا الاطار ان علاوي اعلن اخيراً انه ليس ضد المالكي «ولا نريد طرح بديل عنه ولكن نعترض على ادائه السياسي».
3- ان الازمة العراقية الحاصلة اخيراً زادت من شلل الحياة السياسية في العراق، اذ وبعد ان اعلنت القائمة العراقية عن مقاطعة وزرائها لجلسات مجلس الوزراء، بادرت في الايام القليلة الماضية الى اعلان مقاطعتها لجلسات البرلمان العراقي مما ادى الى عدم انعقاد جلسة البرلمان الاخيرة بسبب فقدان النصاب القانوني.

خطورة التصعيد
بالطبع ما من احد يمكنه الزعم بأن العملية السياسية في العراق قبيل الازمة الاخيرة في احسن حالاتها، ولكن الثابت انه كان هناك حكومة تجتمع وتأخذ قرارات وتصرف الاعمال. فضلاً عن ذلك كان البرلمان يجتمع دوماً ويناقش اموراً حيوية ويحاسب ويصدر قوانين.
وعليه، فإن الامور والاوضاع ستختلف تماماً عن السابق اذا ما مضى الجميع قدماً في طريق التصعيد وبالتالي اذا عطلوا الحكومة ومجلس النواب، اذ ان مثل هذا الحال سيزيد الامور تفاقماً وسيزيد الاوضاع سوءاً وسيؤدي عاجلاً ام آجلاً الى تحطيم صورة الدولة ككل، وسيعرقل مسار العملية السياسية الى حد الانسداد التام.
وعليه، فإن السؤال المطروح: هل ان الاطراف الشريكة في هذه العملية قررت فعلاً بفعل تناقضاتها بلوغ هذه المرحلة من التعطيل وضرب هيبة الدولة وصورتها؟


ابرهيم بيرم

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق