سياسة لبنانيةلبنانيات

وفد قضائي اوروبي في بيروت اليوم للتحقيق في شبهات فساد وتبييض الاموال

المنظومة اسقطت لبنان وفتحت الباب للتدخل الخارجي قضائياً وسياسياً

حدثان يطبعان العمل هذا الاسبوع. الاول قضائي وهو يبعث ولو بصيص امل في قلوب المودعين، والثاني استمرار لمسرحية هزلية معيبة مجها اللبنانيون ولم يعودوا يهتمون بها او ينتظرونها. انتهت فترة الاعياد التي توقف فيها اي نشاط سياسي، وانصرف المواطنون الى مواجهة الهموم المعيشية التي اغرقتهم فيها منظومة هي موضع انتقاد شديد في الخارج قبل الداخل بسبب انانيتها وعدم مسؤوليتها تجاه بلدها وشعبها، ويبقى همها الاول والوحيد مصالحها ومكاسبها.
على الصعيد القضائي يصل اليوم الى بيروت وفد يمثل قضاة من فرنسا والمانيا واللوكسمبورغ، ويبدأ تحقيقاته في شبهات فساد وتتعلق بعدد من اللبنانيين. التحقيق في المرحلة الاولى يشمل خمسة عشر شخصاً بينهم كبار موظفين في البنك المركزي واصحاب او مدراء مصارف لبنانية. وهذه الدفعة ليس بينها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. اما مواضيع التحقيق فتتعلق بشبهات فساد وتبييض اموال وتهريب الى الخارج وسيتم التحقيق في محكمة التمييز في الطبقة الرابعة من قصر العدل، وسيتولى طرح الاسئلة قضاة لبنانيون بحضور القضاة الاوروبيين، احتراماً للسيادة اللبنانية. بصيص امل يسود المودعين اليوم، ليس لعدم ثقتهم بالقضاء اللبناني بل لان هذا القضاء لا يتمتع بالاستقلالية وتتحكم به السياسة وتعرقل اعماله. ثلاثة اشهر امضاها مجلس القضاء الاعلى في اعداد تشكيلات قضائية تعيد تنظيم هذا القطاع على اسس سليمة، وتمنع التجاوزات، ولكن هذه التشكيلات لم تعجب الطبقة السياسية، وبالتحديد رئيس الجمهورية السابق فلم يوقعها ونامت في الادراج. السياسيون همهم ابقاء سيطرتهم التامة على القضاء. اذاً ان تدخل القضاء الاوروبي ليس سببه سقوط القضاء اللبناني، بل التدخل السياسي الفاضح الذي اسقطه. لقد مر الزمان الذي كان السياسيون فيه يستخفون بعقول الناس. وبات المواطنون يعرفون كل الالاعيب والتصريحات المجافية للحقيقة. من هنا فان المودعين افرحهم تدخل قضاء حر ليهتم ولو من باب صغير بقضيتهم. فعلى الاقل قد يتوصل التحقيق الاوروبي الى تحديد الجهة المسؤولة عن ضياع الودائع.
وعلى الصعيد السياسي ينتظر ان يوجه رئيس المجلس نبيه بري الدعوة الى النواب لاستئناف جلسات انتخاب رئيس للجمهورية. هذه الجلسات التي تحولت الى مسرحية معيبة لا تليق بمن يفترض بهم انهم يمثلون الشعب اللبناني. عشر جلسات كانت كلها متشابهة وبلا اي نتيجة سوى انها تثبت، بما لا يقبل الشك، ان بعض النواب الذين اختارهم الشعب ليمثلوه، ليسوا اهلاً لذلك، فسقطوا امام الامتحان. عندما يتخلى النائب عن اهم مهمة مطلوبة منه، هل يجب ان يبقى في منصبه. ان كل الذين يعرقلون انتخاب رئيس، اما بالتصويت بورقة بيضاء، او باسماء وعبارات بعيدة عن الموضوع، انما يساهمون بضرب الدستور وموقع الرئاسة الاولى، ويساهمون في انحدار اسرع نحو الهاوية. اليس هناك قوانين تحاسب النائب على عدم القيام بواجباته؟ ان كانت هذه القوانين موجودة فلتطبق فوراً، وان كانت غير موجودة فعلى المشرعين سنها سريعاً والزام النواب بالقيام بواجباتهم، والا اعتبروا مستقيلين.
كل المؤشرات توحي بان الجلسة المقبلة لن تختلف عن سابقاتها، وان الضغوط الداخلية والخارجية لم تنفع، وان المنظومة وهي اساس خراب هذا البلد لا تزال تعيش في عالم اخر، بعيد كل البعد عن الشعب والمصلحة الوطنية. وهنا لا بد من قول الحقيقة كاملة وتحميل الناخبين المسؤولية الكبرى، لان النواب الذين لا يقومون بواجباتهم هم ايضاً من اختيارهم. يمضون اربع سنوات هي المدة الفاصلة بين انتخاب واخر، وهم يشكون من تصرف الطبقة السياسية، وعندما يصلون الى صندوق الاقتراع يعيدون اختيار الاشخاص انفسهم. فليتحملوا نتيجة خياراتهم الخاطئة.
والمضحك المبكي ان معرقلي انتخاب رئيس للجمهورية، وخصوصاً الذين يعتبرون انفسهم معنيين اكثر من غيرهم، هؤلاء هم من اكثر المطالبين بضرورة الاسراع بانجاز هذا الاستحقاق. فهل هم يكذبون على انفسهم ام على الشعب؟ يظهرون غيرة على رئاسة الجمهورية وعلى الدستور والقوانين. وعلى الميثاقية وحقوق الطائفة الى اخر المعزوفة التي باتت معروفة لدى الجميع، وعندما يدخلون الى المجلس النيابي، يقترعون بورقة بيضاء او باسماء لا علاقة لها بالمنصب فهل هم صادقون في ادعاءاتهم؟ لا مشكلة لديهم طالما ان هناك من لا يزال يصدقهم.
من كل ما تقدم يمكن القول ان الاعتماد اليوم على الخارج، بعدما اثبتت المنظومة عدم كفاءتها، وان اي خير لن يصدر عنها، ولذلك يتطلع المواطنون الى نتائج تحقيقات القضاة الاوروبيين علهم يصلون الى اموالهم كما يتطلعون الى الخارج على امل ان تصدر عنه مبادرة او وساطة او اي وسيلة تؤمن انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة كاملة المواصفات وقادرة على اصلاح ما افسدته المنظومة. انه امل صعب المنال ومع ذلك سنبقى نتأمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق