صحة

لـ «أجيالٍ سليمة» من وباء السمنة!

إذا كان «بطن الإنسان عدوه بالتمام» فإن «عدم الإسراف في الطعام والشراب» وصية… فهل نفذتم وصيتكم؟ الجيل الجديد لا تزال أمامه فرصة. والفرصة يُفترض أن تُقتنص، أن تُسحب، وأن تُلحظ  بعناية في نظم الحياة حتى ولو ظنناها، لوهلة أولى، بسيطة، متاحة، ممكنة، وعرضية وعنوانها: لقمة! فاللقمة، نوع اللقمة، تحتاج الى بُعد نظر!
التوعية الغذائية باتت إذا ملحة وبناء «الأجيال السليمة» بات هما وتحسين العادات عند الصغار أصبح ضرورة… أولم تسمعوا بمقولة: العلم في الصغر كالنقش في الحجر؟
فليتعلم أطفالنا إذا مع الألف باء ماذا يأكلون وماذا يشربون. فليتعلموا، منذ نعومة أظفارهم، أن الصحة كنز وأن الكنز قد يأتي بثوب فرصة. الفرصة أمامكم. الفرصة أمامهم. «الأجيال السليمة» باتت منهجاً…


كل سنة، منذ أربع سنوات، يلتئم شمل كل من أوكلوا، في شكل من الأشكال، بأمر الجيل الجديد: أساتذة. معلمات. إختصاصيو تغذية. أهالي وطلاب تحت عنوان واحد: «نستلة أجيال سليمة»… فماذا يعني هكذا لقاء؟ وماذا يعني أن تتبنى وزارة التربية اللبنانية برنامج توعية غذائية في منهاجها؟
إذا كان البرنامج قد انطلق في العام 2010 من قبل الجامعة الأميركية في بيروت ونستلة، بدعم من وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان، فإن وزارة التربية باتت تأخذه اليوم أكثر من أي يوم آخر على محمل الجد وتُثابر فيه، بدليل أنه وصل الى أكثر من مئة وأربعين مدرسة و11 ألف تلميذ في لبنان أعمارهم تتراوح بين تسع سنوات وإحدى عشرة سنة… فماذا تعلم هؤلاء الصغار؟ وماذا سيتعلمون بعد؟

السمنة بين الصغار الى إرتفاع
عميدة كلية الزراعة والعلوم الغذائية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة نهلا حولا دخلت في صلب المضوع:  أظهرت الدراسات العالمية ان ثلاثين في المئة من الأطفال المصابين بالسمنة قبل سن المدرسة، وأربعين في المئة من المصابين بها في سن المدرسة، وثمانين في المئة من المراهقين الذين يعانون السمنة يبقون سمينين حين يصبحون راشدين. وما يُقلق أكثر هو أن معدلات السمنة في لبنان ارتفعت خلال الأعوام الإثنتي عشرة الماضية لدى الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين ست سنوات و19 سنة من 10،2 في المئة الى 15،5 في المئة لدى الصبيان ومن 5،4 في المئة الى 6،9 في المئة لدى الفتيات. السمنة إذا بين الصغار الى إرتفاع وإن كانت الفتيات أكثر حرصاً على التمتع بجسم سليم جميل من الفتيان. متلازمة الأمراض الأيضية أيضا، وهي مجموعة من عوامل الخطر القلبية الوعائية بما فيها السمنة وارتفاع ضغط الدم والكوليستيرول في الدم، تسود حالياً في لبنان لدى 47 في المئة من الأطفال و33 في المئة من البالغين!
في كل حال، وزارة التربية والتعليم العالي سبق وأعلنت أرقاماً مثيرة للقلق فيها أن الأمراض غير المعدية قد تصيب 69 في المئة من السكان في البلدان النامية مع حلول سنة 2020.  وقد ارتفعت هذه النسبة من 47 في المئة عام 1990 الى 56 في المئة عام 2000. أرقام ونسب تدفعنا الى الحراك الأفقي والعمودي في سبيل نجدة صغارنا من مستقبل صحي قاتم.
المشكلة إذاً كانت تتفاقم، تكبر، تتسع لهذا احتاج التصدي الى تضافر الكثيرين من أجل إنجاح المواجهة. وما حصل في لبنان تكرر، هو نفسه، في 68 بلداً في العالم بينها دولة الإمارات في 2012 والمملكة العربية السعودية في 2014. وكلنا يعلم حجم وباء السمنة في منطقتنا، في شرق أوسط يُشكل فيه هذا الوباء تحدياً كبيراً لإدارة الأمراض المزمنة غير المعدية في العالم.

ازرعوا صحة تحصدون صحة
نعود الى الداخل اللبناني لنسأل عن واقعية الحراك الذي يشهده البلد الراكن على أزمات من كل الأنواع في ما خص أزمة السمنة: فهل لبنان في خطر حقيقي في حال تعطلت المواجهة؟ هل لبنان يستعد الى أزمة صحية قوامها السمنة؟
تجيب حولا: قمنا بمسح للسمنة في لبنان فوجدناها مرتفعة واكتشفنا أن الإستعداد للسمنة عند فئة المراهقين يكبر في دول الشرق المتوسط، وكلنا يعلم، تضيف، أن من يعاني من السمنة ترتفع لديه إمكانيات الإصابة بالسرطان والقلب والروماتيزم، وكل الأبحاث تشير الى أنه إذا تدخلنا في عمر المراهقة الذي يحدث فيه تغيرات جمة، مرنة، نخفف من الإصابة بالسمنة في عمر النضوج ومن الأمراض المزمنة في المرحلة العمرية المتقدمة.
الحل إذاً في برنامج «أجيال سليمة».
رائع. ممتاز. مديرة البرنامج في الشرق الأوسط كارين أنطونيوس الترك أكدت المثابرة في الإلتزام بتحسين العادات الغذائية. مدير عام وزارة التربية والتعليم العالي فادي يرق أكد إصرار الوزارة على توسيع نشر البرنامج من خلال شبكة المرشدين الصحيين الواسعة لوحدة التربية الصحية. إختصاصيو التغذية أكدوا أن ما يُزرع اليوم يؤكل غداً: فازرعوا صحة تحصدون صحة. رائع. لكن أي خطة صحية يُفترض أن تُنتهج للخروج من الوضع السلوكي الغذائي السيء؟

الى حوانيت المدارس
يتدخل البرنامج، بحسب إختصاصية التغذية كارلا حبيب مراد، في المدارس، من خلال إعطاء الفئة العمرية بين 9 و11 سنة المفاهيم الحديثة لنشاط بدني جيد والتدخل لدى حوانيت المدارس من أجل الإمتناع عن بيع رقائق البطاطا المقلية والسكاكر المضرة والمشروبات الغازية. الهدف إذا دفع الطلاب الى تغيير عاداتهم الغذائية تدريجيا والقيام بنشاطات جسدية أكثر.
وتشرح مراد: إذا لم يكن الطفل يعرف ان عليه ان يتناول خمس حصص فاكهة وخضار يومياً فلن يأكل. المعلومات الغذائية إذاً ضرورية من أجل الحث على تطبيقها كما أن درجة استيعاب الطفل لمكونات ما يأكل مهمة جداً. علينا بالتالي تعزيز مهارات الأطفال ثم حثهم على التغيير.
«لا تأكل إلا الصحة»! أحذفوا هذه المقولة الرائجة من قواميسكم فليس كل ما يؤكل صحة! وليس كل صبي بدين سليم. والجلوس الطويل أمام شاشات التلفزة والألعاب الإلكترونية والآي باد يضر ولا ينفع. أركضوا في البراري مع صغاركم. علموهم أن يحبوا النشاطات البدنية منذ يعون على هذه الدنيا وثقوا أن الأيام الألف الأولى، بحسب الدكتورة حولا، هي التي تحدد طبيعة كل العمر. فابدأوا في تعليم صغاركم الأسس الغذائية والعادات الحياتية باكراً على أن تتولى المدارس، بين عمر التاسعة والحادية عشرة، تركيز هذه الأسس في  عقولهم وفي ممارساتهم اليومية لتنجح مبادرة «الأجيال السليمة» وتربحون أولادكم.

الرياضة… سعادة
الرياضة ترفع هورمون الأندورفين في الجسم وكلما ارتفع هذا زاد منسوب السعادة فينا! وكلنا نعرف كم نحتاج في هذا العصر الى «سعادة»… والسعادة، سعادتنا، تُستمد بالتأكيد أيضاً من سعادة صغارنا، فلندفعهم الى المشاركة في ألعاب رياضية شتى ولنذهب بهم أيام العطل والأعياد الى البراري مزودين بأكل سليم. ولنكافئهم بكتاب لا بغذاء «فاست فود»!
ننق؟
ثمة من يُفكر الآن بهذا! نُكرر أنفسنا؟ ثمة من يتململ الآن بالذات من هذا. لكن ما لا يعرفه لا هذا ولا ذاك أن الطفل عجينة طيعة كلما كررنا على مسمعها ونظرها العادات الحميدة كلما رسخت أقوى وأشد فيه. وهكذا نحن، المنشغلون بكل شيء في زحمة هذه الحياة، قد ننسى الأصول، أصول العادات الحياتية، أحياناً!
سؤال أخير: من هو الطفل السمين؟
هو من يزن أكثر من عشرين في المئة من الوزن المثالي بالنسبة الى الطول والسن وجنس الطفل.
ماذا عن أطفالكم؟
كونوا جزءاً من مبادرة «أجيال سليمة» وابدأوا من حيث أنتم الآن، في هذه اللحظة، من البيت، من السوبرماركت، واشرحوا لصغاركم ماذا يأكلون أو ماذا ينوون أن يأكلوا فتربحون بذلك مرتين: أطفال بأجسامٍ سليمة وعقولٍ يقظة وتتعلمون بدوركم أهمية أن تتذكروا ماذا تنوون أن تأكلوا قبل أن تفعلوا. أولم تسمعوا أن من يُنجب طفلا يعش الحياة مرتين حياته وحياة طفله؟
حان وقت الفطور؟ قبل أن تستلوا كيس بطاطا جاهزة وتقدموها الى طفلكم وهو ذاهب الى مدرسته، وهناك كثيرون يفعلون لسوء الحظ هذا، فكروا أكثر بخيار تقديم تفاحة وكوب حليب وسندويش لبنة وخيارة. ولتقدم لكم ولهم الحياة كل الصحة…

نوال نصر
 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق