الاقتصادمفكرة الأسبوع

الغاز يغري الخليج و«غازبروم» تصطاد اسرائيل

تتجه دول الخليج الى زيادة اعتمادها على استخدام الغاز الطبيعي بهدف التخفيف من استنزاف النفط، والحد من التلوث والاكلاف، في الوقت الذي حققت روسيا اختراقاً في المنطقة بتوقيعها اتفاقاً للغاز مع اسرائيل.

زعمت مجموعة «سيتي غروب» المالية في تقرير لها ان السعودية ستصبح مستورداً للمشتقات النفطية بحلول العام 2030، مستندة في ذلك الى ان مشتقات النفط يتم استخدامها لنصف احتياجات المملكة من الطاقة الكهربائية التي ترتفع اسعارها سنوياً بنحو 8٪، كما يزيد استهلاك الفرد منها عن الفرد في الدول الصناعية الكبرى.
لكن محللين اقتصاديين يعارضون هذه التوقعات لاستنادها الى «اساسيات غير منطقية» وهو ما اكده الدكتور محمد الصبان، كبير المستشارين الاقتصاديين في وزارة البترول السعودية، مشيراً الى ان تقرير «سيتي غروب» يعتمد على «فرضيات غير واقعية حيث افترض ان تحافظ السعودية على طاقتها الانتاجية لسنوات عند 12،5 مليون برميل يومياً»، ومؤكداً «ان الطاقة الانتاجية للسعودية تغيرت في الماضي وهي تتغير وفقاً لاحتياجات الطلب العالمي، ولم تكن ثابتة لفترة طويلة جداً عند مستوى معين». مع الاشارة الى ان السعودية تملك، بالاضافة الى المخزونات النفطيةالهائلة، امكانات بحثية، واكتشافات نفطية متكررة، «تدفع الى الاعتقاد بانها ربما تزيد من صادراتها النفطية في غضون العشرين سنة المقبلة، وبالتالي لن تتحول الى مستورد»، خصوصاً ان المملكة اندفعت في استخدام الطاقة البديلة (الطاقة النووية والطاقة الشمسية)، وفي استخدام الغاز الطبيعي كوقود لمحطات الطاقة ليحل تدريجياً محل النفط الخام.

الغاز للبتروكيماويات
يتفق الخبراء على ان الغاز الطبيعي يتيح ميزات تنافسية للبتروكيماويات الخليجية، سواء على صعيد الكلفة او على صعيد الوفرة. ولا شك في ان هذه الوفرة المصاحبة لانتاج النفط الخام شكلت اساساً راسخاً لاطلاق المشاريع البتروكيماوية المجدية اقتصادياً، واجتماعياً وبيئياً كون تحويل الغاز الى منتجات ذات قيمة عالية ساهم ايضاً في الحد من التلوث الناتج عن احتراق الغاز المصاحب. ويعتبر عبد الوهاب السعدون، الامين العام للاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات (جيبكا) ان الغاز الطبيعي يشكل الدعامة الرئيسية لانتاج الاسمدة وغيرها من المنتجات، كما يشكل حجر الزاوية في استراتيجية تنويع القاعدة الاقتصادية، وتقليل اعتماد دول الخليج على عائدات النفط المتذبذبة.
ولأن الغاز الطبيعي اقل تلوثاً من النفط، ومصدراً ملائماً للطاقة التي تغذي الصناعة المحلية، ونظراً لكون دول الخليج تمتلك نسبة 20٪ من احتياط الغاز العالمي المكتشف، ليس من المستغرب ان تتمكن الشركات الخليجية، مثل «سابك» و«تصنيع»، و«آيكويت» و«بروج»، من تبوؤ مكانة مرموقة في قطاع البتروكيماويات العالمي خلال فترة زمنية وجيزة نسبياً.
ويرى السعدون ان انخفاض الكلفة قد يبدو ضمانة فعلية للقدرة التنافسية لمنتجي البتروكيماويات في منطقة الخليج، الا ان التغيرات التي يشهدها الاقتصاد العالمي تتحدى كل الافتراضات المسبقة. فاكتشاف الغاز الصخري في اميركا الشمالية يمنح منتجي البتروكيماويات هناك مزيداً من الزخم، بينما تلوح في الافق بوادر لتراجع الطلب على الصادرات الخليجية مع تعثر الاقتصاد الصيني، وتباطؤ الاسواق الاوروبية تحت وطأة الازمة المالية الحالية.

تنافس قطاعي
في حين يقدر امتلاك الخليج مخزوناً يعادل 1،496،2 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، افاد تقرير احصائي لقطاع الطاقة العالمي الصادر عن «بريتش بتروليوم» ان الكميات المتاحة منه لصناعة البتروكيماويات آخذة في التراجع.
ويعزو السعدون ذلك الى تزايد المنافسة بين قطاع البتروكيماويات والقطاعات الاقتصادية الاخرى على موارد الغاز الطبيعي، ويزداد هذا التنافس مع تزايد نمو السكان لاستخدامها في توليد الطاقة الكهربائية وتحلية مياه البحر. وتأتي القيود المفروضة على الاسعار لتحبط القدرة على زيادة الانتاج من المخزون المتوفر، واوضح دليل على ذلك يتمثل في امتلاك دول الخليج لخمس الاحتياطات المؤكدة من الغاز عالمياً، في حين لا يتجاوز حجم انتاجها 11٪ من اجمالي الانتاج العالمي من الغاز.
ويعتبر الامين العام لـ «جيبكا» ان معدلات الاستهلاك الخليجي خير شاهد على الطلب القوي على امدادات الغاز الطبيعي في دول الخليج، موضحاً انه عندما شهدت معدلات الاستهلاك العالمي استقراراً على مدى العام المنصرم، تجاوز نمو الاستهلاك السنوي في  المملكة العربية السعودية نسبة 13٪ لتسجل بذلك اعلى زيادة سنوية بعد الصين.
وفي حين سجل منتجو البتروكيماويات الخليجيون زيادة بنسبة 13،5٪ في القدرة الانتاجية بين 2010 و2011 وبزيادة نسبتها 29٪ في عائدات المبيعات قد يتأثر هذا النمو اللافت سلباً في حال ترافق انخفاض حجم انتاج الغاز محلياً مع زيادة في حجم الامدادات المتاحة في الخارج.

صفقة غازبروم
وطالما ان محور كلامنا هو الغاز، فلا بد من الاشارة الى تطور لافت في هذا القطاع قد يعيد خلط العديد من الاوراق، ويتمثل هذا التطور بعقد صفقة ضخمة بين شركة «غازبروم» الروسية العملاقة واسرائيل تمنح الشركة حق الدخول، الحصري الى سوق تقدر بنحو 3 ملايين طن من الغاز المسال سنوياً على مدى العشرين سنة المقبلة، اي ما يعادل 84 مليار متر مكعب اجمالاً من حقل «تامار». وستتم اسالة الغاز في موقعه باستخدام تكنولوجيا المحطات العائمة المكلفة التي ستقوم «غازبروم» بتمويلها او الاستثمار فيها. ولا يتوقع ان يتم التصدير قبل 2017، ولدى غازبروم ستة اشهر للانتهاء من الصفقة. وسوف يتطلب ذلك حتماً، قدراً كبيراً من المناورة السياسية لان اسرائيل لم تنته من وضع اطار العمل التنظيمي لتطوير اثنين من اكتشافاتها العملاقة هما حقلا غاز «تامار» و«ليفياثان» اللذان يحتويان على 270 مليار متر مكعب، و450 مليار متر مكعب على التوالي.
ويشكل الحقلان جزءاً من حوض «ليفانت» العملاق في البحر الابيض المتوسط الذي تتقاسمه معها اليونان وقبرص. وسوف يحدد لاحقاً مقدار الغاز الذي يمكن توفيره للاستهلاك المحلي. ومقدار التصدير لجذب اسواق الغاز المسال الآسيوية.
ويعد الاتفاق ذا مغزى جيو-سياسي وتجاري كامل لكل من غازبروم وروسيا واسرائيل بحيث يساهم بقوة في تطوير استراتيجية الشركة الروسية للغاز الطبيعي المسال التجاري ويجعلها مؤهلة في الوقت نفسه لتحويل التوازن الجيو-سياسي في منطقة البحر الابيض المتوسط لمصلحة الشركة، ومن خلال السيطرة على صادرات الغاز الاسرائيلية ستتمكن غازبروم من الحد من التأثير على صادراتها الى اوروبا.

 

صفقة قطرية – بريطانية
اقدمت شركة «قطر للبترول الدولية» وشركة «سنتريكا» البريطانية على شراء حزمة اصول للنفط الخام والغاز الطبيعي في كندا من شركة «صنكورانرجي» مقابل مليار دولار كندي (987 مليون دولار)، وتوزعت ملكية الصفقة بين 60٪ للشركة البريطانية و40٪ للشركة القطرية وتعتبر الصفقة اول استثمار بين اكبر شركة لتوريد الطاقة في بريطانيا واكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال منذ توقيع مذكرة تفاهم بين الشركتين في كانون الاول (ديسمبر) 2011. وهي تظهر تنامي اهتمام منتجي النفط والغاز في الشرق الاوسط بالاستحواذ على نصيب اكبر من الطفرة الحاصلة في انتاج النفط والغاز من مصادر غير تقليدية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق