القاهرة: الدستور الجديد ربع الطريق الى الحكم المؤسسي
مع استمرار الازمة السياسية المصرية في حالة تصاعد مستمر، وتحديداً على خط جماعة الاخوان المسلمين الذين يتمسكون بما يعتقدون انه «شرعية مرسي»، ومحاولات نقل الحراك الاحتجاجي الى اكثر من مكان ومن قبل مختلف الفئات الشعبية، يتوقف المتابعون عند ما يوصف بأنه انجاز مهم على طريق الانتقال من مرحلة الحكم المؤقت الى الاطار المؤسسي. والى تأسيس نظام حكم دائم.
الخطوة التي وصفها محللون بانها تشكل «ربع الطريق» الى ترسيخ نظام الحكم المؤسسي الدائم والثابت، تمثلت باقرار اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور المصري والتي يطلق عليها اسم «لجنة الخمسين» كامل المواد بصيغتها المعدلة، الامر الذي يؤسس لاستحقاقات دستورية رئيسية اولها عرض مشروع الدستور الجديد على الاستفتاء العام خلال شهر.
المدقق في تفاصيل المشهد يتوقف عند حالة غير مسبوقة من النشاط السياسي تشهدها الساحة المصرية استعداداً لعملية الاستفتاء التي يتوقع ان يتم تحديد موعده قريباً جداً، وبحيث تجري العملية خلال الشهر المقبل على ابعد تقدير.
النشاط الذي يجري رصد بعض مفاصله يأخذ شكل الحالة الجدلية احياناً، والوفاقية احياناً اخرى بين مكونات المجتمع المصري، خصوصاً المكونات السياسية. وفي المقدمة مواقف الاحزاب والتيارات السياسية والدينية من المكون الدستوري الجديد، طبقاً لمدى قرب او بعد النصوص الدستورية عن ثوابت تلك الحركات.
وبدا واضحاً التقاطع الكبير في المواقف بخصوص النصوص الدستورية بين المجموعات الاسلامية، حيث كشفت تيارات سلفية من بينها حزب النور الذي يعتبر الحزب الاكبر من بين الاحزاب السلفية، عن تأييده لمشروع الدستور، ودعوته لانصاره بالتصويت لصالح المشروع.
تأييد واسع
وفي المقابل واصلت جماعة الاخوان المسلمين الحشد للتصويت ضد المشروع املاً بافشاله، ودفع الحكومة المؤقتة للتراجع عنه.
وفي الوسط تقف تيارات واسعة تأييداً للمشروع الذي يأخذ بعض الليبراليين والاسلاميين عليه العديد من المآخذ، ومنها انحيازه الواضح الى المؤسسة العسكرية، ومنح تلك المؤسسة صلاحيات واسعة تعزز من نفوذه. وسط اتهامات يتبناها الاسلاميون بأن ما يجري انما هو تعزيز لـ «انقلاب عسكري»، وانه مقدمة لترشيح الفريق اول عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية، الخطوة التي تلي الاستفتاء على الدستور والانتخابات التشريعية. وكلها استحقاقات من المفترض ان تجري في النصف الاول من العام المقبل 2014.
فقد اعلن رئيس لجنة الخمسين لوضع الدستور المصري عمرو موسى في جلسة علنية مسائية الانتهاء من اقرار كل بنود مسودة مشروع الدستور المصري بعد اقرار اربعة بنود كانت قد رفضت خلال الاقتراع الاول قبل ذلك.
وتم الاتفاق بموجب الصياغة الجديدة لهذه المواد على ان يترك تحديد النظام الانتخابي الذي ستجري بموجبه الانتخابات البرلمانية لقانون يصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور، الذي ترك له كذلك تحديد ما اذا كانت الانتخابات البرلمانية او الرئاسية ستجري اولاً.
ونص البند 229 الخاص بانتخابات البرلمان على ان «تكون انتخابات مجلس النواب التالية لتاريخ العمل بالدستور وفقاً لأحكام المادة 102 منه» اي وفقاً للقانون.
وقال المتحدث باسم لجنة الدستور محمد سلماوي في تصريحات لوسائل الاعلام المصرية انه سيتعين على الرئيس المؤقت عدلي منصور الذي يتولى سلطة التشريع حالياً ان يصدر قانوناً يحدد النظام الانتخابي، كحل للاشكالية التي نشأت طبقاً للنص الذي تم رفضه والذي يحدد طبيعة النظام الانتخابي للبرلمان، ويقضي بأن يتم اختيار تلثي الاعضاء بالنظام الفردي والثلث بنظام القائمة.
ونص البند الخاص بالجدول الزمني لانتخابات البرلمان والرئاسة على ان يتم انتخاب رئيس الجمهورية أو مجلس النواب وفقاً لما ينظمه القانون، على أن تبدأ إجراءات الانتخابات الأولى منها خلال مدة لا تقل عن 30 يوماً ولا تتجاوز 90 يوماً من تاريخ العمل بالدستور، وفي جميع الأحوال تبدأ الاجراءات الانتخابية التالية خلال مدة لا تتجاوز 6 شهور من تاريخ العمل بالدستور. بينما نصت المادة الاخيرة على انه «بامكان رئيس الجمهورية المؤقت ان يحدد ما اذا كانت الانتخابات الرئاسية ام البرلمانية ستجري اولاً. وذلك كبديل عن النص الخلافي الذي يحدد الانتخابات التشريعية اولاً ومن بعدها الرئاسية.
وأبقت لجنة الدستور على بندين كانا رفضا في التصويت الاول بدون تغيير وينصان على ان «تعمل الدولة على تمثيل مناسب» للعمال والفلاحين والمسيحيين وذوي الاعاقة والشباب في اول برلمان يتم انتخابه بعد اقرار الدستور.
صلاحيات للجيش
ويتضمن مشروع الدستور بنوداً تمنح الجيش بعض الصلاحيات المفترض ان تخول اساساً للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
ووافقت اللجنة على ثلاثة بنود تتيح محاكمة المدنيين امام القضاء العسكري في بعض الحالات وتشترط موافقة المجلس الاعلى للقوات المسلحة على تعيين وزير الدفاع خلال الدورتين الرئاسيتين المقبلتين وتقضي بأن تعرض موازنة الجيش كرقم واحد اجمالي على البرلمان ما يعني عدم قدرته على مناقشة تفاصيلها.
ويحتج النشطاء الشباب على هذه المادة التي ترفضها كذلك المنظمات الحقوقية باعتبارها تتناقض مع المعايير الدولية لحقوق الانسان ومع قاعدة محاكمة المواطنين امام قاضيهم الطبيعي. لكن الجيش اصر على ان تحديد بعض الحالات التي يحاكم فيها المدنيون امام القضاء العسكري يستند الى اعتبارات تتعلق بـالامن القومي.
وأبقت المسودة النهائية للدستور على نص معمول به في مصر منذ العام 1980 ويؤكد بأن «مبادىء الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع».
وتضمنت المسودة بنداً ينص على حظر الاحزاب الدينية ويقول: «لا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني».
الى ذلك كشفت تقارير صحافية النقاب عن تسلم الرئيس المؤقت عدلي منصور نص مشروع الدستور الجديد من رئيس اللجنة عمرو موسى. ما يفتح الباب امام ترتيبات اجراء الاستفتاء العام. وبحسب رئيس اللجنة الذي عقد مؤتمراً صحافياً استعرض فيه ابرز ملامح الدستور الجديد فإنه لا بد من الاسراع في اجراء الاستفتاء من اجل وضع حد لما اسماه «الفتنة» التي تهدد بوضع خطير جداً. مشيراً الى ان الاستفتاء يعني البدء بتنفيذ خريطة الطريق التي تم وضعها، والتي عدلت بعض الشيء بموجب الدستور الجديد.
القاهرة – «الاسبوع العربي»