رئيسيسياسة عربية

لبنان كمساحة للصراع الايراني – الجهادي!

يتناول تقرير ديبلوماسي ما يعتبره وضعاً خطراً جداً في لبنان يتهدد كيانه واستقراره، انطلاقاً مما يراه مخاطر ناجمة عن الحرب السورية، مضيئاً في الوقت عينه على حقيقة تراجع اهتمام عواصم القرار بالوضع اللبناني نتيجة مجموعة من العوامل، ابرزها التعقيدات السياسية والطائفية التي تشوبه والتي تدفع هذه العواصم بعيداً منه.

 يبدأ التقرير الديبلوماسي من مسألة ادراج حزب الله على لائحة الارهاب الاوروبي، فيقول: «ادرجت الولايات المتحدة الاميركية الحزب على لائحة المنظمات الارهابية منذ فترة طويلة، اما الاوروبيون فتأخروا في ذلك لاسباب عدة، منها ان الاتحاد الأوروبي فضّل ابقاء القنوات الدبلوماسية مع الحزب مفتوحة، انطلاقاً من اعتباره ان قطع العلاقات مع هذه المجموعة التي تلعب دوراً مهماً في الحكومة اللبنانية يحد من قدرته على التأثير في الأحداث في لبنان. لكن بعد هجوم حزب الله ضد السياح الإسرائيليين في بلغاريا في تموز (يوليو) 2012، واجه الاتحاد الاوروبي ضغوطاً سياسية لتغيير موقفه. استغرق الأمر مساراً زمنياً متوسطاً حتى اقر الاتحاد ادراج الجناح العسكري لحزب الله كمنظمة إرهابية، وليس الحزب ككل. وثمة مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى عزل الحزب. لكن الأكثر أهمية في مسألة الإعلان الاوروبي هو انه يتزامن مع مقتل اعضاء من الحزب ومؤيدين له في الحرب مع الجماعات السنية المتطرفة والمتعاطفين مع «الجيش السوري الحر»، سواء في لبنان او في سوريا. في حين أن هذه الجماعات المتطرفة وهؤلاء المتعاطفين مع الجيش الحر لا تعمل بالضرورة جنباً إلى جنب او بطريقة متناغمة ومنسقة، لكن ببساطة ليست هذه الهجمات الانتقامية ضد حزب الله بسبب الأحداث في سوريا حصراً، بل هي حملة متعمدة في محاولة لوضع الحزب الشيعي في مواجهة – أكثر انخراطاً – مع السنة في لبنان».

عزل
وفي سياق ما يراه فوائد مترتبة على هذه المواجهة المباشرة، يرى التقرير ان من شأن ذلك «عزل حزب الله، خصوصاً ان ثمة مجموعات شيعية تناهض تورط «حزب الله» في سوريا. لذا فالمعارضة السورية تأمل في ان يحقق استفزاز الحزب مجموعة من المكاسب لمصلحتها ابرزها، في اضعف الاحتمالات، ان تجعله يدفع ثمناً سياسياً كبيراً داخل لبنان. بمعنى ان يتهيب الوضعَ حلفاءُ الحزب وشركاؤه في الائتلاف السياسي الذي يجمعه بهم، وان يدفعهم الى التفكير في مخاطر استمرار هذا التحالف. ومن غير المستبعد ان يؤدي ذلك الى التأثير سلباً في هذه الاواصر، وربما في تفكيكها تدريجاً».
ويشير الى ان «حزب الله» ارسل مقاتليه الى سوريا منذ بدء الصراع فيها، «لكن انخراطه الرسمي في القتال والصراع هناك برز رسمياً في ايار (مايو) 2013، عندما ظهر علناً يقاتل بزخم وشراسة الى جانب الجيش السوري النظامي، ولعب دوراً محورياً في مساعدة هذا الجيش لاستعادة مدينة القصير التي سبق للمتمردين ان سيطروا عليها عاماً كاملاً».

ايران والمحور
ويلفت الى ان «التقديرات الغربية الاستخبارية والسياسية لا تزال حتى الوقت الراهن تستبعد امكان ان تحقق المعارضة السورية فوزاً ساحقاً على النظام، لاعتبارات عدة، منها ما يتعلق بسير المعركة والعناصر اللوجستية المعروفة وفي مقدمها ضعف التسليح لدى المجموعات المسلحة المعارضة، ومنها سياسية وديبلوماسية واستراتيجية، اذ ان ايران وحزب الله ينظران الى ما يحصل في سوريا على انه محوري ومركزي وكياني ومصيري ويؤثر مباشرة في مصالحهما الآنية والاستراتيجية، في حين ان الاحداث السورية لا تزال حتى الوقت الراهن اقل اهمية بالنسبة الى الدول والجهات الداعمة للمعارضة، عربية كانت ام تركية ام غربية. هي ليست قضية وجودية أو القضية الأكثر أهمية لأي من مؤيدي المعارضة».
ويوضح التقرير ان أهمية سوريا لإيران تكمن، اضافة الى عوامل اخرى، في كونها الممر الآمن الذي تزود من خلاله «حزب الله» بالسلاح والموارد، حتى ان لبنان اصبح قاعدة للصواريخ الايرانية  على البحر الابيض المتوسط، وخط الدفاع والمواجهة الاول ضد هجوم اسرائيلي محتمل. هذه المسألة هي بالنسبة الى الايرانيين مسألة وجودية، لأن إزالة القاعدة الصاروخية اللبنانية يجعل ايران عرضة الى الخطر، واي تغيير في هوية النظام السوري او استبداله بآخر موال للغرب يعني حكماً  تهديداً مباشراً للامن القومي الايراني. لكن طهران قد تقبل بتغيير جزئي في النظام السوري، اذا ما لم تقدم اي قيادة جديدة مفترضة على تغيير المسار الراهن. ومن الضروري ادراك حقيقة ان طهران لا يمكن أن تقبل في اي حال من الاحوال بأن يُمس وضع حزب الله في لبنان او ان تتعرض قاعدته الصاروخية الى اي خطر. في حال اي تهديد مباشر لهذه المصلحة الايرانية الاستراتيجية، ستصبح طهران اكثر تورطاً في سياق ما يحصل في سوريا، كما انها ستستدير نحو لبنان للحفاظ على مصالحها، حتى لو ادى ذلك الى تغذية لهيب الصراع الطائفي فيه».
ويعتبر انه «من الصعب جداً تخيل ان تبقى اسرائيل خارج كل هذا السياق، في حال قرر النظام الايراني التورط اكثر في الوضعين السوري واللبناني، اذ ان استمرار تردد ادارة الرئيس الاميركي باراك أوباما في المسألة السورية، سيؤدي حتماً الى تورط اسرائيلي مباشر في لبنان وفي صراعاته المفتوحة. حتى الآن، شجعت إدارة أوباما بقوة الجهات الخارجية على البقاء على الحياد في ما خص الوضع اللبناني، غير ان اي تورط ايراني مستزاد في لبنان سيكوّن صورة مختلفة جداً بالنسبة الى الولايات المتحدة الاميركية التي ببساطة قد توقف ضغطها على الجهات الخارجية ذات الاهتمام اللبناني، وفي مقدمها اسرائيل».

حرب اهلية؟
ويتطرق التقرير الى امكان ان يصبح الصراع الطائفي الراهن في لبنان امتداداً للحرب الأهلية، فيشير الى ان «نظرة خاطفة على هذا المسار تظهر ان الصراع الاهلي الذي بدأ في العام 1975، انتهى الى حلّ مُرضٍ نسبياً الى معظم الاطراف اللبنانية والخارجية على حد سواء، بموجب اتفاق الطائف الذي أنهى هذه الحرب في العام 1990. لكن ثمة في الوضع اللبناني الراهن عنصر اضافي مزعزع للاستقرار لم يكن موجوداً من قبل، يتمثل في إمكانات النمو السريع للجماعات الجهادية داخل لبنان، واحتمال ان تتحول هذه الجماعات جزءاً من جبهة الجهاد العالمي، وليس فقط اللبناني. إذ ان فتح جبهة ضد إيران وحزب الله تخاض مباشرة في لبنان، مسألة تبدو جذابة جداً للجهاديين».
وينبه الى انه «يمكن جداً ان يتحول هذا الصراع الجهادي – الايراني الى حرب اهلية مدمرة. والعنصر الاكثر قلقاً هو ما شهده لبنان في الآونة الاخيرة من هجمات انتقامية بين السنة والشيعة، ومن الاغتيالات الى تفجير السيارات وعمليات الخطف. وفي نهاية المطاف، سيجد حزب الله نفسه اكثر حاجة الى تسعير المواجهة والرد بعنف على الجماعات الجهادية، اذا ما استشعر ان كفة المواجهة ستميل الى  غير مصلحته».
ويلاحظ التقرير ان «الاهتمام السياسي والاعلامي العالمي بالوضع السوري يفوق بكثير هذا الاهتمام بلبنان لعوامل عدة، ابرزها قبح ما يحصل في سوريا، في مقابل تعقيدات لبنان التي تجعل الرأي العام العالمي اقل فهماً وتفهماً. اضافة الى ذلك، يجري ابقاء لبنان بإستمرار على حال من عدم الاستقرار، حيث يشهد بإطراد تفجيرات واغتيالات دورية. لكل ذلك قد لا يدرك الرأي العام العالمي، وخصوصاً دول القرار، ان لبنان مرشح لاعتلال خطير جداً سيؤثر حكماً في استقراره».

فراغ
تأسيساً على هذه الوقائع والمقاربات التحليلية، يرى مراقبون سياسيون أن الأزمة الراهنة في لبنان ومع مرور الوقت «تتجاوز حكماً مسألة تأليف الحكومة وشكلها وبيانها الوزاري الى المخاوف من احتمال حصول فراغ في رئاسة الجمهورية، بسبب احتمال تعذر انتخاب رئيس جديد خلفاً للرئيس ميشال سليمان الذي تنتهي ولايته في أيار (مايو) 2014».
ويؤكد هؤلاء ان المبادرات السياسية المحلية ما هي «الا محاولات لملء الفراغ القائم بفعل الشلل في المؤسسات وتعثر قيام حكومة جديدة، اذ ان المخاوف من هذا الفراغ بدأت تقلق منذ الآن المجتمع الدولي، وهي تتقاطع مع مخاوف معظم الأطراف اللبنانيين الذين يتعاملون مع المبادرات على أنها هامشية في سياق التأثير في الوضع اللبناني، لأن الظروف المحيطة ما زالت غير مشجعة في ظل تصاعد وتيرة التأزم في سوريا، وانعدام مسارات الحل، وتراجع الاهتمام الدولي بالملف اللبناني، ما خلا محاولات خجولة لابقاء لبنان في حال من الستاتيكو، في منزلة وسطية بين منزلتي الاستقرار الهش والتدهور التدريجي».
ويرى هؤلاء ان الاجتماع الدولي في نيويورك «رمى في حقيقة الامر الى محاولة استنهاض الهمة الدولية بمبادرة فرنسية واضحة المعالم، لكنها لا ترقى الى امكان رسم طريق للحل اللبناني، هي ببساطة اجتهاد لترميم مظلة حمائية دولية – اقليمية تواكب ما يجري في سوريا، في انتظار تظهّر المسار التسووي الاميركي – الروسي، في جزءيه الكيميائي والسياسي، وبيان مآل مؤتمر «جنيف – 2» المعلق على هذا المسار كما على السياق الميداني الحربي داخل سوريا».
ويشير المراقبون الى ان لهذا الاتفاق الاميركي – الروسي «تتمات ومتابعة، وهو مرشح للتمدد والتوسع نحو مسلكين رئيسيين:
الأول: التمهيد لحل سياسي للأزمة السورية في إطار مؤتمر «جنيف – 2» وإطلاق مرحلة بداية صياغة الحل،
الثاني: التمدد في اتجاه الملف النووي الإيراني، بناء على الثغرة الديبلوماسية التي فتحت بين إيران والولايات المتحدة الاميركية، وتأسيساً على الاتفاق الأميركي – الروسي حول الملف الكيميائي، والذي من الممكن أن ينسحب على الملف الايراني النووي».
ويخلصون الى ان «اي تقدم على هذا الصعيد قد يكون للبنان فيه حصة، ولو غير يسيرة، تفتح آفاقاً جديدة، لكنها غير مضمونة».

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق