رئيسيسياسة عربية

سليمان يسعى لتثمير الدعم الدولي الكبير للبنان

لن يقدم الرئيس ميشال سليمان العائد بزخم منقطع النظير ودعم غير مسبوق من المجتمع الدولي على دعسة ناقصة في موضوع تشكيل الحكومة، ولن يفرط بانجازات نيويورك، كما الرئيس المكلف تمام سلام الذي يسعى لترجمة الاجماع في تكليفه الى اجماع في التأليف حول حكومة سياسية جامعة تفرضها التطورات الاخيرة والظروف والمستجدات على صعيد ما يحصل في المنطقة، لا سيما في سوريا.

ليس في وارد الرئيسين سليمان وسلام وفق ما ينقل احد الوزراء السابقين عنهما الاقدام على تشكيل حكومة تحد او حكومة يفرضها الواقع وعلى التفريط بالدعم الذي عاد به الوفد من نيويورك، غير انه يتطلب وفق ما قال احد اعضاء الوفد الرئاسي وجود حكومة مسؤولة لها كامل الصلاحيات يمكنها ان تلعب دور الشريك للدول الراغبة في مساعدة لبنان والتي تطالب بحكومة تحل محل حكومة نجيب ميقاتي التي استقالت، ويرفض رئيسها عقد جلسات لمجلس الوزراء لتصريف الاعمال الضرورية لانه كما يقول يريد تشكيل حكومة جديدة ولا يريد ان يوحي بانه راغب في البقاء ومستعد لتعويم حكومته.
ويقول احد الوزراء المطلعين ان الرئيس سليمان لن يوقع على حكومة يؤدي تشكيلها الى تفجير الوضع واجهاض النجاح الذي حققه في نيويورك، ونسف المكاسب التي جناها من مؤتمر المجموعة الدولية لمساعدة لبنان، برعاية الامين العام للامم المتحدة وحضوره ووزراء خارجية الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن. وخلافاً لما روج له البعض قبل زيارة نيويورك فان الرئيس سليمان والرئيس المكلف الذي يأخذ وقته للتشاور مع الافرقاء، حريصان على تعزيز التوافق والمناخ الايجابي والانفراجات على صعيد العلاقات بين الدول، لا سيما الاتفاق الاميركي – الروسي حول الازمة السورية و«الغزل» الاميركي – الايراني والانفتاح الايراني – السعودي. وبالتالي ليس هناك من سرعة في التأليف وان كانت هناك عجلة لمواكبة الدعم الدولي المتوقع للبنان لمواجهة تحديات المرحلة وعبء ملف النازحين.

لماذا التصعيد؟
لماذا صعّدت 8 اذار لهجتها بعد النجاح الذي حققه الوفد اللبناني في نيويورك وبعد الاتفاق الاميركي – الروسي والانفتاح الايراني – السعودي وعلى ماذا بنت مواقفها ولماذا تراجع النائب وليد جنبلاط عن صيغة الثلاث ثمانيات؟ تقول اوساط في 14 اذار ان تحالف 8 اذار اعتقد ان الرئيسين سليمان وسلام قد يستفيدان من الاجواء الدولية ودعم المجتمع الدولي للبنان، ومن زخم مؤتمر نيويورك، لاعلان الحكومة العتيدة التي يرون ان المناخ الدولي والاقليمي قد يؤمن لها الغطاء وشبكة الامان، ويمارس الضغط على الاطراف للقبول بها. واستند اصحاب هذه النظرية الى ما سرب قبل سفر سليمان من انه اتفق مع سلام على تشكيل الحكومة فوراً بعد عودته. وترى اوساط سياسية ان تبدل المواقف وبروز «تراجع» في الموضوع الحكومي قد يؤديان الى تأجيل الخطوة بعد التطورات التي طرأت والاجتماعات المرتقبة دولياً واقليمياً والتي سيكون لها تأثيرها على الداخل اللبناني.
لقد حملت هذه المعطيات المسؤولين على توسيع مروحة الاتصالات، ونقل  احد الوزراء عن الرئيس نبيه بري استعجاله تشكيل الحكومة، ولكن ليس حكومة الامر الواقع، بل حكومة تمثل الاطراف وفق الاحجام، كما طالب كل من حزب الله والعماد ميشال عون الذي شن حملة عنيفة على الرئيس تمام سلام ودعاه الى البحث عن وزراء عند النصرة، اذا اراد التمسك بالشروط التي وضعها. واعتبر الامين العام حسن نصرالله ان سلام وجنبلاط وسطيان مستقلان اما سلام فهو من صلب 14 اذار وبالتالي فحصته من ضمن 14 اذار، في حين دعا بري الى صيغة 9-9-6 واعطاء كل من سليمان وجنبلاط ثلاثة وزراء على ان تكون حصة سلام من 14. وحاول بري بذلك ان يدغدغ شعور جنبلاط بثلاثة وزراء (درزيين ومسيحي) الامر الذي تلقفه الاخير ودعا الى اعادة النظر في ص
يغة 8-8-8 في موقف وجدت فيه 14 اذار رسالة الى السعودية التي أرجأ الرئيس سليمان زيارته اليها وقبل اجتماع الرئيس حسن روحاني مع العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز، اضافة الى اقتناع جنبلاط بان حل الازمة السورية يحتاج الى بعض الوقت، فكان عليه مغازلة تحالف 8 اذار، خصوصاً ان اجتماعات تعقد على مستوى مسؤولي المناطق بين الاشتراكيين وكل من العونيين والحزب والحركة والمستقبل  في الجبل، في خطوة انفتاح يشير اليها اكثر من سياسي، حتى ان حزب الله يلجأ الى سياسة الانفتاح في هذه المرحلة، وقد عاود رئيس وحدة الامن والارتباط وفيق صفا التواصل مع اللواء اشرف ريفي، في محاولة لتفعيل قناة الاتصال التي كانت قائمة بين الحزب والمستقبل، عندما كان ريفي في المديرية.
ويسعى الحزب الى توثيق علاقته مع الرئيس سليمان، وكان الامر واضحاً في اطلالة نصرالله الاخيرة عندما اكد على تأليف الحكومة والذهاب الى الحوار بدعوة من سليمان للاتفاق على عناوين البيان الوزاري ومناقشة الملف السوري والمشاركة في الحرب، خلافاً لما انطوت عليه مبادرة الرئيس بري التي وضعت خريطة طريق للحوار من خلال خلوة لمدة خمسة ايام يتم خلالها الاتفاق على شكل الحكومة وعلى بيانها الوزاري.


 استغراب
تستغرب اوساط قيادية في 14 اذار عدم ملاقاة تحالف 8 اذار مبادرة الرئيس سعد الحريري في منتصف الطريق، رغم الاعتراض عليها داخل قوى 14 اذار. وكان الحريري قد ابلغ الرئيس سليمان قبوله حكومة جامعة سياسية وفق 8-8-8-، من دون ثلث معطل على ان يكون اعلان بعبدا من صلب بيانها الوزاري. وتشير الى ان قيادات 8 اذار صعّدت مواقفها ورفعت سقف خطابها، خصوصاً بعد الغاء الضربة الاميركية على سوريا، معتبرة انها انتصرت وان المحور الاقليمي الذي تسير في ركابه سجل تقدماً على المحور الغربي. وراهنت هذه القوى على التطورات الخارجية محاولة الافادة من المناخ الانفراجي الدولي للحصول على مكاسب، معتبرة ان التسليم بثلاث ثمانيات من دون ثلث معطل ومعادلة الشعب والجيش والمقاومة هو هزيمة واندحار للخط قد ينعكس على مشروع الممانعة، ويرى تحالف 8 اذار ان ما يجري في سوريا يستهدف اساساً المقاومة لذلك توجه مقاتلو الحزب الى سوريا للقتال الى جانب النظام في خطوة استباقية لمنع التكفيريين من الوصول الى لبنان ووقف استهداف المؤامرة المقاومة.
وتقول قيادات في 14 اذار ان تمسك تحالف 8 اذار بموقفه من التشكيل، من دون اي تبديل مطالباً بالثلث المعطل وبالمعادلة  الثلاثية، يعود الى خشيته من ان يؤدي اي تنازل من قبله الى المزيد من التراجع مما قد ينعكس على موقف الحزب، الذي يرى مسؤولون في قوى 8 اذار ان دوره الاقليمي لارتباطه بايران لم ينته بعد، بدليل ان نصرالله في اطلالته الاخيرة وجه رسالة الى السعودية اعتبرها المراقبون رسالة ايرانية قبل زيارة روحاني. وقد تولى نصرالله نيابة عن ايران ارسالها من لبنان. ان تحالف 8 اذار يسعى الى الفراغ لانه بذلك قد يحقق ما يصبو اليه من اعادة تكوين الدولة وفق معادلة سياسية جديدة لان الصيغة القائمة غير قابلة للعيش.

قراءة هادئة
تدعو اوساط ديبلوماسية غربية الافرقاء اللبنانيين الى التبصر ملياً بما جرى في سوريا وقراءة الاحداث بروية ودقة بعيداً عن العاطفة والمصالح والارتباطات بمشاريع خارجية. وترى ان ما حصل تحول مهم في مسار الامور، وعلى الصعيد العالمي، بحيث اكد على توافق دولي لحل ازمات المنطقة عبر الحوار وانهاء حقبة العنف والسلاح وفتح ابواب التفاوض على مصراعيها لحل الازمات. ان الغاء الضربة العسكرية الاميركية لسوريا يأتي في هذا السياق بعد التحفظ الاوروبي والمخاوف من وقوع السلاح الكيميائي بين ايدي الاسلاميين المتطرفين، مما استعجل اتفاقاً بين موسكو وواشنطن بدأت مسيرته، وقد يطول لاشهر لانه ينطوي على آلية لتدمير السلاح الكيميائي والاتفاق على «جنيف – 2»، وعلى حكومة انتقالية تضم الجميع، ممثلين عن النظام وعن المعارضة التي عليها ان تنظم صفوفها وتطهر مناطقها من الاسلاميين المتطرفين، الذين انعكس وجودهم عليها وعلى مصداقيتها لدى الغرب، الذي يقول مسؤولون انهم لا يعرفون المعارضة ولا مشروعها فكيف يسلمونها النظام بعد ظاهرة المتطرفين في مناطقها، كما تبدي تركيا استعدادها للمشاركة في اعمال التطهير استعداداً لعقد مؤتمر «جنيف – 2»، انطلاقاً من حرص الغرب على استمرار الجيش وعدم فرطه كما حصل في العراق، لانه قد يلعب دوراً بعد توحيده مع الجيش الحر من ضمن صفقة الحل. وقد يكون شهر تشرين الاول (اكتوبر) حافلاً بالتطورات التي تصب في الخانة الايجابية لحل الازمات.
ويقول وزير في الحكومة ان الرئيس سليمان العائد من نيويورك والذي سيقوم بزيارات الى عدد من الدول العربية على ان يستهلها بزيارة السعودية  للبحث في الازمة اللبنانية، قد يشكل حكومة بغطاء خارجي تبصر النور خلال هذا الشهر، وعلى وقع التطورات والاجتماعات ونتائجها الايجابية التي قد يكون لها تأثيرها على التأليف، بعد توافق داخلي لبناني بدأت بوادره مع الاجتماع الذي جرى بين الرئيسين بري وفؤاد السنيورة، والذي قد يتواصل وتتوسع حلقاته بانتظار عودة الرئيس سعد الحريري، الذي يرى احد اركان 14 اذار انها قد تتحدد بعد الاجتماع الايراني – السعودي، وقد بدأت قيادات في 8 اذار التمهيد لها بدعوة الحريري للعودة وتأليف الحكومة في رسالة تنطوي على استعدادها للبحث معه في كل الملفات، خصوصاً بعد ان سلكت الازمة السورية طريق الحل بمظلة دولية ورعاية اميركية -روسية ومساندة اقليمية.
وقد تسلك الامور مسارها الايجابي حتى على الساحة الا اذا طرأت عوامل او معطيات غير محسوبة او حادث عابر في مسيرة الحل، قد يؤخرها ولكن لا يوقفها، فالجميع ضبط ساعته على التوقيت الدولي للحل.

فيليب ابي عقل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق