سياسة عربية

حرب اعلامية مصرية ضد «حماس»

حركة «حماس» باتت في وضع الدفاع عن النفس، امام استمرار الهجمات المتتالية الاعلامية والسياسية عليها من جانب الحكم الجديد في القاهرة. واللافت ان هذه الهجمات تكررت بشكل شبه يومي وتنوعت مادتها، الى درجة انها صارت «حرباً» شاملة لم تضع اوزارها منذ نهاية آب (اغسطس) الماضي، اي منذ سقوط نظام «الاخوان المسلمين» برئاسة الرئيس المصري محمد مرسي.

منذ ذلك التاريخ، سلط الاعلام المصري الاضواء على حركة «حماس» باعتبارها الحليف والساعد والعضد للنظام الاخواني المتداعي.
ثم كان السهم الاعلامي الثاني من خلال اتهام حكومة الحركة التي تبسط نفوذها منذ عام 2007 على غزة وقطاعها، بأنها تأوي قيادات الاخوان الهاربة والمطلوبة للقضاء المصري.
وكانت ثالثة الاثافي كما يقال، ان يتهم الاعلام المصري حركة «حماس» في غزة بأنها هي التي ترفد الجماعات التكفيرية والارهابية المنتشرة بقوة في طول صحراء سيناء وعرضها، عبر الانفاق الممتدة بين هذه الصحراء المترامية الاطراف وغزة، وهي الانفاق الموجودة اصلاً منذ ما قبل عام 2007، لتشكل شريان الحياة للقطاع في ظل اقفال المعابر بين مصر وغزة.
واخيراً وليس اخراً، تأتي الضربة المصرية الكبرى الموجهة الى الحركة الاسلامية الجهادية من خلال اتهامها صراحة بأنها كانت تعد والرئيس المصري المعزول والمسجون مرسي، لخطة عنوانها العريض توطين سكان غزة في الصحراء التي تشكل الجزء الآسيوي من مصر.

الرقم الصعب
ومع كل هجمة اعلامية مصرية على الحركة التي صارت مع حركة «فتح» الرقم الصعب في المعادلة الفلسطينية، كانت حكومة القاهرة تنفذ اجراء وتدبيراً قاسيين بحق غزة وقطاعها. ففي البداية تم اغلاق معبر رفح البري بين البلدين لايام عدة، تحت ذريعة انه تدبير امني اقتضته الظروف. ثم كانت العملية الاقصى والاصعب والاكثر ايلاماً لحركة «حماس» ولشريحة واسعة من سكان غزة، وهي ردم الانفاق الممتدة بين سيناء وقطاع غزة. وقد حدث ذلك بشكل تدريجي حتى انتهى الامر الى ردم ما يقارب 80 بالمئة من هذه الانفاق وفق تقديرات ومعلومات شبه مؤكدة.
ولاحقاً بدأ المسؤولون في النظام المصري الحالي يتحدثون بصوت عال عن قرب انشاء منطقة عازلة بين قطاع غزة وصحراء سيناء، وان الشروع في هذه العملية سيبدأ فور توجيه الضربة الكبرى للمجموعات التخريبية والارهابية المتمركزة في صحراء سيناء، والتي بدأت تهاجم المراكز الامنية المصرية في محاولة مكشوفة منها لمنع القوى الامنية المصرية من تحقيق هدفها المعلن، وهو القضاء على الامر الواقع الذي فرضته هذه المجموعات المتعددة الولاءات والذي جعلها في وضع اقرب ما يكون من اقامة امارتها، حيث اضطلعت بدور الآمر الناهي في هذه الصحراء مستغلة ضعف الوجود الامني الرسمي فيها. واللافت كان ان الجيش المصري عرض صواريخ وقذائف قال انها مدموغة بشعار حركة «حماس»، استخدمها الارهابيون في مواجهة الجيش المصري.
وعلى مدى اكثر من شهرين صارت مهاجمة الاعلام المصري الخاص والرسمي والمرئي منه والمكتوب، لحركة «حماس»، واتهامها بالتدخل بالشأن المصري وبالانحياز التام الى جماعة «الاخوان المسلمين» التي اوشكت ان تحظر السلطات المصرية انشطتها، عادة يومية من مواد الخطاب الاعلامي والسياسي المصري.

مأزق سياسي
وحيال ذلك كله، وجدت الحركة نفسها تراوح مكانها في مأزق سياسي حقيقي، فهي تدرك تمام الادراك اهمية مصر بالنسبة اليها والى غزة والى سكان هذا القطاع، وتعي ايضاً تمام الوعي جسامة الاشتباك السياسي والاعلامي مع المصريين ومدى ما يمكن ان ينجم عن ذلك من «خسائر» معنوية كبرى، وخصوصاً اذا ما ارتفع منسوب الصراع السياسي الحاد الدائر في مصر، وهو عملياً صراع بين تنظيم الاخوان المسلمين الذين يتشاركون مع حركة «حماس العقيدة والانتماء الفكري عينهما، وجبهة الخصوم لهم في الشارع المصري وهي جبهة عريضة لا يستهان بها اطلاقاً.
وزاد في حراجة وضع «حماس» في الداخل سلسلة مستجدات لم تكن لمصلحتها اطلاقاً في الخارج وفي الداخل.
فعلى المستوى الخارجي وبعد سقوط حكم الاخوان المسلمين في مصر، تعرضت تجربة «حركة النهضة الاسلامية» في تونس لانتكاسة كبرى وضعتها على مفترق صعب، فيما بدأ الكتّاب والسياسيون والمحللون يتحدثون عن السقوط المبكر لتجربة حكم الاسلام السياسي في المنطقة العربية ككل، وهو الاسلام الذي كبرت آماله بعد ما صار يعرف بـ «الربيع العربي» الذي اسقط حكومات وانظمة كان الكثيرون يظنون انها خالدة.
وعلى المستوى الخارجي ايضاً، كانت حركة «حماس» في وضع لا تحسد عليه عندما وجدت نفسها وجهاً لوجه مع رفاقها السابقين في «محور الممانعة والمقاومة» وذلك بعد خروجها المدوي والاختياري من دمشق، اثر اندلاع الاحداث فيها واشتعال المواجهات في ساحاتها بين المعارضة وقوات النظام وامتدادها زمنياً لاكثر من عامين ونصف العام.
وعلى المستوى الداخلي الفلسطيني، شعرت حركة «حماس» بأن خصمها القوي والعنيد في الاحزاب اي حركة «فتح» وجدت فرصتها المنشودة للعودة الى الواجهة مجدداً، فشاركت وان بشكل خفي في سيل الحملات الاعلامية على حركة «حماس»، وخصوصاً في مناطق الضفة الغربية المحتلة، فضلاً عن عودة المواجهات الكلامية والاعلامية بينهما، مما اسقط كل فرص
وآمال المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية التي انتظرتها شريحة واسعة من الفلسطينيين.

 اتهامات حماس
وبمعنى اخر، استشعرت حركة «حماس» بأن «فتح» بدأت تتصرف باستقواء عليها وباشرت بممارسة سياسة الثأر منها وان بشكل مضمر.
واكثر من ذلك، اكتشفت حركة «حماس» بأن هناك محاولات للعب في فنائها الخارجي وفي معقلها الاساسي اي في غزة وقطاعها، حيث تحكم قبضتها منذ اعوام وتبني سلطتها الحاضرة. والخصم المستجد الراغب بالظهور والحضور في هذه الساحة العزيزة على قلب «حماس» والتي هي رافعتها وعلة حضورها القوي على الساحة الفلسطينية في مثلث الاضلاع. وخصم تقليدي قديم ويتمثل بالفصائل الفلسطينية التي تعود نشأتها الى ما قبل حركة «حماس» بأعوام عدة، وهذه الفصائل وابرزها الجبهتان الشعبية والديموقراطية، وان كانت تتقاطع مع حركة «حماس» حول سياسة التفاوض والتحاور عينها مع الاسرائيلي التي تتبعها حركة «فتح» وسلطتها ومنظمة التحرير الفلسطينية، الا انها تتناقض معها في الكثير من الاداء والسلوكيات والتوجهات.
وفي الآونة الاخيرة، رفعت هذه الفصائل اصواتها بالانتقاد الصريح لسلطة «حماس» وممارساتها في غزة لبلدات القطاع الاخرى المكتظة بالسكان.
هناك خصم بدأ يظهر منذ فترة مستغلاً فراغاً احدثه انسحاب حركة «فتح» من القطاع، ويتمثل بالمجموعات والتيارات التكفيرية المتشددة، والتي وان كانت تتشارك مع حركة «حماس» في الانتماء الاسلامي، الا ان لكل منهما توجهاته وادبياته وسلوكه السياسي فضلاً عن ارتباطه.
وهذه المجموعات تحدت مراراً سلطة «حماس» من خلال اطلاق الصواريخ على المناطق المحتلة من دون تنسيق مع الحركة، بغية توتير الاوضاع وافتعال المواجهات مع الاسرائيليين في اوقات لا تحبذها الحركة المسيطرة، فضلاً عن اقامة هذه المجموعات لمعسكرات تدريب ومراكز عسكرية والتنسيق مع المجموعات المماثلة لها والمتمركزة في صحراء سيناء.
والخصم المستجد هو تلك المجموعات المعادية التي تكن العداء للحركة، وهي مستعدة لمواجهتها وتحديها، وهي التي انضوت اخيراً تحت حركة اطلقت على نفسها حركة «تمرد» داعية الى انتفاضة ضد سلطة «حماس» على غرار الانتفاضة التي شهدتها شوارع القاهرة وغيرها من المدن المصرية ضد حكم الرئيس المصري المعزول مرسي، وهي الانتفاضة التي مهدت لاسقاط التجربة الاولى لحكم الاخوان المسلمين الذين ظهروا في الوجود منذ عام 1927.

حركة «تمرد»
واللافت ان الحكم المصري الحالي اعرب عن استعداده للتنسيق وتبادل الخبرات مع مجموعة «تمرد» في غزة، مما بعث الخوف لدى الحركة من ان تكون هذه الحركة هي صنيعة النظام المصري الحالي والغاية منها ارباكها والقضاء على تجربتها في حكم غزة.
ولا بد من الاشارة الى ان حركة «حماس» اتبعت ثلاثة انواع من المواجهات مع الذين فتحوا ابواب العداء والمواجهة معها. فهي اولاً اتبعت سياسة الدفاع المدني عن النفس في وجه الحملات الاعلامية المصرية عليها واكتفت بالردود المهذبة ودحض كل الاتهامات بخطاب جوهره الرغبة في اقفال هذه الثغرة وتهدئة الامور.
وفي مرحلة لاحقة، رفعت الحركة صوتها بشكل اعلى، اذ دعت على لسان احد ابرز رموزها اسماعيل هنية بمخاطبة الاعلام المصري بالقول: «كفى افتراءات على غزة، اوقفوا هذه الحملة الظالمة التي لا تحقق اي مصلحة مصرية، فلا يجوز الاستمرار بهذا النهج، فنحن اشقاء لمصر، ونتمنى الا تشارك بالتضييق علينا وتحاصرنا»، مشدداً على انه «لا يوجد لدى الحركة اي تفكير في شأن اي صراع مع مصر ولن نتدخل في شؤونها».
وفي وقت لاحق، وجهت الحركة رسائل اقوى الى خصومها، والى اولئك الذين ظنوا بأنها صارت في وضع المحاصر، اذ نظمت في اكثر من مرة عروضاً عسكرية لوحدات ذراعها العسكري الضارب اي كتائب «القسام»، مظهرة عدداً كبيراً من المقاتلين ومظهرة انواعاً جديدة من الاسلحة بحوزتهم.
ومهما يكن من امر، فالحركة ما زالت تعيش حتى الان تحت وطأة «القصف» الاعلامي المصري المستمر عليها، ولا تملك التحلي بفضيلة الصمت والصبر بانتظار ان تهدأ العاصفة تلقائياً.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق