لبنان على حافة الافلاس

إذا قلنا خوفاً، لا نكون أوفياء لحقيقة الحالة التي يعيشها اللبنانيون بعد حلقة الأمن المتدهور والمتنقل في لبنان. وإذا قلنا قلقاً، فاللبناني تعوّد على ان يقف عند بابه من دون ان يمسك بالمفتاح أو أن يصير من أهل البيت. فماذا تغير اليوم؟ ولماذا بات مشهد فراغ شوارع بيروت وفنادقها أكثر من رائج وعادي؟ ولماذا أقفلت فنادق الجبل وماذا تعني التنزيلات والحسومات منذ بداية الموسم وحتى آخره؟ وهل يتحمل البلد نسباً إضافيةً من البطالة وهجرة الشباب إلى ما هو ابعد من الخليج، بعدما أقفل ابوابه في وجه اللبناني؟ لماذا اقتنع اللبناني بأن يعيش عصر النفقات ويخبئ قرشه الأبيض لأيامه السوداء؟ هل فعلا ًوصلنا إلى مرحلة المأساة الحقيقية على صعيد القطاع الإقتصادي؟ وهل ثمة من يجرؤ بعد على القول بأن الوضع لا يحتاج إلى أعجوبة؟!
في لغة الحروب المعادلة سهلة ومحسومة، إما أن تجلس في منطقة الخطر وتتحمل النتائج، أو تحيد عنها حتى تتجاوز هذه المرحلة. لكن عندما يتحول الأمن إلى هاجس متنقل على الطرقات والخطر يكمن ربما في مرآب بنايتك أو تحت شباك البيت أو تحت سيارتك ربما، فالمسألة تختلف حتماً. انقطعت أنفاسكم؟ قد يفسر هذا المشهد الأمني- وهو حتماً ليس مجرد سيناريو وهمي- أسباب الفراغ شبه اليومي في حركة الأسواق والفنادق، لكن على الطرقات المشهد نفسه، عجقة سير لكن بلا بركة.
قد تكون المرة الأولى التي نتلمس فيها نوعاً من اليأس والإحباط حتى عند المعنيين مباشرةً بإستنهاض الحركة الإقتصادية والزعاماتية في البلد، وهذا مرده إلى عجزهم عن إقناع من هم في موقع القرار والمسؤولية بضرورة التحرك أو اعلان خطة طوارئ، أو ببساطة تشكيل حكومة من أهل الإختصاص ترضي كل الأطراف ولا تزعج أحداً. القصة مستحيلة؟
من أراد أن ينقذ بلداً لن تصعب عليه وسيلة. لكن هل من قرار اولاً في إنقاذ البلد من الهاوية أم أن هناك قراراً في إبقاء الوضع على حاله من القلق والأمن المتنقل إلى أن تدق الساعة؟
ثمة من يقول: إن الإنفجار أسهل من واقع القلق وهاجس الخوف من موجة التفجيرات المتنقلة على خلفية المعلومات عن وجود 7 سيارات معدة للتفجير في لبنان وكلها موثقة بأرقام اللوحات. عظيم. ومنهم من يقول: «نجنا يا رب من الإنفجار المتوقع في لبنان».
مصادر أمنية كشفت عن أن هناك أكثر من 7 سيارات مفخخة ومعدة للتفجير. أين؟ نقاط الموت غير محددة. لكن حزب الله اعلن الجهوزية الكاملة في حدود الضاحية الجنوبية. والداخل إلى المنطقة يدرك من خلال التفتيش الدقيق والأسئلة التي تنهال عليه ان الحزب أعلن صراحة انها لحماية أهله وناسه، لكن ماذا عن باقي الوطن؟ في النهاية كل التوصيفات توصلنا إلى الموت، لا خيارات حتماً في هذا المجال.
في المأزق
في اختصار لبنان سقط في مأزق شامل لا يستثني أحداً من الأفرقاء اللبنانيين، أما الخروج منه فلا يبدو ممكناً بحسب المحللين إلا من زاويتين: تشكيل حكومة جديدة لملء الفراغ وإيجاد سلطة قرار وإدارة للوضع والأزمة، استئناف الحوار الوطني للبحث في استراتيجية حماية لبنان من الخطر الإقليمي الذي يتهدده. لكن هل سمعتم بالمثل القائل «مين جرب المجرب كان عقلو مخرب؟!».
حتى الآن، لا توجد خريطة طريق سياسية متفق عليها. فمهمة الرئيس المكلف تمام سلام تتآكل في ظل خلاف مستحكم حول الحكومة وشكلها ووظيفتها وظروفها. والظاهر أن الأحداث تجاوزت الجميع. فلا أحد قادراً على تغطية وإبرام التسوية إن توافرت ظروفها، كما أن سياسة الانتظار ليست في محلها، إذا كان المقصود انتظار جلاء الأزمة في سوريا التي تبدو طويلة. في المقابل المواقف المنددة لا تكفي، ولمرة واحدة لم يعد يكفي التذمر أو التنديد أو حتى الإنذارات الموجهة من قبل الهيئات الإقتصادية، خصوصاً بعدما باتت تداعيات الوضعين السياسي والأمني على الإقتصاد اشبه بالكارثية. وهذا ما دفع الأستاذ في علم الإجتماع والقانون الدكتور انطوان مسرة الى المطالبة بإستنهاض القوى الإقتصادية فلا يقتصر الأمر على بيانات التذمر والتشكي. وسأل: «ماذا يحول دون إشراك القوى الإقتصادية بطاولة الحوار؟ وهل يجوز بعد اليوم تشكيل حكومة لا يكون فيها متخصصون في مجال الإقتصاد؟
تشويه صورة لبنان
ما يجمع عليه عدد من رؤساء لجان الاسواق والجمعيات التجارية يؤكد أن المأساة حقيقية. لكن من يتابع الشأنين الأمني والسياسي يكتشف أن ما يحصل ليس إلا نتيجة طبيعية للوضع لكن كارثية حتماً. فحادثة خطف الطيارين التركيين شكلت «الشعرة التي قصمت ظهر البعير»، خصوصاً أن نتائجها لن تبقى محصورة في لبنان وحسب إنما ستطاول مصالح لبنان في الخارج. أما الكارثة فتتمثل في تشويه صورة لبنان في الخارج، الأمر الذي سيؤدي الى تردد الاجانب بعد الخليجيين وكذلك المغتربين واللبنانيين العاملين في الخارج في المجيء الى لبنان. وهذا ما يفسر كلام وزير السياحة فادي عبود رداً على سؤال حول تأثير الوضع الامني على الموسم السياحي، إذ اعتبر ان انفجار الرويس كان المسمار الاخير في نعش السياحة، مؤكداً أن لا سياحة من دون استقرار سياسي وامني.
نسأل عن طريق المطار، الذي يفترض ان تكون الأكثر أمناً وأماناً. لكن الواقع أنها تحولت إلى مربع لعمليات الخطف والسلب ومختلف انواع الجريمة، وهنا أيضاً يدخل كلام الوزير عبود وإن بطريقة غير مباشرة.
ونعود إلى الأساس، والمقصود بذلك السياحة التي تشكل مصدر بترول لبنان. ففي عاليه، مثلاً 180 مطعماً لا يعمل منها الا 12، لا أكثر. أما بالنسبة إلى القطاع الفندقي فالوضع ليس أفضل حالاً: 150 فندقاً في الجبل متوقفة عن العمل، هذا عدا عن الفنادق التي أوقفت جزءاً من أقسامها، مما يعني تسريح عدد جديد من العمال والموظفين وارتفاع بورصة البطالة في لبنان.
الضربة القاضية
نقيب أصحاب الفنادق بيار أشقر اعتبر أن كل حادث أمني يقع في إحدى المناطق اللبنانية على غرار الانفجار الذي وقع في منطقة الرويس، يزيد الوضع سوءاً ويفقدنا الأمل بعودة الحركة السياحية إلى البلد. لكن المسألة لا تتوقف على هذا المرفق «فالسياحة هي العمود الفقري في البلد والمحرك الأساسي لباقي القطاعات، وتحديداً قطاعي الإستثمارات والتجارة». واعتبر أن عملية خطف الطيارين التركيين كانت بمثابة ضربة الرمح القاتلة لأنها أدت اولاً إلى حظر مجيء الأتراك إلى لبنان في وقت كان التركي يشكل أحد أهم الأسواق الواعدة في لبنان. لكن حتى قبل عملية الخطف لم نشهد حركة سياحية كبيرة من تركيا في اتجاه لبنان بسبب عدم وجود خطة تسويقية جدية وعملية والدليل على ذلك أن عدد السياح الأتراك لم يكن يتجاوز الـ40 ألفاً في مقابل 200 ألف سائح لبناني إلى تركيا. لكننا كنا راضين بهذا الواقع، أما اليوم فالأمر بات معدوماً، خصوصاً ان تداعيات الخطف ستستمر حتى بعد إطلاق سراح المخطوفين لأن هاجس الخوف من تكرار ما حصل سيبقى محفوراً في نفوس الأتراك وحتى السياح الأجانب.
وعلى رغم سوداوية المشهد، يحافظ الأشقر كما العادة، على تفاؤله ويعتبر أن الأعجوبة موجودة وواردة «تماماً كما حصل عندما صار هناك توافق على تعيين الرئيس تمام سلام لتشكيل حكومة. وأي اتفاق يحصل اليوم يضفي أجواء من التفاؤل وينعكس على الإستقرار السياسي والأمني». وأضاف: «قد تحصل إنفراجات وتحل عقدة الحظر الخليجي، وإذا تحقق ذلك نكون قطعنا نصف المسافة لأن السياحة الحقيقية تتكل على المحيط الأقرب بالطيران والكلفة. ومهما اتكلنا على المغترب اللبناني وإصراره على المجيء على رغم كل الظروف إلا ان سياحة الإغتراب موسمية وهي لا تعوض عن السياحة الخليجية».
قطع ارزاق
المضاربة غير المشروعة في أسعار الفنادق والتي اعتمدت بهدف الترويج للسياحة ساهمت في قطع ارزاق عدد كبير من العائلات، ويوضح الأشقر: «السياسة التي اعتمدت قضت بتخفيض الأسعار. فصارت لائحة أسعار الفندق 5 نجوم توازي اسعار فندق 3 أو 4 نجوم. وهذا ما ادى إلى انعدام الحركة في فنادق النجمة والنجمتين واصحابها في غالبيتهم من العائلات اللبنانية الذين اسسوا القطاع الفندقي في لبنان. وهذه المؤسسات تنتشر بين إهدن وجزين، والمؤسف انها لا تملك القدرة المالية على الإستمرار، على غرار أصحاب الفنادق الكبرى الذين يملكون شركات لتمويلها، مما اضطر بعضهم إلى إقفال فنادقهم». ولفت الأشقر إلى أن القطاع الفندقي لا يمكنه أن يستمر مما يضطره إلى التوقف على عكس المطاعم وشركات تأجير السيارات التي تعلن افلاسها، وهذا ينعكس على حركة تشغيل اليد العاملة بين عمر 25 و35 سنة، هذا عدا عن عصر النفقات والإقفال الجزئي في غالبية المؤسسات الفندقية.
والنتيجة؟ تشير الأرقام إلى تراجع الحركة السياحية بنسبة 36 في المئة عن العام 2012 و54 في المئة عن العام 2010. إذاً الخسائر فادحة والوضع أكثر من متعثر. ننتظر الأعجوبة التي يترقبها بيار الأشقر؟ ربما لا خلاص إلا بذلك.
اقفال متاجر
نصل إلى التجارة التي انخفضت حركتها الى حدودها الدنيا، على رغم التنزيلات الكبيرة التي اجرتها المؤسسات التجارية والتي تجاوزت الـ70 في المئة. واللافت ان الانكماش التجاري يأتي في ظل ارتفاع الكلفة التشغيلية، وانخفاض الحركة في الأسواق إلى معدل العشرة في المئة، الامر الذي انعكس سلباً على أرباح المؤسسات التجارية، التي باتت جميعها على شفير الهاوية. أما الاخطر فهو استغلال بعض المصارف لهذا الواقع إذ عمدت إلى وضع يدها على عقارات تعود لمؤسسات متعثرة بدلاً من الوقوف الى جانبها في محنتها لتمكينها من الوقوف على رجليها من جديد، وهذا ما ادى الى ظهور اقفالات بقوة في الاسواق.
في اجتماع البيال الذي دعت إليه الهيئات الإقتصادية في حضور النواب والوزراء المعنيين، طالب رئيس اتحاد غرف الصناعة والتجارة والزراعة في لبنان ورئيس غرفة بيروت وجبل لبنان محمد شقير المجتمعين بوضع دراسة لمعرفة ما ستؤول إليه الأوضاع الإقتصادية في لبنان في حال استمر الوضع على حاله. وتقرر تحديد مهلة الدراسة بين 6 أشهر وسنة. وأوضح شقير أن القرار اتخذ على خلفية الإنهيار الإقتصادي الحاصل في البلد وعدم القدرة على التكلم بلغة الأرقام بعد اليوم. «فالوضع يزداد سوءاً كل يوم، من عمليات خطف مقابل فدية وصولاً إلى الصواريخ التي تطلق من وقت إلى آخر وخطف الطيارين التركيين ومتفجرة الرويس والكلام عن وجود سيارات مفخخة في البلد. إذاً المشكلة كبيرة والخراب الإقتصادي وقع. ماذا بعد؟ «نتوقع الإنفجار الإجتماعي الذي سيؤدي إلى ارتفاع معدل جريمة السلب والسرقة وحتى القتل. وسأل: «هل يعي أهل السياسة حجم الكارثة الإقتصادية التي تنتظر اللبنانيين على أبواب موسم الشتاء والمدارس؟ ربما المقصود تجويع وإفقار الناس بعدما أدركت كل القوى الخارجية أن هناك وعياً لدى اللبنانيين بعدم الإنجرار الى حرب اهلية. لكن حرب الفقر والجوع أخطر بكثير».
ثمة من يقول: «شبعنا بيانات استنكار وتنديد وتهويل بالأعظم». صحيح المطلوب استنهاض القوى والهيئات الإقتصادية، لكن كيف وعلى من تقرأ مزاميرك؟ «إذا كان المطلوب إقفال البلد وإعلان حال الطوارئ الإقتصادية فهذا سهل جداً. لكن، يضيف شقير، «البلد مقفل منذ نحو العامين .فماذا ينفع الإضراب في ظل حركة تجارية معدومة في الأساس، وبطالة وصلت نسبتها إلى 40 في المئة؟! أما العاطلون عن العمل فوصلت نسبتهم إلى 34 في المئة». نسأل عن الحل في ظل كل هذه الخيارات المعدومة أصلاً، ويجيب شقير: «لا حل إلا في تشكيل حكومة قادرة على إعادة الثقة إلى اللبناني والمستثمر، عدا ذلك لا وجود لأي عصا سحرية».
جنون الكتب والقرطاسية
قد تشمل سياسة التقشف كل مستلزمات عيش اللبناني. لكن عندما يصل الأمر إلى لائحة الكتب والقرطاسية والأقساط المدرسية يصبح الأمر أكثر من عملية استنزاف. فبعض إدارات المدارس رفضت تسليم الأهل بيانات بجداول القسط الأول من السنة الدراسية 2013 -2014 بحجة عدم التوافق بعد على معدل الزيادة، مما يعني أن الزيادة على الأقساط صارت في جيب إدارات المدارس الخاصة. أما المكتبات فوضعت جداول أسعار الكتب بحسب بورصة اليورو والدولار. والقرطاسية التي يعتبرها التلميذ بمثابة فشة خلق وبريستيج لدى البعض صارت كابوساً، كيف لا وأنت تقرأ الرقم 325 ألفاً على شنطة مدرسية لتلميذ في الصف الثالث تكميلي!
من يشتريها؟ حتماً هناك زبون ما. لكن حتى هذه الفئة من الزبائن تقلصت بحسب مسؤولة عن المبيعات في مكتبة في منطقة كفرحباب. ولفتت إلى أن غالبية الأهالي باتت تتعمد مراقبة مشتريات اولادها من كتب وقرطاسية بعدما كانت تطلق لهم العنان.
حقاً وصلنا إلى حافة الهاوية إن لم نكن دخلنا نفق الفقر والجوع المبطنين؟ فهل تحصل الأعجوبة التي تعول عليها الهيئات الإقتصادية؟ وإذا حصلت هل تكون نتائجها فورية ام ننتظر أعجوبة اخرى لحل عقدة الأولى؟!.
جومانا نصر