سياسة عربية

ليبيا تدخل مرحلة عدم التوازن

بعد مرور ما يزيد عن 18 شهراً على سقوط نظام حكم العقيد معمر القذافي، يجمع المحللون على ان ليبيا تعيش الآن مرحلة عدم توازن حقيقية. وكما يؤكد المحلل السياسي الاردني نصر المجالي، فان اقرب وصف للحالة الليبية هو «لا الدولة دولة ولا الشعب شعب». وان حكام ليبيا الجدد ما زالوا غير قادرين على احكام قبضتهم على بلد يعجّ بالأسلحة والفصائل القبلية المسلحة. وما زالت الجماعات المسلحة، التي ساهمت في اطاحة القذافي، ترفض إنهاء انشطتها. وان الثوار الذين تعددت ايديولوجياتهم وتوحدوا على هدف اسقاط العقيد، غير قادرين على توحيد الهدف النهائي من شكل وهوية الدولة الليبية الجديدة.

الفصائل المسلحة التي ساهمت في الثورة، تحولت الى قوى متقاطعة تعمل على الساحة دون ضوابط، وتحول قادة تلك الفصائل الى سلطات مستقلة، تقرر ما تريد، وتنفذ ما يخطر ببال قياداتها، وتختلف عند التنفيذ على مستوى العناصر فيها. فحتى الاهداف المعلنة على مستوى الثورة يتم التخلي عنها عند التنفيذ، ويقوم البعض بتنفيذ امور تتقاطع مع تلك المطالب.
واللافت هنا ان المجلس الوطني – البرلمان – ومختلف الهيئات الرسمية بما في ذلك الحكومة تجد نفسها مضطرة للاستجابة الى تقاطعات الثوار بقدر الامكان، لكنها – وفقاً لبعض المصادر الرسمية – تجد نفسها في موقف حرج بحكم التناقضات التي تنطوي عليها مطالب ومقترحات الفصائل المتعددة، والتي يصل تعدادها الى المئات. وتنتشر على كامل التراب الليبي وتمارس نشاطات اقرب الى ممارسات الدولة المستقلة في بعض المناطق.
واللافت هنا، بحسب بعض التقارير، ان العديد من تلك التنظيمات محرومة من أي دعم حكومي، لكنها تواصل تجهيز نفسها بالمعدات وتمارس نشاطاً يعتبره اركانها بانه نوع من «الدفاع عن تراب الوطن». وتتجاوز في ممارساتها حدود القانون والدستور، وتفرض قانونها الخاص. من ذلك، مواصلة حصار بعض المؤسسات الرسمية من بينها وزارتا الداخلية، والخارجية، والبرلمان، واحتجاز موظفين رسميين ونواب، والاصرار على ربط عمليتي الحصار والاحتجاز باقرار قانون العزل السياسي، الا ان اللافت في هذا السياق هو استمرار الخلافات في مرحلة ما بعد اقرار القانون.

مواصلة التفجيرات
ومنها ايضاً مواصلة عمليات التفجير للعديد من المؤسسات، ومنها تفجير احدى المدارس في منطقة السلماني بمدينة بنغازي، نتجت عنه أضرار مادية لحقت بمكونات ومحتويات المدرسة. ونسبت وكالة الأنباء الليبية إلى مصادر الغرفة الأمنية في بنغازي قولها إن التحقيقات الأولية أظهرت أن الانفجار نتج عن عبوة ناسفة وضعت داخل المدرسة، وأن المستهدفين من هذا التفجير هم أفراد الجيش الوطني المتواجدين في المدرسة لحمايتها.
الى ذلك، وعلى وقع حصار بعض المؤسسات والوزارات،  استجاب المؤتمر الوطني العام الليبي لمطالب العديد من التنظيمات الثورية، باقرار قانون العزل السياسي، الذي يقصي عن الحياة السياسية الليبية اي شخص تسلم مناصب مسؤولية خلال حكم العقيد معمر القذافي. ورحّب المسلحون الذين يحاصرون مقرات بعض الوزارات بالقانون، ورفعوا الحصار عن الوزارتين. ونقل التلفزيون المحلي تغطية حية لعملية التصويت، حيث صوّت 164 نائباً من اعضاء المجلس الـ 200 لمصلحة القانون، فيما صوّت اربعة فقط ضده.
ويقترح المشروع الاقصاء من العمل السياسي لكل الاشخاص الذين تولوا مناصب مسؤولية منذ الاول من ايلول (سبتمبر) 1969، تاريخ الانقلاب الذي تولى به معمّر القذافي الحكم وحتى سقوط نظامه في تشرين الاول (اكتوبر) 2011، بعد نزاع دام ثمانية اشهر. الا انه لم تتضح مدة الاقصاء. وكانت مسودة سابقة للقانون حددت مدة الاقصاء بخمس سنوات، الا ان مصادر في المؤتمر الوطني قالت لاحقاً ان المدة يمكن ان تصل الى 10 سنوات.
ويثير مشروع القانون انقساماً في الطبقة السياسية، لانه قد يقصي العديد من كبار المسؤولين الحاليين، ومن بينهم رئيس الوزراء علي زيدان ورئيس المؤتمر الوطني محمد المقريف، اللذان عملا في السلك الدبلوماسي خلال حكم القذافي، قبل ان ينضما الى الثورة.
كما سيؤدي اقراره، بعد المصادقة عليه من قبل اللجنة القضائية في المؤتمر الوطني العام الليبي، الى استبعاد اربعة وزراء على الاقل ونحو 15 نائباً، بينهم نائب رئيس المؤتمر الوطني جمعة عتيقة، الامر الذي دفع بهذه الشخصيات الى الضغط من اجل تعديل القانون بمجرد نفاذه. وسيتم تشكيل لجنة خاصة لتطبيق القانون الجديد، الذي سيؤثر على وزراء وسفراء ومسؤولي امن واساتذة جامعات وقادة نقابات سابقين.
وكان المسلحون قد حذروا من مغبة ان يشتمل القانون على اية «استثناءات» تمكن مسؤولين بارزين من البقاء في مناصبهم. واثار القانون جدلاً واسعاً، خصوصاً بين صفوف تحالف القوى الوطنية (ليبرالي) الذي فاز بالانتخابات التشريعية في تموز (يوليو) 2012 والذي اعتبر ان القانون اعد خصيصاً للتخلص من زعيمه محمود جبريل، الذي كان رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي في عهد القذافي.

قلق غربي
في تلك الاثناء، تشير تقارير اعلامية الى ان دولاً غربية تواصل مراقبة الوضع عن كثب. وتبدي قلقاً ازاء التطورات التي تشهدها الساحة الليبية. وفي هذا الصدد، نقلت عن مسؤول في البنتاغون قوله ان اثنتين من الوحدات العسكرية الاميركية في اوروبا تم وضعهما في حالة الاستنفار لارسالهما الى العاصمة الليبية طرابلس عند الضرورة. واوضح المسؤول ان الامر برفع مستوى الاستعداد القتالي وجه الى وحدة للقوات الخاصة الاميركية في مدينة شتوتغارت الالمانية، والى احدى وحدات المشاة البحرية في قاعدة مورون في اسبانيا. واكد المسؤول انه ليست هناك نوايا لارسال الوحدتين الى ليبيا حتى الآن. ويأتي ذلك على خلفية الاوضاع الامنية غير المستقرة في ليبيا. وتجدر الاشارة الى ان السفارة البريطانية في ليبيا كانت قد اعلنت عن سحب جزء من موظفيها بصورة مؤقتة لهذا السبب بالذات. وبالتزامن، صدر عن سفارات كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بيان مشترك تضمن اشارات حول الوضع المتفجر هناك. ودعا البيان الى تمكين مؤسسات الدولة من أن تؤدي عملها بمنأى عن الترهيب المسلح، ومن خلال الحوار السلمي، وتمكين الجهات المختصة من سن تشريعات واتخاذ قرارات تتعلق بمأسسة الدولة. وجاء في البيان انه لا بدَّ لممثلي الشعب الليبي وقادته المنتخبين ديموقراطياً من أن يتمكنوا من أداء واجباتهم ويكملوا وضع الدستور، يحفزهم في ذلك شعورهم بالمسؤولية تجاه الليبيين الذين انتخبوهم وليس الخوف من التهديد باستعمال القوة. وشدد البيان على دعم انتقال ليبيا من دكتاتورية لا ترحم إلى الديموقراطية والاستقرار والازدهار. كما دعا الى احترام ودعم مؤسسات الدولة ومسؤوليها المنتخبين ديموقراطياً. مشيداً بتبني المؤتمر الوطني العام قانون العزل السياسي.

طرابلس – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق