من عملية الاعتداء على سباق الماراتون، ضد مدينة بوسطن الاميركية، الى تدمير السفارة الفرنسية في طرابلس الليبية، اشارة الى ظاهرة في دنيا القاعدة.
في بوسطن، انجلت قصة المفرقعات في سرعة مدهشة، من دون ان يتبنى احد مسؤولية العمل الذي قام به اشخاص لم يتلقوا التدريب اللازم، من اي تنظيم ام مجموعة، داخل الولايات المتحدة ام خارجها، في انتظار ان يقول التحقيق اكثر، مما يؤكد ظاهرة تفتت القاعدة، الى خلايا ميكروية، لا تتلقى توجيهاتها من قيادة مركزية، والخطر هو في انتشار هذه الظاهرة، التي حذر منها، في كتاب «جيوش القاعدة» جوناثان شانتزر نائب رئيس مؤسسة الدفاع عن الديموقراطية، في الولايات المتحدة.
فان قتل السفير الاميركي السابق، كما عملية تدمير السفارة الفرنسية في ليبيا، يشكلان الدليل، على ان تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي»، وريث المجموعات السلفية في المغرب، هو افضل جيوش القاعدة، تنظيماً، فهو يقوم على بنية قيادية منظمة، وحقول تدريب محددة، في هدف السيطرة على مناطق جغرافية، والحصول على مداخيل مالية، وقلب حكومات.
واما القاعدة في اليمن، فانها اصبحت، اقل فعالية وتنظيماً، منذ قتل امامها، انور العولقي، في سنة 2011.
خلايا ميكروية
ولا تقل خطورة عنها، الخلايا الميكروية، التي تقوم هنا وهناك، وتدعي الانتماء الى القاعدة ارادياً، وتتقاسم معها الايدولوجيا الجهادية وتقوم بالعمليات.
وجاء الاعلان عن اعتقال خلايا جهادية في كندا واسبانيا، ليؤكد مدى اتساع هذه الظاهرة، وان كانت عملية بوسطن ربما تخبىء اموراً اخرى، على ضوء اعتراف، احد المنفذين، بانه ذهب الى داغستان في سنة 2012، حيث تابع دورة تدريبية، اي مع فريق اجنبي، تسعى التحقيقات الى الكشف عنه، مما يعني ان هذه الظاهرة، تضع العالم في مواجهة تهديدات اكثر انتشاراً وبالتالي اصعب مواجهة وقد تأتي من اي كان، وقد لا تفيد كثيراً، ملاحقة تنظيمات وقيادات وبنى عسكرية.
وتفرض هذه التطورات اعادة النظر في وسائل وطرق المراقبة الانترنيتية، لان الخلايا المؤلفة من شخصين مثلاً تستطيع تبادل معلومات كثيرة، في صورة مباشرة.
واما لماذا استعمال طناجر الضغط، في عملية الماراتون، مثلاً، فلتضخيم تأثير المتفجرات. وكان جرى، قبل بوسطن استعمال هذا النوع من «السلاح»، في محاولة الاعتداء الفاشلة، في ساحة تايمز سكواير، في نيويورك، في سنة 2010، وفي اعتداءات بومباي، في سنة 2008.
ولكن للقاعدة، موقع للتدريب على القيام بهذا النوع من العمليات، اسسته على انترنت منذ سنة 2010.
وانطلقت فكرة اعتماد طناجر الضغط، في حرب الجهاديين، كون هذه الطناجر، متوفرة في اي مكان ورخيصة الكلفة، مما جعل اعلام القاعدة الانترنيتي، يؤكد «لديك قنبلة، في مطبخ امك».
ويعتبر الخبراء هكذا تحول، دليل ضعف اصاب المؤسسة الارهابية. فمع ازدياد الاجراءات الامنية، كان الانتقال الى طرق اكثر سذاجة وبدائية، لتنفيذ العمليات، سواء كانت فردية وتلقائية ام لا. وليس هناك اي سبيل للمقارنة مع عملية 11 ايلول (سبتمبر) مثلاً.
طناجر الضغط
تولى فرع القاعدة في اليمن، الشرح، بكل التفاصيل المتوفرة، عن كيفية صنع قنبلة بدائية، بواسطة طناجر الضغط على موقع المجلة الانترنيتية INSPIRE التي تصدرها القاعدة.
وتقرأ في المقال: «ان طنجرة الضغط، هي الوسيلة الاكثر فعالية لصنع قنبلة بسيطة». قبل الانتقال الى شرح كيف تشحن بالقطع المعدنية وبالمواد المتفجرة، وبشريط كهربائي، مربوط بساعة منبهة.
ويشدد المقال، مثلاً، على انه ليس في استطاعة احد، ان يشكك بمن يشتري طنجرة ضغط ام بسائر المواد المستعملة لصنع قنبلة. مثل السكر، والشمع، والورق، والمسامير، ام قطع زينة شجرة ميلاد. انها مواد ملائمة جداً، وتجدها في اي بيت. ويشرح الموقع الانترنيتي، انه يمكن صنع القنبلة في ايام قليلة، وتستطيع ان تقتل عشرة اشخاص (لم تقتل طنجرتا بوسطن، اكثر من ثلاثة، ولكنهما جرحتا اكثر من 100)، ولا تكلف اكثر من 100 دولار.
ويشير موقع SITE الذي يشرف عليه، فريق من الاميركيين المستقلين، ويراقب عن كثب، ما يقوله المتطرفون على الانترنت، الى ان الراديكاليين الاسلاميين، ليسوا وحدهم الذين يتابعون باهتمام، ما تقوله مجلة القاعدة الانترنيتية، وان تشكيلات متطرفة اخرى، تعتمده.
ويلاحظ ان استعمال طناجر الضغط ادوات للارهاب، منتشر في افغانستان وباكستان والهند ونيبال. ففي سنة 2006، مات اكثر من 130 شخصاً في بومباي، عندما انفجر عدد من طناجر الضغط، محشوة بالمواد المتفجرة، في عدد من القطارات في المدينة.
وفي الاعتداء الفاشل على ساحة تايمز سكواير، في نيويورك، في سنة 2010، اكتشفت الشرطة طنجرة ضغط بين الانظمة التي اعتمدت، واستعمل الارهابيون، طنجرة مماثلة، في عملية نفذوها في باكستان، في تلك السنة.
وبدأت مجلة القاعدة الانترنيتية تشجع على استعمال هذا النوع من المتفجرات، بعد اعتداء 11 ايلول (سبتمبر) الارهابي، وازدياد التدابير الامنية التي اعتمدت ثم قتل ابرز قيادات القاعدة، انتهاء ببن لادن، وراح الموقع يكثر من شرح كيفية استعمال سلاح اوتوماتيكي ام احراق مبنى، مليء بالسكان. وفي عدد شهر اذار (مارس) الماضي، شرح الموقع القاعدي الانترنيتي، كيفية اشعال سيارة متوقفة، وكيفية التسبب بحادث سير، عن طريق رش كميات من الزيت ام المسامير على الطريق.
التمويل
واذا كان الجهاديون، ورثة قاعدة بن لادن، صوروا طريقة ممارسة نشاطهم، فان التمويل شهد كذلك، تطوراً، بعد ان كان يقتصر على اعمال تهريب المخدرات والاسلحة وخطف الاشخاص، لاطلاق سراحهم لقاء فدية، وربما سرقة البترول، كما في نيجيريا، ام الغزو والاستيلاء على مدن وقرى، سعياً وراء بلاد، كما في مالي، فطرقوا ابواباً جديدة ودخلوا الى عالم الحيوانات.
فالارهاب، في حاجة الى مال وانك، ان سألت أياً كان من اطفال العالم، عن اسم حيوانه المفضل، لاجابك، من دون تردد: النمر ام الفيل، ولكن عدد هذه الحيوانات في تضاؤل، على الرغم من قلة وجودها. واصبح هذا الوجود مهدداً، نتيجة عمليات التهريب التي يبدو ان المجتمع الدولي، عاجز عن مواجهتها ومنعها، ولكن لدى الانتربول ولجنة مكافحة الجريمة والعدل في الامم المتحدة، قناعة بان اعتماد المجموعات الارهابية، على هذا النوع من النشاط، يزداد من اجل الحصول على تمويل سريع لتغذية نشاطاتها وشراء الاسلحة.
المتاجرة بالحيوانات
انتهت دراسة قام بها مركز «الاستفادة المالية الشاملة» في الولايات المتحدة، الى التأكيد على ان هذه التجارة غير الشرعية، تعتمد في تمويل نشاطات غير شرعية. ويلاحظ كارلوس دروز، مدير برنامج الاجناس، في جمعية رعاية الحيوان الدولية، وهي احدى اكبر المنظمات الاجتماعية غير الحكومية رعاية للبيئة، ان المتاجرة بالحيوانات البرية، تحولت الى «موضوع يتعلق بالامن القومي، ولا بد من اشراك الانتربول في مكافحتها».
فالمتاجرة بالحيوانات البرية وباجزائها تحتل المرتبة الرابعة، في حجم نشاطات الاجرام المنظم بعد المخدرات والسلاح والمنتوجات المزورة. وتقدر الامم المتحدة، ان هذا النشاط يدرّ حتى 10 مليارات دولار في السنة، على الاجرام المنظم وحليفه الارهاب.
فان ثمن كيلوغرام من قرن وحيد القرن، يصل الى 85 الف دولار، في السوق السوداء، تشجع عليه شائعات انتشرت في فيتنام عن انه مفيد في معالجة السرطان لترويج استعماله ورفع ثمنه.
اما النمور التي يعتقد انه لم يبق منها اكثر من 3200 نموذج، فانها تعتمد كذلك، في تطوير الطب الصيني، اضافة الى جلدها الثمين.
وفي عودة الى تجارة المخدرات، نشير الى ان وكالة مكافحة المخدرات الاميركية ألقت القبض في 21 اذار (مارس) الماضي، في جنوب الجزائر، على اثنين من مواطني كولومبيا، نفذا عملية تهريب مخدرات، من اميركا الجنوبية، مع افراد من القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي.
والتقت الوكالة الاميركية، مع دوائر المخابرات الاسبانية، حول التعرف على كون احد الاثنين، هو من اركان منظمة الفارك الكولومبية التي تقاتل الحكومة الكولومبية وتمول نشاطاتها بتهريب المخدرات من اميركا الجنوبية، وكانت المخدرات الكولومبية اعتادت حتى الآن، على ولوج اوروبا، عبر البوابة التركية.
وكان الكولومبيان، توليا عملية مبادلة مخدرات من اميركا الجنوبية، تموّل نشاطات القاعدة في دول المغرب الاسلامي، مقابل اسلحة وكمية من المال، وتمت الصفقة بعد سقوط معمر القذافي، وقبل يوم واحد من اعلان الرئيس الكولومبي، خوان مانويل سانتوس، بداية محادثات مع الثوار.
تعاون
وكانت تلك المرة الاولى، التي يتم فيها الحديث، رسمياً، عن تعاون بين مجموعات من القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي مع الثوار في كولومبيا، وفي دول اميركا الجنوبية. وتقول المصادر الاميركية ان الاتصالات جرت قبل اشهر من عملية تبادل المخدرات مقابل السلاح. وفي الجزائر كذلك، جرى الاتصال بواسطة القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، عبر الفريق السلفي، الذي يسيطر على المنطقة، ويتحرك حسب توجيهات واوامر الاصوليين الاسلاميين. وكشفت التحقيقات ان الكولومبيين تلقوا مالاً وسلاحاً، مقابل المخدرات، وجرى اعتقال ثلاثة سلفيين، يعملون تحت قبة القاعدة، في عملية القبض على الرسولين الكولومبيين، وتتولى المخابرات الجزائرية التحقيق مع القاعديين الثلاثة، بالتعاون مع الاميركيين.
وتملك الطائرة، التي تولت نقل مخدرات الكوكايين الى الجزائر، جماعة تتعاون مع ثوار الفارك في كولومبيا وجرى تفريغ الشحنة في مدينة كيدال، في مالي، على الحدود مع الجزائر.
وتعتقد دوائر المخابرات الغربية، ان وجهة المخدرات الكولومبية، هي اوروبا عبر تركيا، وظهرت كميات من هذه الصفقة في فرنسا، ولكن لا يستبعد ان تكون وصلت الى «اسواق» اوروبية اخرى.
جوزف صفير