ماذا تعرف عن ذاك الخبيث؟
هو سرطان، يعني هو خبيث، يعني يأتي وهو في ثياب نعاج ويضرب حين يشاء من يشاء، يعني ويعني ويعني… الشرح متعدد، بعضه صحيح وبعضه الثاني شبه صحيح وبعضه الثالث والأخير خطأ شائع! «السرطان… ماذا تعرف عنه؟». هو عنوان الندوة التي نظمتها الجمعية اللبنانية لمكافحة السرطان ومختبرات سانوفي في اليوم العالمي لمكافحة السرطان… فهل سألتم أنتم، أنفسكم، ذات يوم: ماذا نعرف عن السرطان؟ وهل ما نظن أننا نعرفه هو حقيقيٌ واقعيٌ صحيح؟
تسمرّت العيون في اللقاء، منذ البداية، على تقرير يطرح السؤال: ماذا نعرف عن السرطان؟ الإجابات، حتى ولو كان الموضوع في حدّ ذاتِهِ حزيناً، أضحكت! فالناس، كل الناس يظنون أنهم يفقهون في كل شيء: في الغذاء وفي السياسة وفي الطب وفي الاقتصاد وفي… السرطان أيضاً! الناس ردوا بأجوبة شتى بينها: السرطان يعني ان المصاب سيموت حتماً! انه يضربنا جميعاً والوقاية منه مستحيلة! حين أسمع الكلمة، كلمة سرطان، أتشاءم! الكريب قد يتحول أحياناً الى سرطان!! انه «خلقة ربنا»… ليس له ومنه شفاء!
سرطانات من صنع البشر
لا، ليس السرطان دائماً «خلقة ربنا»، أحياناً نساهم نحن في انتاجه فنُصاب. ثمة سرطانات من صنع البشر. ثمة أمراض، حتى ولو كانت من الصنف المخادع الخبيث، نتسبب بها نحن. البروفسور جورج شاهين، رئيس الجمعية اللبنانية لأطباء التورم الخبيث ورئيس قسم أمراض الدم والأورام في مستشفى أوتيل ديو، انطلق في عملية التصويب مستلاً من القاموس الشعبي العام سلسلة أخطاء يُفترض أن تُصحح. رئيس قسم أمراض الدم والأورام ومدير وحدة المعلومات والأبحاث السريرية في مركز بازل للسرطان في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور علي شمس الدين انطلق هو ايضاً في عملية التصويب متكلاً على أرقام وبيانات واقعية دالة. نقيب الصيادلة الدكتور ربيع حسونة حضر. وشارك نائب رئيس المؤتمر الدولي للصيادلة الفرنكوفون الدكتور زياد نصور. ثمة إذاً ثقل مبدئي في المشاركين. والموضوع ليس أبداً عرضياً. صحيح هو خبيث، محتال، مخادع لكن المشاركين قرروا فضحه بحقائق.
الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان شعر بوطأة الجهل فرفع عنواناً في 2013: ماذا تعرف عن السرطان؟ البروفسور شاهين بديناميته المعهودة شرح: «كلما عرفنا عن الخبيث أكثر تضاءلت أكثر الأخطاء الشائعة. والأخطاء أربعة او تندرج في خانات أربع: اعتقاد البعض ان السرطان مسألة صحية فقط لا غير. اعتقاد الكثيرين ان القدر يلعب لعبته متسبباً بالإصابة! الاعتقاد أيضاً بأن السرطان مرض مميت وحكم مبرم بالإعدام وبأن هذا الخبيث يصيب الدول المتقدمة الغنية ويندر في العالم النامي!».
اربعة اخطاء… شائعة
من تلك الاعتقادات الخاطئة الأربعة ينطلق شاهين في عملية تصويب المعلومات حول مرض ما زال يعتبر حتى هذه اللحظة السبب الأول للوفيات في العالم، متفوقاً على الحروب والكوارث الطبيعية، ويشرح: ارتدادات السرطان ليست فقط صحية، إنها اجتماعية واقتصادية وحياتية أيضاً، فالمصاب لا يعيش في كونٍ بعيد بل في أسرة تتفاعل معه، تتأثر معه، تتفاعل مع تفاعلاته، تتألم مع آلامه وتعيش المأساة الكبرى في كل مرة تأتي النتيجة، نتيجة فحوصاته، أسوأ من قبل! فالمريض الواحد يصبح هنا مجموعة مرضى. لذا الخطأ الأول الشائع هو اعتبار السرطان مسألة صحية ونقطة على السطر!
الخطأ الآخر هو اعتبار السرطان مرض الأغنياء! لا، السرطان يُصيب الأغنياء والفقراء. والتوقعات تشير الى امكانية ان تتجاوز نسبة الإصابات في الدول الفقيرة، في العام 2030، نحو 81 في المئة من النسبة العامة. فالفقر سبب ومتسبب للسرطان. والسؤال: هل يفترض الاستثمار في السرطان أم لا؟ البروفسور شاهين يحسم: «إذا كنا نملك مئة ألف ليرة فأفضل ألف مرة ان نضعها في الكشف المبكر عوض عن ان تُصرف زائد مئات الآلاف الأخرى بعيد الإصابة. وهنا يفترض ان نعرف كلنا ان التوقعات تشير الى ان كلفة علاج السرطان ستتعدى 458 مليون دولار في العام 2030».
9870 إصابة جديدة في لبنان
سُجلت في لبنان، لمن يهمه الأمر، 9870 إصابة سرطانية جديدة في العام 2012! رقمٌ طبعاً هائل وكبير. ويموت في العالم، إذا كان هناك من يسمع ويهتم، 7،6 ملايين إنسان سنوياً بسبب السرطان، أربعة ملايين منهم قبل أوانهم، وهذا الرقم مرجح للارتفاع في العام 2025 ليصل الى ستة ملايين، يمكن ان تُكتب لهم الحياة، أو سنوات إضافية من الحياة، إذا أحسنوا التصدي للخبيث!
مشكلتنا هنا، في عالمنا العربي بالتحديد، أننا نخال أن السرطان يصيب الأغنياء! في محاولة منا ربما الى إيجاد ما يجعلنا نشعر، نحن الطبقة المتواضعة، بقدرات أكبر من قدرات هؤلاء الأغنياء المادية. وهذا الخطأ الشائع يُفترض الغاؤه من القاموس العام.
السرطان ليس سببه زكاماً! ونحن قادرون على التصدي لبعض أنواع السرطانات. هناك لقاح لعنق الرحم مثلاً. وهناك لقاح ضد الصفيرة والكبد. 85 في المئة من الحالات السرطانية التي تُصيب الصغار فيها شفاء. الطب يتطور والذهنية يفترض ان تواكب التطور العلمي والتكنولوجي والبحثي… الوفيات السرطانية في أوستراليا مثلاً تضاءلت كثيراً بسبب زيادة الوعي حول اهمية إجراء الصور الشعاعية. ويزيد شاهين: «السرطان مؤلم ومحزن لكنه ليس قدراً! قادرون نحن على تفادي ثلث الأمراض السرطانية عبر الوقاية. لا تدخنوا. خففوا من تناول الدهون. مارسوا الرياضة. بدلوا من نمط حياتكم…».
الوقاية ثم الوقاية
الدكتور علي شمس الدين حمل في جعبته كثيراً من الأرقام التي خلصت اليها دراسة نفذتها الجامعة الأميركية في بيروت، ولم يصر الى تبنيها بعد رسمياً، لكن لا ضير من إفشاء أن الأنواع الثلاثة الأكثر شيوعاً من السرطان لدى الرجال في العام 2012 كانت: سرطان البروستات وسرطان الرئة وسرطان المثانة، أما عند النساء فهي: سرطان الثدي وسرطان القولون وسرطان الليمفوما. ولعلّ الوقاية، نعود ونكرر، أفضل الطرق للتخلص من عبء السرطان. يمكننا، في اختصار، تفادي ثلث السرطانات الأكثر انتشاراً عبر الوقاية. 71 في المئة من وفيات سرطان الرئة مثلاً سببها التدخين! فهل ما زلتم تسألون عن سبل الوقاية؟!! يمكننا أيضاً تفادي نحو 27 الى 38 في المئة من السرطانات الأساسية عبر اعتماد نظام غذائي سليم وتخفيض مستوى الكتلة الدهنية في الجسم.
الدكتور شمس الدين يُطلق أكثر من صفارة إنذار: ستتضاعف حالات الوفيات السرطانية في السنوات الخمس عشرة المقبلة! في المقابل وعلى نقيض بعض الدراسات المتفائلة يُطلق شمس الدين أن نسبة 12 في المئة فقط من اللبنانيات أجرينَ صوراً شعاعية للثدي مقابل 75 في المئة في الولايات المتحدة الأميركية! نسبة حالات الإصابة بسرطان الثدي عندنا، تحت سن الأربعين، تلامس العشرين في المئة، في حين لا تتعدى السبعة في المئة في الغرب.
ما دور الصيادلة في مواجهة الأخطاء هنا؟
نقيب الصيادلة ربيع حسونة حكى عن الدور التوعوي للصيدلي كشريك في عملية الوقاية. فالصيدلي قادر على ان يواكب المريض أكثر من الطبيب، انه على مقربة منه. والصيدليات تنتشر، يقول زياد نصور، كل ثلاثمئة متر. أهمية الصيدلي انه موجود على الارض. ودور الصيادلة لعب دور الجندي المجهول عبر الإصرار على تأمين الدواء الصحيح. فالدواء لا يتحمل أبداً المزاح!
نعود الى الأخطاء الشائعة، الى المعتقدات الكثيرة التي تزدحم في رأس البشر حول الخبيث، والتي تجعل الكثيرين يخالون إما أن لا مفرّ من الإصابة، التي هي بمثابة مشيئة ربانية، او ان الأطباء يقترفون أخطاء تؤدي الى الإصابة بالسرطان! صديقة، واعية جداً، أصيبت بسرطان الثدي وها هي، منذ عرفت، تتهم الأطباء الذين أعطوها أدوية أدت الى ما بها اليوم وتعليلها: أن لا إصابات بسرطان الثدي في عائلتها… فكيف أتاها؟ من أين؟ لماذا؟ صديقتي وقعت في الخطأ معتقدة بأن سرطان الثدي إما ان يكون وراثياً او لا يكون! خطأ آخر وقعت فيه صديقتي وهو اعتقادها بأنها ما زالت شابة، بالكاد تلامس الأربعين، فلماذا تُصاب الآن؟ يبدو أن صديقتي لم تتذكر أو تجاهلت أنه إذا كانت هناك إمرأة واحدة من أصل ثماني نساء معرضة للإصابة بسرطان الثدي حين تبلغ الخامسة والثمانين فإن هناك في المقابل إمرأة واحدة أيضاً معرضة من أصل 233 إمرأة للإصابة في عمر الثلاثين!
السرطان هو، في حراكه، خبيث… فلا تجعلوه يمارس حراكه معلوماتياً أيضاً! ولا تتكلوا كثيراً على المعلومات المسبقة بل اسألوا واسألوا وكرروا السؤال: هل ما نعرفه عن السرطان صواب؟
نوال نصر
كليمنصو… الأول!
حلّ مركز كليمنصو الطبي في مؤتمر الصحة العربي ٢٠١٣ الذي عُقِدَ في دبي في المركز الأول بين مستشفيات ومراكز العالم العربي الطبيّة عن فئة «الامتياز في التصوير والتشخيص بالأشعة». وتسلم الجائزة الرئيس التنفيذي للمركز الدكتور مؤنس قلعاوي.