سياسة لبنانية

مرحلة تغيير في المنطقة تسهل الاتفاق على سلة حل شاملة

هل تُدخل استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي البلاد في ازمة سياسية تتحول الى ازمة حكم وازمة نظام، وتدفع الى نفق مظلم عبر تفجير الوضع، يؤدي الى انهيار الدولة وقيام نظام جديد وفق معادلة جديدة تنطلق من المعطيات وموازين القوى؟ ام ان الاستقالة هي فسحة لالتقاط الانفاس وتنفيس الاحتقان، عبر ورشة لحل الازمة وفق سلة شاملة تتناول: حكومة حيادية  للاشراف على الانتخابات اعضاؤها غير مرشحين، قانون للانتخاب، موعد الانتخابات وحكومة شراكة، والمشروع السياسي؟

لماذا اعلن الرئيس ميقاتي استقالة الحكومة الآن، وكان هدد باعلانها اكثر من مرة ولم يفعل؟ يقول احد الوزراء «فعلها نجيب». ان الثالثة كانت ثابتة. لقد هدد بالاستقالة اذا لم يتم تمويل المحكمة الدولية وحصل على التمويل. ثم هدد بالاستقالة يوم اغتيال اللواء وسام الحسن، فابلغ يومها الرئيس ميشال سليمان رغبته في الاستقالة، لان ذلك  يحدث صدمة ايجابية وفق احد مستشاريه. لكنه لم يقدم بسبب موقف حزب الله المعترض بشدة على الاستقالة. واليوم استقال بسبب عدم التمديد للواء اشرف ريفي مديراً عاماً لقوى الامن الداخلي. وابلغ الرئيس نبيه بري والحزب انه لا يتحمل سنياً عدم التمديد. وقال لاحد المسؤولين: «اما انا في السراي وريفي في قوى الامن واما انا وريفي خارج المسؤولية».
استغربت اوساط في قوى 8 اذار استعجال ميقاتي طرح الموضوع في الجلسة الاخيرة. فقد كانت الاتصالات جارية للتمديد للقادة الامنيين في مجلس النواب، عبر اقتراح تقدم به نواب في تيار المستقبل برفع سن تقاعد قائد الجيش الى 63، واللواء في مركز مدير عام الى 62، وبدأ النواب بالتوقيع على عريضة للتمديد. وابلغ الرئيس بري وزير الداخلية عندما زاره لمفاتحته بالتمديد لريفي عبر مرسوم، كما حصل عام 1995 للواء رفيق الحسن باستدعائه من الاحتياط لتولي منصب مدير عام قوى الامن، انه ينتظر ان ترده العريضة ليدعو المجلس للاجتماع لبحث الموضوع. وقال: سأضع على جدول الاعمال المشروع الارثوذكسي «لانني ما بدي اعمل مشكل مع عون». وطرح ميقاتي الموضوع في مجلس الوزراء بعد تعليق  الرئيس سليمان الجلسات الى حين اقرارانشاء هيئة للاشراف على الانتخابات. لم يصدق البعض تهديد ميقاتي بالاستقالة اذا لم يتم التمديد لريفي، اجاب الحزب ميقاتي: «اعمل ما يريح ضميرك». ولم يكن الحزب يتصور انه سيقدم على الاستقالة ولم يصدقوا  بل توقعوا ان يهدد ويعتكف وتتم التسوية على البارد، الا ان اوساطاً وزارية قالت ان ميقاتي ألمح الى خطوته في لقاء روما بينه وبين البطريرك الماروني وبري.

لماذا رفض التمديد لريفي؟
لماذا رُفض التمديد لريفي؟ يقول نائب في تيار المستقبل ان قوى الامن الداخلي (شعبة المعلومات) «خارج السيطرة الامنية» للحزب. وهي جهاز «يتنقوز» على تحركات الحزب ويتابع المخالفات. فكان قرار وضع اليد عليه لانه يعمل خارج واحة الحزب ومراقبته، بعدما فشل الحزب في تطويع هذا الجهاز رغم الاجتماعات التي كانت تعقد بين مسؤولين من الحزب واللواءين ريفي والحسن، وكان اخرها مع ريفي خلال الاسبوع الفائت.
الى ماذا ستؤدي الاستقالة؟ الى الحوار والحل وفق ما يقول وزير مطلع. فقد صبت الاتصالات التي جرت بعد الاستقالة في المنحى الحواري.  وأكد الرئيس بري «ان الازمة ستكون فاتحة لتعزيز الحوار لمعالجة التداعيات، فلا تكون مدخلاً لمزيد من التورط في الازمة السورية». وشكلت الاتصالات التي اجراها الرئيس سعد الحريري مع بري وميقاتي وامين الجميل وسمير جعجع، ابرز المؤشرات للعودة الى الحوار. وتوقف المراقبون عند ردود الفعل الخارجية، فأكد وزير الخارجية الاميركية جون كيري «دعم الجهود التي يبذلها الرئيس سليمان والموقف المرتكز على اعلان بعبدا والعمل على عدم انتقال تداعيات التطورات السلبية الى لبنان. وايد اجراء الانتخابات وفق الاصول الديموقراطية. وكرر دعم بلاده لسيادة واستقرار لبنان». ودعا الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الاطراف الى البقاء موحدين خلف قيادة الرئيس سليمان والعمل مع المؤسسات للمحافظة على الاستقرار والتزام اعلان بعبدا ودعم الجيش والقوى الامنية في تعزيز الوحدة الوطنية والسيادة والامن. وابدى بيان الاتحاد الاوروبي قلقه من تدهور الاوضاع. فغياب التوافق بين الاطراف ادى الى طريق مسدود،. ودعا الاطراف الى التعاون من خلال الحوار ودعم الجيش والقوى الامنية.

انتهاء مفعول الحكومة
لماذا استقالة ميقاتي الآن؟ يعتبر نائب في المعارضة ان الاستقالة اشارة الى انتهاء مفعول الحكومة والى تغيير اصول اللعبة وحلول الاستحقاقات ودخول لبنان والمنطقة في مرحلة جديدة. فكما أشّر في الماضي «الانقلاب السياسي» على حكومة الرئيس الحريري لمرحلة اكدت سوريا وايران من خلالها انهما تتحكمان بالقرار في لبنان، هناك اليوم مؤشرات كثيرة على وجود متغيرات في المنطقة وقد يكون شهر نيسان (ابريل) حافلاً بالتطورات بعد: تقدم المفاوضات بين الاميركيين والروس للحل في سوريا، وبعد انجازات الجيش الحر على الارض، ومصالحة اسرائيل وتركيا، واعادة تحريك المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية، وتقدم المفاوضات في الملف النووي الايراني، ومصالحة الاكراد مع النظام التركي، وتحذير العراق من عبورالسلاح الايراني الى سوريا عبر اجوائها… كلها عوامل تدفع الى احداث تغيير في المنطقة قد يكون لها تأثيرها في لبنان.
ويؤكد احد الوزراء ان الاستقالة مقدمة لبدء حل شامل رغم المخاوف لدى البعض من التفجير الامني من ضمن خطة ترمي الى تخفيف الضغط عن سوريا. ويقول الوزير شربل: ان الامن ممسوك ومضبوط ولا مصلحة لاحد بالتفجير، لان اي تفجير يصيب الجميع، ولم يعد ورقة ضغط. وعلى رغم اعتبار قوى 14 اذار ان الاستقالة هي مقدمة لاحداث فراغ وزاري، ولاحقاً نيابي وامني واداري، تصبح حتمية الدعوة التي وجهها الامين العام لحزب الله حسن نصرالله لتشكيل هيئة تأسيسية لاعادة تركيب النظام وفق معادلة جديدة. وفي الوقت الذي يدعو الرئيس بري الى الحوار حول: الحكومة وقانون الانتخاب، وتشكيل حكومة حيادية للاشراف على الانتخابات وعلى قانونها وموعد اجرائها، تشترط قوى 14 اذار للمشاركة في الحوار تشكيل حكومة حيادية للاشراف على الانتخابات وتبني اقتراح الرئيس الحريري لحل الازمة مع تسليم الحزب بالبحث في سلاحه من ضمن مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة ولها وحدها يعود قرار الحرب والسلم، ورفض العودة الى معادلة الشعب والجيش والمقاومة والتزام اعلان بعبدا كمنطلق للبيان الحكومي والحوار، وهذا ما قد يؤخر اي اجتماع بانتظار التطورات في المنطقة لحسم الازمة السورية، فتعقد «دوحة لبنانية» للحل كما حصل عامي 2005 و2008، فالحل يحتاج الى رغبة وتعاون الجميع لانقاذ الوحدة والعيش المشترك والسلم الاهلي،

فيليب ابي عقل
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق