لبنان سلم رده للوسيط الاميركي والجانب الاسرائيلي تربكه خلافات الحكومة والمعارضة
تقاذف التهم بين الدولة والمصارف مؤامرة مكشوفة لتحميل المودعين الخسائر
الولايات المتحدة مستعجلة على انجاز ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل. فصباح امس لم تنتظر السفيرة الاميركية دوروثي شيا وصول الرد اللبناني على مقترحات هوكشتاين، بل قصدت المجلس النيابي واجتمعت الى نائب رئيس المجلس الياس بوصعب واطلعت منه على الرد اللبناني والمقترحات التي قدمها. فطالبته بالاسراع في انجاز الرد، وهكذا كان. فبعد الظهر تولى بوصعب بتكليف من رئيس الجمهورية نقل الرد اللبناني الى السفارة الاميركية التي ارسلتها فوراً الى الوسيط الاميركي.
لبنان انجز ما عليه وقدم اجوبته، وهو ينتظر الموقف الاسرائيلي المشوش، بفعل التناحر القائم بين الحكومة التي تتولى الاتفاق والمعارضة بقيادة بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء السابق والمتهم بالفساد والرشاوى وهو حالياً قيد المحاكمة، ولكنه يحاول بشعبوية لافتة كسب اصوات الناخبين، للعودة الى الحكم والهروب من السجن. فهل تؤثر الخلافات الاسرائيلية على الاتفاق وتعيد الامور الى نقطة الصفر، ام ان الضغوط الاميركية المتواصلة ستتمكن من تمرير الاتفاق؟ الانتظار سيد الموقف. فيوم الخميس (غداً) تجتمع الحكومة الاسرائيلية المصغرة لتناقش الرد اللبناني وعلى اساسه يتخذ القرار.
في هذا الوقت، وبانتظار جلاء الموقف من الترسيم تتواصل الجهود لتشكيل حكومة جديدة، تتمتع بالصلاحيات الكاملة وتحوز على ثقة المجلس النيابي. غير ان هذا الملف يكاد لا يعرف النهاية. فيوماً تبدو الطريق سالكة، والتشكيل على وشك الانجاز، لتعود الاجواء الملبدة في اليوم الثاني، وتظهر العقبات والمطبات والشروط المستحيلة، فتتعقد الامور وتنشط الوساطات من جديد لتذليلها. وامس اشار الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الى الصعوبات التي تعترضه في التشكيل ولكنه قال انه ماض حتى بلوغ الهدف.
لماذا تصر بعض الاطراف على استعجال التشكيل وانجاز الملف؟ يبدو انها باتت على يقين من ان انتخاب رئيس جديد للجمهورية لن يتم في موعده، نظراً للاختلاف في وجهات النظر، وعدم التمكن من تحقيق الوفاق. فالمنظومة كما هو معروف لا تبالي بالمصلحة الوطنية، وانقاذ البلد ليس من اولوياتها، بل ان كل همها رعاية مصالحها والمحافظة على مكاسبها. وكل ما عدا ذلك تفاصيل. في هذه الاجواء تردد ان رئيس مجلس النواب نبيه بري سيدعو الى جلسة ثانية لانتخاب رئيس قبل الخامس عشر من الشهر الجاري، الا ان مصيرها لن يكون افضل من الجلسة الاولى في غياب التوافق، رغم ان الاتصالات مكثفة لتحقيق هذا الحلم. فهل تنجح الضغوط الداخلية والخارجية في تقريب وجهات انظر، وايصال رئيس قادر على جمع اللبنانيين وتأمين السيادة واعادة لبنان الى المجتمعين العربي والدولي بعدما ابتعد كثيراً عنهما حتى سقط في الهاوية السحيقة؟
والاوضاع الداخلية الملبدة تحتم انتخاب رئيس وتشكيل حكومة قادرة على اعادة ضبط الامور المتفلتة من كل عقال. وقد عاد امس اقتحام المصارف من قبل المودعين، مطالبين بجنى عمرهم المنهوب. وامام هذا الواقع المقلق حاولت جمعية المصارف التنصل من العبء والقاء المسؤولية كاملة على الحكومات المتعاقبة، التي انفقت اموال المودعين. وقالت الجمعية في بيانها ان القطاع العام بدد اموال القطاع الخاص، والدولة تتحمل الجزء الاول والاكبر من مسؤولية الفجوة المالية، وهي ملزمة بالتعويض عنها تطبيقاً لاحكام القانون، لا سيما بفعل عمليات الهدر والاقتراض وعدم ضبط التهريب. كذلك حملت الجمعية مصرف لبنان المسؤولية ايضاً، وقالت انه وضع السياسات النقدية تطبيقاً لسياسات الحكومات المتعاقبة وبالتوافق معها. واخطر ما قام به القطاع العام انه رمى بمشكلاته على القطاع الخاص، ومد يده الى مدخراته، وتأتي الدولة اليوم لتنأى بنفسها وتنصب نفسها حكماً بين المودعين والمصارف. وختمت بالقول انها مستعدة للمساهمة في تحمل المسؤولية الوطنية لايجاد حل قانوني وعادل يجب ان ترعاه الدولة باسرع وقت ممكن. وقالت ان المصارف مستعدة لان تمد المودعين بكامل النقد الذي يزودها به مصرف لبنان لتخلص الى ان الطرق على باب المصارف لا ينفع. وطالبت بتوحيد الجهود لمطالبة القطاع العام باعادة الودائع. واجراء نقاش صريح بين المودعين والمصارف.
صحيح ان الدولة والحكومات المتعاقبة هي التي بددت اموال المودعين. ولكن مسؤولية المصارف لا تقل عن مسؤولية الدولة. فالاموال التي كانت بحوزتها هي امانات، وضعها اصحابها في المصارف لاستردادها ساعة يشاءون. والامانة مقدسة ولا يسمح لاي كان، مهما علا شأنه، المس بها الا بموافقة صاحبها. فمن سمح للمصارف بمد الدولة باموال المودعين، وهي تعلم ان الفساد الذي ينخر مختلف القطاعات مصيره ايصال البلد الى الانهيار. فهل استشارت المصارف اصحاب الاموال قبل تقديمها الى الدولة، ام ان الارباح التي كانت تجنيها اعمت اعينها عن الحقيقة المرة؟ ان من يتسلم امانة عليه ان يعيدها الى صاحبها فور طلبها. فلتتفضل المصارف وتعيد الامانات الى اصحابها. هي التي خانت الامانة وهي مسؤولة امام المودعين فتتحمل المسؤولية. ان التقاذف بالتهم بين الدولة والمصارف في محاولة مكشوفة لتضييع المسؤولية وتحميل المودعين الخسائر كلها، مؤامرة لن تمر. فصاحب المال مصر على قبض اخر ليرة من ماله، والمال كما يقال هو عوض الروح. انطلاقاً من هذا الواقع على الدولة والمصرف المركزي وجمعية المصارف اعادة الاموال الى اصحابها والا فان النتائج ستكون وخيمة. وليتحمل كل طرف مسؤولية ما جنت يداه.