أبرز الأخباردوليات

فرنسا: فشل المعارضة في اسقاط الحكومة وقانون إصلاح نظام التقاعد

أصبح إصلاح نظام التقاعد معتمداً بعدم تمكن المعارضة الفرنسية الإثنين من إسقاط الحكومة، بموجب مقترح حجب الثقة الذي وضعته الجمعة في مذكرتين، على خلفية تمرير الجهاز التنفيذي بالقوة مشروع قانون إصلاح التقاعد، بدون عرضه على مجلس النواب، وبالاعتماد على بند 49.3 من الدستور. وشهدت الجمعية الوطنية نقاشاً حاداً بين المعارضة والأغلبية المؤيدة للحكومة، ساد فيه تبادل الاتهامات بين الطرفين، في وقت تؤكد فيه النقابات مواصلة أشكالها «النضالية» في الشارع، للتعبير عن رفضها للإصلاح المذكور.
نجت الحكومة الفرنسية الإثنين من تصويت حجب الثقة الذي قدمته المعارضة أمام مجلس النواب الجمعة في مذكرتين، عقب اعتماد باريس بند 49.3 من الدستور لتمرير مشروع قانون إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل، خصوصاً الشق المتعلق برفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً، بدون عرضه أمام أنظار الجمعية الوطنية. وبذلك يتم اعتماد إصلاح نظام التقاعد بشكل نهائي.
ورفضت الجمعية الوطنية المذكرة الأولى بفارق تسعة أصوات فقط والتي تشارك فيها أحزاب عدة، في حين لم تحصد المذكرة الثانية المقدمة من اليمين المتطرف سوى 94 صوتاً من أصل 287 صوتاً ضرورياً.
وشهدت الجمعية الوطنية نقاشاً محتدماً بين الأطراف المؤيدة لإصلاح نظام التقاعد والمعارضة له. وانتقدت إليزابيث بورن بحدة طريقة تعامل المعارضة، حسب تعبيرها، مع الحكومة على خلفية الإصلاح، فيما انسحب جزء منها، المحسوب على حزب «فرنسا الأبية»، من البرلمان أثناء عرض كلمتها قبل أن يفسح المجال للتصويت.
وعبرت بورن عن تفهمها للقلق الذي ولده الإصلاح، مشيرة إلى الفئات المستفيدة منه، كما أكدت أن الحكومة أخذت الوقت الكافي للنظر في جميع المقترحات الصادرة عن الكتل النيابية المكونة لمجلس النواب. واعتبرت أنها ذهبت بعيدا في توافقات في خطوة غير مسبوقة.
من جانبها، اتهمت رئيسة المجموعة النيابية لحزب «النهضة» الذي يقود الأغلبية الحاكمة، المعارضة بمحاولة «وقف البلد» عبر مقترح حجب الثقة. واستهجنت ما أسمته بـ«التحالفات الظرفية» بين مكونات المعارضة ضد الإصلاح المثير للجدل. فيما وجه رئيس المجموعة النيابية للحزب الجمهوري أوليفييه مارليكس الاتهام للمعارضة بأنها «بصدد جر البلد نحو الأسفل».
وعلى الجهة المعارضة، اعتبرت رئيسة المجموعة النيابية لحزب «فرنسا الأبية» اليساري، ماتيلد بانو، أن الحكومة «خدعت الفرنسيين» الذين صوتوا لها، وأن هذه الحكومة «ماتت مسبقاً»، كما انتقدت بشدة ماكرون، معتبرة أنه «جلب العار لفرنسا».
من جهته، توعد شارل دو كورسون عن مجموعة «ليوت»، تحالف رافض للإصلاح بينه أحزاب اليسار، باللجوء إلى المجلس الدستوري. أما اليمين المتطرف، فاعتبر على لسان لور لفاليت عن المجموعة النيابية لـ«التجمع الوطني» أنه «مهما كانت نتيجة التصويت فالحكومة ستكون خاسرة».
وشهدت بعض المدن، وفي مقدمتها باريس، مظاهرات ليلية احتجاجاً على اعتماد هذا الإصلاح. وتحدثت وسائل الإعلام عن اعتقال العشرات في العاصمة الفرنسية لوحدها، مشيرة إلى أن مظاهرات نظمت بشكل تلقائي بدون تراخيص مسبقة ما صعب على قوات الأمن محاصرتها.

لماذا أخفقت المعارضة في اطاحة الحكومة؟

ولإسقاط الحكومة، كان يجب أن تصوت الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية لحجب الثقة عن الحكومة بـ287 صوتاً. لكن صوت لصالحه 278 فقط أي بفارق قليل عن العدد المطلوب لاطاحة الحكومة. وكانت المعارضة تعول على دعم الحزب الجمهوري لنيل أصواته، والذي ظهر منقسماً بخصوص المشروع.
وهذا، في وقت تواصل فيه النقابات ضغطها عبر الشارع لوقف هكذا إصلاح. كرر الأمين العام لنقابة (سي إف دي تي) لوران بيرجيه الجمعة تحذيره من تفاقم الغضب في البلاد، داعياً الرئيس الفرنسي إلى «سحب الإصلاح».
كما أعلنت الكونفدرالية العامة للعمل (سي جي تي)، في وقت سابق، أن أكبر مصفاة في البلد، والتي تقع في النورماندي (شمال غرب) وتديرها شركة «توتال إنرجي»، بدأت بالتوقف عن العمل، علماً أن المضربين عطلوا منذ بداية الحركة الاحتجاجية شحنات الوقود، لكن لم تتوقف أي من المصافي الفرنسية السبع عن العمل بالكامل.
وتجمع متظاهرون مجدداً الأحد في مدن فرنسية عدة ولا سيما في باريس حيث وقعت حوادث الخميس والجمعة ومساء السبت، منددين بـ«إنكار الديمقراطية».
وعلى الجبهة الاجتماعية، لا تزال قطاعات اقتصادية أساسية عدة تشهد بعض المشاكل ولا سيما المواصلات وجمع النفايات وتوزيع الوقود.

حجب الثقة لم يسقط أي حكومة بفرنسا منذ 1958

وخرج سيد الإليزيه الخميس عن صمته حيث أعرب في رسالة وجهها إلى رئيسي مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية، عن «رغبته في أن يتمكن النص حول التقاعد من المضي إلى نهاية مساره الديمقراطي وسط احترام الجميع».
وإسقاط الحكومة كان من المحتمل أن يدفع الرئيس ماكرون إلى اللجوء لحل الجمعية الوطنية وإجراء انتخابات مبكرة، في وقت تراجعت فيه شعبيته باستطلاعات الرأي إلى 28%، أدنى مستوياتها منذ 2019.
ويعد هذا المشروع أحد الإصلاحات الكبرى التي تعهد بها ماكرون وإن كان يلاقي رفضاً واسعاً في الأوساط الفرنسية، حسب ما أظهرته استطلاعات الرأي. ولم تسقط أي حكومة في فرنسا نتيجة مذكرة بحجب الثقة منذ بدء الجمهورية الخامسة في 1958.
ومنذ الإعلان عن تقديم ملتمس رقابة لاطاحة الحكومة، أبدت الأخيرة تفاؤلها بشأن مستقبلها على لسان بعض وزرائها، معتبرة أن الانقسامات في صفوف المعارضة أكبر من أن تفضي إلى إنهاء مسيرتها.
وفي رد منه، انتقد وزير العمل أوليفييه دوسوبت الأحد في تصريح لصحيفة «لو جورنال دو ديمانش» المعارضة، قائلاً: «إنه من أجل إقرار مذكرة بحجب الثقة يجب أن تجمع ائتلافاً من المعارضين والمناهضين لتحقيق غالبية شديدة التباين وبدون خط سياسي مشترك».
وبدوره لم يظهر وزير الاقتصاد برونو لومير، وهو أحد الوجوه البارزة في الجهاز التنفيذي، أي قلق على مستقبل الحكومة، وصرح في مقابلة مع صحيفة «لوباريزيان» قبل التصويت على حجب الثقة، أنه «لن يكون هناك غالبية لإسقاط الحكومة، لكنها ستكون لحظة حقيقة».
ويعتبر سن التقاعد في فرنسا من الأدنى في أوروبا، ولو أنه لا يمكن المقارنة بين مختلف الأنظمة. وتبرر الحكومة رفعه سنتين بضرورة التصدي لتراجع الموارد المالية لصناديق التقاعد وشيخوخة السكان.

فرانس24/ا ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق