سياسة لبنانيةلبنانيات

الكوارث الطبيعية تتلاقى مع الفساد السياسي الاشد تدميراً لزرع البؤس بين اللبنانيين

لا جلسة لـ «تشريع الضرورة» فاحيل ملف التمديد لقادة الاجهزة الامنية الى الحكومة

كأن اللبناني لا يكفيه فساد المنظومة السياسية الذي قضى على كل شيء، فلاقته الطبيعة بزلازلها المدمرة لتزيد من عذابه. فعند الساعة السابعة وست دقائق من مساء امس الاثنين ضرب زلزال قوي المنطقة المنكوبة بالزلزال الاول الذي وقع قبل اسبوعين في تركيا فامتدت ارتداداته الى الدول المجاورة سوريا ولبنان والاردن وفلسطين وهرع الناس الى الشوارع ولجأوا الى الحدائق العامة، حتى غص بهم حرج بيروت، فيما لجأ البعض الاخر الى سياراتهم وابتعدوا بها عن الاماكن العمرانية، خوفاً من انهيار ابنية غير مؤهلة لتحمل اي هزات. فاقفلت المدارس والجامعات اليوم الثلاثاء.
في هذا الوقت كان الزلزال السياسي الاشد تدميراً من الزلزال الطبيعي، يتواصل وتتمدد ارتداداته على مختلف مفاصل الدولة. فالشغور الرئاسي يتعمق، ولم تنفع لا النداءات الداخلية ولا الخارجية في زحزحة النواب، وحملهم على ممارسة واجباتهم. فزادوا المواطنين ندماً على سوء اختيارهم. لقد كانت الفرصة مؤاتية في الانتخابات الماضية لقبع هذه المنظومة، ولكن سوء الخيار ثبتهم علي كراسيهم لولاية جديدة ولم يعد ينفع الندم اليوم. وبعيداً عن الاهتمام بانتخاب رئيس للجمهورية، يكون بداية الحل، ويتم تشكيل حكومة اختصاصيين تعمل على تنفيذ الاصلاحات وانهاض لبنان من جهنم الغارق فيها، حاول الرئيس نبيه بري تأمين نصاب لجلسة «تشريع الضرورة»، هدفها التمديد لبعض موظفي الفئة الاولى وقادة الاجهزة الامنية، الا ان الخلافات برزت واضحة لدى اجتماع مكتب المجلس، فصرف الرئيس بري النظر عن توجيه دعوة لهذه الجلسة، واوكل الامر الى الحكومة لايجاد المخرج القانوني للتمديد لهؤلاء، وخصوصاً مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم الذي يحال على التقاعد في بداية الشهر المقبل.
هذا التخبط السياسي تزيد حدته الازمة الناشبة بين القضاء وجمعية المصارف. وقد تأزم الوضع اكثر بالادعاء على مصرف سوسيتيه جنرال بتهمة تبييض اموال. فزرع هذا الادعاء الخوف في قلوب المودعين، اذ انه يسد الطريق امامهم، فلم يعودوا قادرين على سحب ليرة واحدة من مدخراتهم، ولا حتى قبض رواتبهم المحولة الى هذا المصرف. فزاد جمعية المصارف تصلباً في مواقفها والمضي في الاضراب الذي يسيء الى اللبنانيين جميعاً. لقد بات واضحاً ان المواطن هو دائماً الذي يدفع الثمن الباهظ. ويجري كل ذلك في غياب تام للمعالجات. ولا عجب في ذلك. فالبلاد بلا رئيس للجمهورية، ومجلس النواب معطل فلا ينتخب ولا يراقب ولا يحاسب ولا يشرع. وهو اليوم في وضع اشبه بالشغور. اما الحكومة، وهي حكومة تصريف اعمال ومستقيلة ايضاً وغير خاضعة لاي محاسبة. تهتم فقط في عقد جلسات لمجلس الوزراء لا تقدم ولا تؤخر، وتقف عاجزة عن حل قضية واحدة. لقد لزمت الصمت حيال اضراب جمعية المصارف وهي اليوم تقف متفرجة على الكباش الدائر بين الجمعية والقضاء. فهي يوم تشكلت وكانت كاملة الصلاحيات لم تنفذ انجازاً واحداً، لا اصلاحات تؤدي الى توقيع الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، ولا لجم لتفلت الدولار الذي وضع الليرة اللبنانية في ادنى قيمتها، ودفع المواطنين الى المزيد من الفقر والجوع والبطالة. فاشتعلت الاضرابات وشملت مختلف القطاعات فتعطلت الحركة واصيب العمل بالشلل الكلي. ولا غرابة في ذلك، اذ من غير المعقول ان تُسيّر شؤون بلد في غياب رئيس للجمهورية و«شغور» قاتل في مجلس النواب الذي اصبح تقاعسه اشبه بالشغور، وحكومة تصريف اعمال مستقيلة وغير قابلة او منتجة، وقضاء يعمل بالحد الادنى، وقد ادى التدخل السياسي في شؤونه الى خلافات ظهرت الى العلن ولم يتم ايجاد حل لها بعد.
باختصار ان البلد مشلول والمواطن متروك لقدره، والدولار يدمر حياته المعيشية، واصبح اقوى من اي مسؤول. فقد وقف الجميع عاجزين عن لجمه لا بل انه جرف اسعار السلع كلها معه، حتى اصبحت بعيدة المنال والمواطن غير قادر على ان يتماشى معها، بعد تدمير قوته الشرائية. لقد تم القاء القبض على بعض المتلاعبين باسعار الدولار والمضاربين، ولكنه بقي يحلق باعتبار ان الرؤوس المسيرة لهذه الفئة هم ابعد من ان تطاولهم القوانين. انه الانحلال والانهيار الشامل فمن اين يأتي الانقاذ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق