سياسة لبنانيةلبنانيات

الشغور الرئاسي يتمدد والاضرابات ترفع نسبة التعطيل وحده اتفاق النفط صفحة بيضاء في لوحة سوداء

يطل الاسبوع والوضع المتأزم على حاله. المجلس النيابي يصم اذنيه عن النداءات التي تدعوه لتطبيق الدستور وانتخاب رئيس للجمهورية، وحكومة تصريف الاعمال مشلولة الحركة بسبب الانقسامات بين اعضائها، فهم ينتمون الى جهات سياسية تكاد الا تتفق على امر، اللهم سوى على الدفاع عن مصالحها، هذا الانقسام ينعكس على الوزراء، فيشل حركتهم فضلاً عن ان الدستور لا يسمح سوى بالحد الادنى من العمل، ولكن سياسة النكايات السائدة هي الوحيدة الناشطة.
وكان ينقص اللبنانيين المغلوبين على امرهم، الازمة القضائية غير المسبوقة التي جاءت تقضي على ما تبقى من البلد، فتوحي بالانحلال والتفكك. فالسلطة القضائية هي العمود الفقري لاعادة بناء البلد، وبدونها لا امل باي حل من اي جهة اتى. سئل رئيس وزراء بريطانيا الاسبق ونستون تشرشل في زمن الحرب ان كانت بريطانيا في خطر. فسأل بدوره كيف هو وضع القضاء؟ فقيل له انه بخير فاجاب على الفور: اذاً بريطانيا بخير ولا خطر عليها. ولذلك لبنان ليس بخير. لا شأن لنا في تحديد من اصاب ومن اخطأ، فنحن لسنا خبراء قانون وعلى اصحاب الشأن، ان يسارعوا فوراً الى لملمة الوضع واعادة الامور الى نصابها، واعادة الثقة بالقضاء الى نفوس اللبنانيين. وكف اليد السياسية اياً كانت عن الجسم القضائي. ينادي البعض باقرار قانون استقلالية القضاء ان الاهم من هذا القانون، ان يكون القاضي هو نفسه مستقلاً، فيرفض ان يستجيب لهذا وذاك وان يحكم بما يوحيه اليه ضميره، وما ينص عليه القانون. وعندها لا يعود القضاء بحاجة الى اي قانون ليحدد استقلاليته.
والاخطر في الازمة القضائية التداعيات التي تركتها على الارض، اذ تسببت بانقسام شعبي بين هذا الطرف او ذاك، مما اضطر الجيش اللبناني للجوء الى تدابير استباقية، فاقفل كل مداخل عين الرمانة بالاسلاك الشائكة وانتشر على طول الطريق الفاصل بينها وبين الشياح، منعاً لاي مواجهة. فهل هذا ما تريده المنظومة السياسية؟
كل شيء معطل في البلد، في غياب اي مسؤولية قادرة على ضبط الامور. فالشغور يشل رئاسة الدولة، ومجلس الوزراء يده مكفوفه، والقضاء معطل، والمعالجات غائبة. انها الفوضى الكاملة. وحده الدولار المتفلت من كل الضوابط يتحرك بقوة وبسرعة صعوداً حتى تجاوز الاربعة والستين الف ليرة، وكل الدلائل تشير الى انه مستمر في تحليقه في غياب المعالجات. لقد حدث منذ ايام وضع مشابه في العراق فعمد المسؤولون على الفور الى اقالة حاكم البنك المركزي واتخاذ تدابير رادعة للتفلت، واستطاعوا ان يضبطوا الامور. ولكن اين هم المسؤولون في لبنان، وما هي امكاناتهم بعدما قضوا على كل شيء؟ هذا الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار، اشعل اسعار السلع في السوبرماركت والمحلات التجارية، بحيث ان البضاعة على الرفوف باتت للعرض والتفرج عليها دون التمكن من الحصول عليها. وبما ان الرقابة غائبة تماماً، اصبح الوضع على الشكل الاتي. يرتفع الدولار الف ليرة فترتفع اسعار السلع عشرة الاف ليرة، حتى اصبح لبنان في سلم الاولويات من حيث الغلاء. ويقابل ذلك حجز لاموال المودعين في المصارف التي خانت الامانة واستحقت السجن، فهبت المنظومة لحمايتها لانها شريكتها في سرقة اموال المودعين. يضاف الى معاناة المواطنين ارتفاع نسبة البطالة، وفقدان القدرة على البقاء ولولا اموال المغتربين الذين يمدون اهلهم الباقين في لبنان ببعض المدخرات، لكانت الامور اسوأ بكثير.
والخطير جداً في هذه الفوضى التي تشبه العصفورية، هو انعكاس ارتفاع الدولار على اسعار الادوية التي اصبحت خيالية وكم من مريض توقف عن تناول الدواء واستسلم للقدر، لانه لا يملك الثمن الباهظ والفاحش للدواء. والغريب ان الدواء المصنع محلياً اصبح سعره يفوق الدواء المستورد، فهل من يفسر للمواطنين السبب؟ قد تكون السياسات الخاطئة تريد ان تشجع الصناعات المحلية، ولكن هذا يجب ان يتم وفق خطة مدروسة لا على حساب المواطنين ومن جيوبهم الفارغة اصلاً.
هذه صورة عن الوضع الذي يبدأ به الاسبوع، وهي قاتمة وشديدة السواد، ولكنها مع الاسف تعكس الحقيقة. فالكوارث اللاحقة بالمواطن هي فوق التصور، والغياب الرسمي عن المعالجات يفاقم الوضع وكأن كل ما يجري لا يعني المسؤولين غير المسؤولين. هذا الشلل يترافق مع سلسلة اضرابات تزيد الوضع تحللاً وانهياراً. فالادارات العامة مددت اضرابها، والقطاع التربوي الرسمي معطل بالكامل، والسنة الدراسية على وشك الضياع، وكأن حياة جيل كامل لا تساوي شيئاً عند المنظومة المتربعة على الكراسي ولا هم لها سوى مصالحها.. حتى الجامعة اللبنانية التي تعاني من اهمال المسؤولين بدأ اساتذتها يتطلعون الى التعليم عن بعد، لان الانتقال الى الجامعة بات متعذراً بعدما وصل سعر صفيحة البنزين الى مليون ومئتي الف ليرة، وهو مستمر في التحليق.
باب امل وحيد يطل هذا الاسبوع وصول وزير الطاقة القطري الى بيروت والتوقيع على دخول قطر اتفاق التنقيب عن النفط في البلوك رقم 9 ورقم 4 الى جانب توتال وايني وقد شارك المسؤولون عنهما في التوقيع. فهل ينعكس ذلك ايجاباً على الوضع؟ الحذر يبقى ضرورياً في ظل هذه المنظومة. رغم ان تصاريح موقعي الاتفاق خلال اجتماع عقد في السراي وحضره رئيس حكومة تصريف الاعمال ووزير الطاقة تدعو الى التفاؤل اذ بدا ان هناك جدية في العمل، ونوايا بالاسراع. وكان لافتاً التهنئة التي وجهها اموس هوكشتين الذي عمل على ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل. متمنياً للبنان الازدهار الاقتصادي.
على امل ان تصبح كل الاخبار تفاؤلية ندعو الى التدخل البناء والعمل فوراً على انهاء ازمة القضاء لتستقيم الامور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق