سياسة لبنانيةلبنانيات

انفجرت بين عويدات والبيطار فاهتز القضاء كله وتهددت الحقيقة في انفجار المرفأ

الوضع المتأزم يتطلب المسارعة الى انتخاب رئيس وتدخل رجال القانون لوقف الانهيار

انفجرت امس ازمة كبيرة في القضاء، باتت تتطلب معالجات على اعلى المستويات، قبل ان تتفاقم وتطيح كل شيء. ولكن اين هي «أعلى المستويات»؟ فرئاسة الجمهورية يحكمها الشغور القاتل، ومجلس الوزراء معطل، وهو عقد جلساته تهريباً، لانها على حد قول الكثيرين هي غير دستورية ولا ميثاقية وتضرب الشراكة الوطنية. هذه الفوضى العارمة في مختلف القطاعات تطرح اسئلة عدة. ما هو مصير انتخاب رئيس جديد للجمهورية والشلل يحكم عمل مجلس النواب، والرئيس نبيه بري ممتنع عن الدعوة الى جلسة انتخاب، بحجة ان لا فائدة من عقدها طالما ان الانقسامات باقية، وكل الكتل النيابية على مواقفها المتصلبة؟ ما هو مصير التحقيق في جريمة انفجار المرفأ؟ هل تعطل واوقف عند هذا الحد؟ هل صحيح ان هناك قراراً بمنع الحقيقة ان تظهر؟ من اخطأ ومن اصاب؟ من هو المرجع الصالح لحل هذه القضية المعقدة؟ انها تساؤلات طرحت امس على كل شفة ولسان، بعدما اقدم مدعي عام التمييز غسان عويدات على كف يد المحقق العدلي طارق البيطار والادعاء عليه واحالته امام الهيئة العامة لمحكمة التمييز بتهمة اغتصاب السلطة فكان رد البيطار بأنه ماض في التحقيق بجريمة المرفأ حتى النهاية، وانه لن يمتثل لقرارات عويدات لانه متنح عن الملف، ولا يحق له التدخل. اما القرار الاهم الذي اتخذه عويدات فكان اطلاق سراح جميع الموقوفين في جريمة المرفأ على ذمة التحقيق.
الامر الذي اثار اهالي ضحايا الانفجار وحركهم نحو التصعيد. فقام عدد منهم ليلاً بالاعتصام امام منزل القاضي عويدات مطالبينه بالتراجع عن هذه القرارات، ودعم القاضي بيطار لاكمال مهمته. ويستعد الاهالي اليوم لبدء تحرك اعنف واوسع. خصوصاً وان اطلاق سراح هؤلاء مخالف للقانون كما يقول البيطار لان التحقيق في القضية جار ولم ينته بعد. من هو صاحب الحق في الخلاف الناشب داخل القضاء؟ هذا السؤال يجيب عليه اهل الاختصاص ورجال القانون المحايدون الذين عليهم التدخل فوراً، لوضع حد لهذه الازمة، التي من شأنها اذا استمرت، ان تنعكس على الوضع العام في البلد.
ان الجهة الوحيدة التي تصفق سروراً لهذه الازمة هي الطبقة السياسية التي لم تنفك يوماً تتدخل في القضاء وتحاول حرف مساره بما يخدم مصالحها على حساب الحقيقة. وهي منذ سنوات طويلة تساوف وتماطل وترفض اقرار قانون استقلالية القضاء الذي من شأنه لو اقر ان يرفع اليد السياسية المدمرة عن هذه السلطة التي تعتبر العمود الفقري للبلد، ليس في لبنان وحده بل في كل دول العالم. ان السياسة ما دخلت شيئاً الا وخربته فلترفع يدها نهائياً عن هذه السلطة.
ازاء ما يحصل ويهدد مستقبل البلاد باسرها، بات لزاماً على المجلس النيابي ان يتحرك وباقصى سرعة، وينتخب رئيساً للجمهورية يكون على مستوى الاحداث داخلياً وخارجياً، فيعيد تنظيم الوضع الداخلي المخرب، ويرمم علاقات لبنان مع الخارج التي دمرتها السياسات الخاطئة التي قادته في دروب لا تشبهه على مدى سنوات فاوقعته في عزلة شبه تامة وافقدته مركزه ودعم الدول العربية والصديقة. ولذلك هو يتخبط اليوم في بحر هذه الازمات دون ان يجد من يمد يد المساعدة له.
ان الشعب اللبناني انتخب هؤلاء النواب ليرعوا مصالحه ووضع ثقته بهم، فاذا بهم يسقطون في الامتحان، ويضربون بالامانة عرض الحائط، ويتركون الدولة بلا رأس تتخبط في ازماتها وتسير على غير هدى. وعلى رجال القانون الوطنيين الذين يضعون مصلحة البلد فوق كل اعتبار، ان يسارعوا الى التدخل لاصلاح ما خربته السياسة داخل القضاء. لتعود العدالة تخيم فوق رؤوس الجميع. لانها وحدها قادرة على وضع الامور في نصابها.
ضحايا انفجار المرفأ الاموات والاحياء يتطلعون اليكم اصحاب الكلمة الفصل، فلا تخيبوا امالهم ولتكن قراراتكم نابعة من صلب القانون وحده دون الالتفات الى هذا الطرف او ذاك، بل الى العدالة وحدها، لانها اساس الملك. هناك اناس لا يزالون يعانون صحياً من ذيول هذا الانفجار المدمر، واخرون لم يتمكنوا حتى الساعة من ترميم ما هدمه الانفجار، وقرار حق واحد يبلسم جراحهم ويعيد اليهم الامل فكونوا على قدر المسؤولية. بعد ظهر اليوم يعقد مجلس القضاء الاعلى جلسة طارئة لبحث الازمة، فهل يتمكن من اصلاح الامور واعادتها الى نصابها؟ ان العيون شاخصة اليه اليوم وهي تتطلع بثقة الى ما يمكن ان ينتج عنه، فعسى ان تكون النتيجة على قدر ما يتوقعه العقلاء في هذا البلد الذين لا ينشدون سوى الخير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق