سياسة لبنانيةلبنانيات

لا رئيس للجمهورية قريباً ولا حكومة فاعلة والانهيار بلغ الذروة مع الدولار الجمركي

عند الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم الخميس اول كانون الاول، يعرض فصل جديد من المسرحية الاسبوعية الفولكلورية فيجتمع النواب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. وبعد سلسلة مداخلات ونقاشات، تأخذ في بعض الاحيان طابع الاشتباك الكلامي، تهدأ الامور وتبدأ عملية الاقتراع. ويخال المواطن ان المجلس سيخرج في نهاية الجلسة برئيس جديد للجمهورية، البلد اليوم في امس الحاجة اليه لتنظيم المؤسسات المعطلة منذ اشهر، وربما منذ سنوات. الا ان هذا التفاؤل سرعان ما يتبدد. اذ ما ان تنتهي العملية الانتخابية ويبدأ عد الاوراق، حتى ينسحب فريق محدد من الجلسة ويفقد النصاب ويعلن رئيس المجلس تأجيل الجلسة الى الاسبوع المقبل.
هذا المسار الذي يتبعه المجلس النيابي اصبح استهزاء بالمواطنين فهم، بعد كل المعاناة التي يعيشونها، اصبحوا يتطلعون بكثير من الاهتمام الى انتخاب رئيس يعقبه تشكيل حكومة، وزراؤها بعيدون عن المنظومة، حتى يتمكنوا من ان ينتجوا ويخلصوا البلد من جهنم التي اسقطوه فيها. ولذلك تزداد النقمة يوماً بعد يوم على ممثلي الامة. لقد انتخبوهم ليرعوا مصالحهم، فاذا بهم يبتعدون عن الاهداف التي انتخبوا من اجلها. وتزداد النقمة اكثر عندما يتطلع المواطن فيرى ان الفراغ يسيطر على رئاسة الجمهورية، ويعطل الدور الاول في البلاد، وكذلك الوضع في مجلس الوزراء الذي ينسحب التعطيل عليه، لان الحكومة غير مكتملة الصلاحيات، وهي حكومة تصريف اعمال بالحد الادنى، فكيف يمكنها ان تمارس دورها كاملاً، وبالتالي فالمجلس النيابي هو المؤسسة الوحيدة الباقية تتمتع بكامل المواصفات وعليها تعلق الامال، ولكن يبدو انها ليست على مستوى المسؤولية الملقاة على كاهلها.
والجمود في مجلس النواب لا يقتصر على انتخاب رئيس، بل يشمل الدور الاساسي لهذا المجلس وهو التشريع. ولكن حتى هذا الواجب معطل في بعض وجوهه، وفقاً للمصلحة الخاصة لكل نائب. واكبر مثال على ذلك الكابيتال كونترول الذي يتنقل من الادراج الى الطاولات ثم يعود فينام. لقد عقدت اللجان النيابية امس جلسة جديدة لاستكمال البحث في هذا القانون الذي فقد اهميته ولم تعد له الفائدة المرجوة. وكان من الواجب ان يقر في اليوم الثاني لبدء الازمة، ولكنه نام في الادراج ثلاث سنوات. وقد عاد اليوم الى طاولة اللجان لا لفائدته، بل لانه مطلب لصندوق النقد الدولي. المهم ان اللجان امس بقيت تراوح مكانها وتخلل الجلسة حماوة لافتة وانتهت الى التأجيل كالعادة. فالنقاش يستمر من اسبوع الى اخر والنهاية لا تزال بعيدة. لماذا؟ لا جواب على هذا السؤال وان كان معلوماً. ان الامور ستبقى تسير من سيء الى اسوأ الى ان يتم انتخاب رئيس للجمهورية، شرط الا يكون رئيساً يمدد للازمة القائمة. فالسنوات الست الماضية كانت كافية لتدمير كل شيء، واصبح البلد بحاجة الى رئيس يتمتع بالكفاءة والقدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة، والا سنبقى نسير الى الوراء حتى نبلغ قعر الهاوية وعندها لا يعود ينفع الندم.
على الصعيد الاقتصادي، الوضع ليس افضل حالاً من السياسي. انه في حالة انهيار كامل وينعكس على حياة المواطنين ويحولها الى جحيم. فالمواطن يعيش اليوم في اسوأ ايام حياته، وفي معاناة لم يشهد مثلها اي شعب. فهو بلا مياه ولا كهرباء ولا دواء، ولا فرص عمل، ولا قدرة على الاستشفاء، والمسؤولية غائبة تماماً. فالحكومة التي يختلف وضعها الاقتصادي عن وضع المواطنين، غير قادرة على استيعاب ما يعاني منه الناس. فهي متوفرة لها وبسهولة كل متطلبات الحياة والرفاهية، فكيف تفكر بان هناك اناساً يعانون من الفقر والجوع. وانطلاقاً من هذا الواقع همّ هذه الحكومة الاول فرض سيل من الضرائب والرسوم لدعم الخزينة لتبقى مؤهلة لتلبية متطلباتها وصفقاتها. وهي بدل ان تبحث عن ابواب تؤمن لها المال اللازم لنفقاتها، تمد يدها الى جيوب المواطنين وقد افرغتها تماماً. ومع ذلك يبدأ اليوم تطبيق السعر الجديد للدولار الجمركي الذي قفز من 1500 ليرة الى 15 الف ليرة دفعة واحدة، فهبت الاسعار بشكل دراماتيكي. الحكومة تعد المواطنين بفرض رقابة على المؤسسات التجارية والمستوردين لمنع التلاعب بالاسعار، ولكن التجارب علمتنا الا نثق بهذه الوعود. ففي البلاد الاف المتاجر والسوبرماركت وغيرها، ومراقبو وزارة الاقتصاد لا يتجاوز عددهم اصابع االيد كما يقال، فكيف يمكنها ضبط الامور؟ انها فقط تطلق الوعود وهي تعلم انها غير قادرة على تطبيقها، فالمافيات المتلاعبة بالسوق اقوى بكثير من قدرة الحكومة، وبالتالي فان معاناة المواطنين ستزداد حتى تلقي بهم كلهم في اتون الفقر.
بعد كل هذا سارعوا الى انتخاب رئيس للجمهورية، وشكلوا حكومة قادرة تشعر مع الناس والا فعلى الدنيا السلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق