سياسة لبنانيةلبنانيات

غادر عون قصر بعبدا في احتفال نظمه التيار الوطني الحر وسط انقسامات سياسية وتصعيد

منتصف هذه الليلة يصبح الفراغ «صاحب الفخامة» فهل تطول اقامته في قصر بعبدا؟

عند منتصف هذه الليلة تطوى ست سنوات من عهد الرئيس ميشال عون، ويبدأ عهد جديد رئيسه الفراغ. فكما دخل عون الى قصر بعبدا وكان خالياً خاوياً على مدى سنتين ونصف السنة، بسبب التعطيل الذي مارسه بعض الاطراف وكانوا يقولون، اما الجنرال عون رئيساً واما فليستمر الفراغ. هذا الواقع ادى الى تسويات تدخلت فيها اطراف كثيرة بعضها خارجي فكان لهم ما ارادوا. وها هو يغادر قصر بعبدا تاركاً وراءه صاحب الفخامة الفراغ القاتل المدمر، على امل الا يدوم طويلاً، فالبلد بوضعه المزري المنهار لا يحتمل. وعلى النواب الاسراع في انتخاب رئيس جديد.
ظهر امس وقبل انتهاء ولايته باربع وعشرين ساعة غادر عون قصر بعبدا الى منزله الجديد في الرابية، في احتفال شعبي نظمه التيار الوطني الحر، وشارك فيه انصار التيار وحلفاؤه، في استعراض حاول التيار من خلاله ان يبدل الصورة السوداء التي يخلفها العهد وراءه وهي صورة من الصعب على الشعب المقهور ازالتها من مخيلته.
يترك الرئيس عون الحكم والاجواء السياسية ملبدة، تعصف فيها الخلافات والانقسامات، وقد ازكى نارها بنفسه فهاجم الرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه وبري، وحملهما مسؤولية عدم التوصل الى تشكيل حكومة جديدة، فردت حركة «امل» عبر النائب علي حسن خليل ومحطة ان بي ان التلفزيونية بلهجة قاسية وعنيفة. هذه الانقسامات سادت الاوساط الشعبية ايضاً، فانصار التيار الوطني الحر، الذين استفادوا من العهد، من خلال التوظيفات والتسهيلات التي قدمت لهم وغيرها، اعربوا عن اسفهم العميق لانتهاء العهد، وربما ليس تعلقاً به، بل من اجل مصالح خاصة وفائدة عميمة ولا نعلم النوايا. اما الفريق الاخر، الذي ذاق الامرين، على مدى سنوات العهد، وعرف الذل والفقر والجوع، ونهبت امواله في المصارف، وحرم من الدواء والاستشفاء، ووقف في طوابير مذلة امام محطات الوقود والافران والمصارف والصيدليات، واضطر للهجرة بحثاً عن حياة كريمة عله يجد فيها الاستقرار المادي والنفسي، هذا الفريق الذي يشكل اكثرية اللبنانيين الساحقة، هلل وفرح ورقص وهو يشاهد الرئيس عون يغادر قصر بعبدا، وقد سكن فيه طويلاً، وعلى مرحلتين، الاولى عندما تولى رئاسة الحكومة العسكرية ولم يخرج منه الا بقصف جوي سوري اضطر خلاله الى اللجوء والاحتماء في السفارة الفرنسية، ومنها انتقل الى باريس، حيث امضى حوالي الخمسة عشر عاماً، عاد بعدها بمصالحة غير معلنة مع قوى الوصاية، التي كانت تهيمن على البلد. واما المرحلة الثانية التي امضاها في قصر بعبدا فهي طوال عهده الرئاسي.
يغادر الرئيس عون قصر بعبدا والبلد في اخر درجات الانهيار. خلافات وانقسامات سياسية منعت التوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية، قضاء معطل بفعل اضراب قسري اعلنه القضاة، بسبب انهيار مدخولهم الذي لم يعد يؤمن لهم ولعيالهم حياة كريمة. صحيح ان القضاء سلطة وليس وظيفة، والسلطة لا تضرب، ولكن الوضع المزري اجبر القضاة على التوقف عن العمل، فتعطلت قضايا الناس وزاد في الطين بلة اضراب القطاع العام الذي شل البلد كلياً. اما الخدمات فغابت بالكامل. لا كهرباء على مدى 24 ساعة تحل محلها مولدات يبتز اصحابها المواطنين بفواتير خيالية تنضح بالطمع والجشع. المياه في بلد الينابيع، مقطوعة باستمرار ولا تصل الى المنازل، الطرقات خنادق ومصيدة للسيارات والمتنقلين فيها. باختصار لا خدمات في البلد وكل شيء معطل.
كيف ودع الرئيس عون قصر بعبدا؟
بتأخير بلغ اكثر من ساعة ودع الرئيس عون موظفي القصر الجمهوري، واطل على الجمهور، بعدما استعرض ثلة من الحرس الجمهوري، ثم توجه الى منصة اقيمت للمناسبة. والقى كلمة اكمل فيها هجومه على من سماها المنظومة الحاكمة، متجاهلاً انه كان على رأس هذه المنظومة لمدة ست سنوات، وقبلها كان في السلطة مشاركاً في الحكومات والمجالس النيابية منذ عودته من باريس في العام 2005. الا انه خص بالذكر حاكم مصرف لبنان، ورئيس مجلس القضاء الاعلى. كما حمل على القضاء بصورة عامة. واعلن انه وقع مرسوم استقالة الحكومة.
ويتطلب خطابه قراءة متأنية لتنفيذ ما جاء فيه والتعليق عليه. وفي الرابية استكملت مراسم الاحتفال فكأن المقصود بكل هذه الاحتفالية تغطية الصورة السوداء التي يتركها العهد وراءه، مستعيناً بترسيم الحدود البحرية الذي وقعه قبل ايام. مع ان الفضل الاول والاخير في هذا الاتفاق، ليس من صنع الداخل اللبناني، بل من صنع اميركي قاده الرئيس جو بايدن شخصياً، لتعويض اوروبا عن الغاز الروسي الذي توقف او لم يعد منتظماً، بسبب الحرب على اوكرانيا. فكان ان استفاد لبنان.
عهد جديد يبدأ عند منتصف هذا الليل يتوج بالفراغ، على امل الا يطول فينتخب رئيس جديد للبلاد يكون على المستوى المطلوب لانقاذ لبنان مما يتخبط فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق