سياسة لبنانيةلبنانيات

المحاصصة التي دمرت البلد تعرقل تشكيل حكومة وتمنع انتخاب رئيس للجمهورية

الصراع بين المصارف والمودعين مرشح للتصاعد وينذر بعواقب وخيمة

في وقت تسير البلاد بسرعة فائقة نحو الانهيار الكامل، وبدل ان يسارع المسؤولون الى التكاتف والتضامن لاستنباط الحلول والخروج من الازمات الكارثية التي تضرب الجميع فانهم يتلهون في خلافاتهم حول محاصصة مدمرة، كانت السبب المباشر في سقوط الدولة. انتهت الانتخابات النيابية في منتصف ايار الفائت. وكان ضرورياً بموجب الدستور ان يتم تشكيل حكومة جديدة ترعى شؤون الوطن والمواطنين، الا ان الخلافات التي عصفت داخل الاطراف السياسية عرقلت التشكيل ولا تزال، وهي مستمرة حتى تمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مع العلم ان المهلة الدستورية المحددة لانجاز هذا الاستحقاق، تكاد تنتهي. فالى اين يريدون اخذ البلد؟ لقد حرفوه عن مساره الطبيعي الذي عرف به، وابعدوه عن محيطه العربي والدولي، وعزلوه في بقعة غريبة عنه لا تشبهه مطلقاً، وهم يلهثون وراء مصالحهم ومكاسبهم ويسعون لابقاء سيطرتهم.
مع اقتراب نهاية المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية، تتكثف الاتصالات والاجتماعات واللقاءات بين اركان المعارضة. ذلك ان هذه الفئة ليست موحدة وهي مجموعة كتل تقول انها تؤمن بالمبادىء عينها، وهي تحاول ان تتضامن وتتوحد لاختيار رئيس، يتمتع بالصفات التي تخوله اخراج البلد من الهوة السحيقة. ولكن حتى الساعة لم تتوصل الى هذا الهدف رغم ان الرئيس بري سيحدد جلسة ثانية لانتخاب رئيس بعد ايام قليلة وربما الاسبوع المقبل. اما احزاب المنظومة فيحكمها رأس واحد، يأمر فتسير كلها طائعة. ولذلك فهي لا تقوم باي اتصالات، بانتظار ما سيسفر عن نشاطات المعارضة. الا ان الاجواء المرافقة لهذه التحركات لا تبشر بان يكون لنا رئيس قبل نهاية تشرين الاول الجاري، وان الفراغ في رئاسة الجمهورية يلوح في الافق رغم الضغوط الدولية التي تطالب يومياً بانتخاب رئيس. من هنا تلح بعض الجهات على تشكيل حكومة تتولى تسلم مسؤوليات رئاسة الجمهورية في الحد الادنى.
هذه الحكومة لا تزال ولادتها متعثرة بفعل الشروط المعطلة، لان تنفيذها مستحيل. فهي تتركز على تحقيق مكاسب شخصية، بعيدة عن مصلحة الوطن والمواطنين. ولذلك يستفيق اللبنانيون يومياً على هبة ساخنة واخرى باردة. الا انهم ليسوا مبالين بهذا الامر لانه يحكى عن تعويم الحكومة الحالية، التي فشلت حتى الساعة في تنفيذ اي انجاز لصالح الشعب او البلد. فلا اقرت قوانين الاصلاح التي يشترط صندوق النقد الدولي اقرارها ولا حققت اي وعد من وعودها للمواطنين. فلا البطاقة التمويلية سلكت طريقها، ولا الكهرباء التي هجرت المنازل نهائياً، ولا المياه ولا الادوية ولا الاستشفاء ولا التعليم. حتى الجامعة اللبنانية التي تخرج منها عباقرة، هي اليوم تلفظ انفاسها الاخيرة. نسمع عن اجتماعات يومية في السرايا وغيرها والنتيجة دون الصفر. ان وزراء فشلوا في تأمين ما هو مطلوب منهم فلماذا هم باقون على كراسيهم؟ ان الموظف الذي يفشل في اداء مهمته، يفصل من العمل ويسرح الى بيته. فلماذا لا يطبق هذا المبدأ على الوزراء؟ ان الحكومة بفعل مسؤولياتها مجبرة على تأمين الكهرباء للناس الذين لم يروا ومضة واحدة طوال اسابيع. فلماذا لا تذهب وتترك المجال لغيرها وهم القادرون على الانتاج؟
في هذا الوقت يشتد الصراع بين المصارف والمودعين الذين يسجلون اقتحامات يومية، يريدون اموالهم التي اودعوها امانات في هذه المصارف ليستخدموها في ايام الضيق والحاجة. ولما جاءوا يطالبون بها تبين انها نهبت وسرقت واصبحوا هم على الحضيض. افلا يحق لهم ان يتصرفوا بما يقومون به لاسترجاع حقهم؟ ثلاث سنوات على نكبتهم والحكومة عاجزة عن وضع خطة تعيد الاموال الى اصحابها، مع العلم انها هي التي انفقت هذه الاموال على فسادها وصفقاتها المشبوهة وعدم اهليتها لتسلم السلطة. ان كل ما فعلته هي انها تآمرت مع المصارف، فهي تدافع عنها وقد اتفق الطرفان على تحميل المودعين الخسائر فوق كل نكبتهم. ان ما يجري اليوم يؤكد ان اي مودع مهما قل شأن امواله، لن يتركها تضيع. وهو سيستخدم جميع الوسائل التي قد تتحول الى اعنف مما هي عليه اليوم لاسترجاع حقه. فلتأخذ الحكومة وشريكتها المصارف الحذر الشديد وليسارع المسؤولون المعنيون الى وضع خطة تحدد مهلة زمنية قصيرة لاعادة الاموال الى اصحابها، والا فان العواقب ستكون وخيمة واخطر مما يعتقدون. فلو تجولوا بين الناس وسمعوا ما يقولون لادركوا اننا لا نبالغ في تحذيرنا اياهم. ولا يعتقد احد ان بامكانه الهروب، لان المودعين سيلاحقونهم اينما كانوا. هل يستفيق المسؤولون ويتخلون عن محاصصاتهم ويعملون على الانقاذ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق