سياسة لبنانيةلبنانيات

النواب تباروا في شعبوية لافتة في انتقاد الموازنة ثم رفعوا اصابعهم تأييداً لها

تعويم الحكومة سواء تم او لم يتم لا يعني المواطنين بل المنظومة

مرة جديدة يثبت المجلس النيابي، انه ليس جديراً بالمحاسبة. فبعد هجوم شعبوي تبارى فيه النواب في انتقاد الموازنة وشرّحوا مضمونها رفعوا اصابعهم وصوتوا لها. 63 نائباً قالوا نعم لهذه الموازنة رغم انتقادهم الشديد لها. وستة نواب تخلوا عن وظيفتهم فامتنعوا عن التصويت، وهذا لا يقدم ولا يؤخر. وهناك 22 نائباً غابوا عن الجلسة متبعين اسلوب التعطيل، وهو الاخر تخل عن واجباتهم التي انتخبهم الشعب من اجلها وهي الوقوف بوجه السلطة التنفيذية ومحاسبتها ومنعها من ضرب المواطنين وتحميلهم فوق طاقتهم.
الموازنة التي اقرت امس ولم يبق من السنة سوى ثلاثة اشهر، وكان يجب اقرارها في مطلع السنة، اي قبل تسعة اشهر، مليئة بالمغالطات والرسوم والضرائب، تفرض على شعب انهكته المنظومة واوصلته الى الفقر والبؤس، دون ان تسأل نفسها يوماً من اين سيأتي الناس بالمال ليدفعوا كل هذه الضرائب. امام الحكومة لو كانت حقاً ترعى مصالح المواطنين، ابواب كثيرة تدر المال على الخزينة وتمكنها من الايفاء بالتزاماتها، ولكنها كما في كل مرة، تمد يدها الى جيوب الفقراء تفتش فيها عن اخر ليرة باقية فيها هذا ان وجدت. فلماذا مثلاً لم تلجأ الى تطبيق القانون على شاغلي الاملاك البحرية التي لو تمت المحاسبة لامنت اموالاً تكفي لتسديد الالتزامات التي تعهدت بها الحكومة. ولكنها لم تفعل، اذ كيف يمكن ان تحاسب من هم فوق الحساب، والمواطنون يعلمون من يسيطر على الاملاك البحرية؟ سنوات طويلة يعدون بالمحاسبة، وتمر الايام والوضع على حاله، لا بل ان المعتدين على الاملاك البحرية ماضون في مخالفاتهم وتمنعهم عن الدفع، رغم ان المفروض عليهم لا يساوي شيئاً لانه يحتسب على سعر 1500 ليرة للدولار وهم يقبضون بالعملة الاجنبية. وبذلك تخسر الخزينة اموالاً طائلة. وعدت الحكومة بالمحاسبة ولكنها لن تفعل لانها اعجز من ان تحاسب هذه الفئة.
الموازنة التي اقرت تضمنت 40 الف مليار نفقات و30 الفاً ايرادات، فمن اين ستسدد هذا العجز؟ بالطبع ستعمد الى طبع العملة لتتدهور الليرة اكثر فاكثر ويحلق الدولار الى ارقام تقضي على ما تبقى من الشعب اللبناني. لقد اقدمت على دفع ثلاثة معاشات لموظفي القطاع العام وهذا من حقهم، وخصوصاً القوى الامنية ولكن هل فكرت من اين تأتي بالمال لتسديد هذه المبالغ الطائلة التي ستترتب على قراراتها؟ لقد هربت من غضب الناس، فاعطتهم بيد لتأخذ منهم اضعافاً باليد الاخرى. الموظفون سيسرون مما حصلوا عليه ولكن لاسابيع فقط وعندما تتكشف الحقيقة المرة، سيثورون من جديد. هذه الحكومة لم تتعلم مما فعلته لدى اقرار سلسلة الرتب والرواتب، التي ساهمت الى حد بعيد في الوصول الى ما نحن عليه اليوم. ولا بد من سؤال الحكومة، هل تعلم ما هو عدد الموظفين في القطاع العام، وكم هو حجم معاشاتهم؟ فلماذا مثلاً لا تعمد الى تنقية الادارة العامة. فهناك خمسة الاف موظف حشروا في الادارات الرسمية لمصالح انتخابية، خلافاً للقانون، فلماذا هم باقون في اماكنهم، ولا نقول في وظائفهم لان لا عمل لهم سوى قبض الرواتب في اخر كل شهر. ولماذا لا تنهي خدمات اشخاص محسوبين على الخزينة وهم لا يعملون، حتى ان بعضهم لم يتوجه يوماً الى وظيفته؟ عندما تغيب المحاسبة يصبح كل شيء مباحاً. فلو ان المجلس النيابي يقوم بالدور الاساسي الموكل اليه ويحاسب الحكومة لاستقامت الامور، ولكن المجلس وعلى مدى عقود، تخلى عن هذه المهمة. وكل القوانين التي تصدر عنه، تكون على طريقة «صدق» الشهيرة.
هذه الحكومة وهي حكومة تصريف اعمال قد تتحول في الايام المقبلة الى حكومة كاملة الصلاحيات بعد وساطات، من غير الواضح بعد ان كانت اثمرت، طالما اننا لا نزال نسمع بمطالب وشروط تأتي من هذه الجهة او تلك. على كل حال هذا الموضوع لا يعني المواطنين، لا من قريب ولا من بعيد. فالحكومات في لبنان لم تكن يوماً للشعب، بل للمنظومة، تعمل على تأمين مصالحها وغالباً ما تكون على حساب مصلحة الناس. ان الاهتمام بتشكيل الحكومة اليوم الهدف منه حماية المنظومة من فوضى سياسية ودستورية، لانه كما بدا واضحاً، فان المنظومة لا تعمل على انتخاب رئيس جديد للجمهورية. فهي تريد ان تتسلم سلطات الرئاسة بواسطة هذه الحكومة التي فشلت في تحقيق انجاز واحد، وعجزت عن القيام باصلاحات، حتى ان اكثر من ستة اشهر مرت على وعد باصدار القوانين التي طلبها صندوق النقد الدولي، لتوقيع الاتفاق مع لبنان، وحتى الساعة لم يقر منها سوى الموازنة الكارثة التي اقرت امس. مع العلم انه سبق لها ان قدمت مشروع السرية المصرفية، فاقره مجلس النواب بعد تفريغه من مضمونه فرفضه الصندوق، واعاده رئيس الجمهورية الى المجلس. قدمت مشروع الكابيتال كونترول، وكان لا يزال منذ ثلاث سنوات تاريخ بدء الازمة نائماً في ادراج المجلس النيابي. ولما نفض الغبار عنه قبل اسابيع، اعاده المجلس الى الحكومة لترفقه بخطة التعافي التي ستكون فارغة كالعادة من اي مضمون، وتأتي على حساب المودعين، الذين تسعى الحكومة الى تحميلهم كل الخسائر التي سببتها الحكومات المتعاقبة وهي كلها كانت ممثلة للمنظومة.
الحديث عن سوء ادارة الازمة في لبنان يطول ولكن نكتفي بهذا القدر اليوم بانتظار ما سيستجد، وما سيصدر من ويلات عن الحكومة والمجلس النيابي الذي لا تزال الطريقة القديمة اياها تتحكم به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق