زحمة ملفات ملحة تبحث عن مسؤولين قادرين على ايجاد الحلول
انتخاب رئيس للجمهورية ينتظر دعوة النواب وبري منشغل بالموازنة
فوضى عارمة تجتاح مختلف القطاعات السياسية والقضائية والامنية والمعيشية والتربوية، وكل ما يتعلق بحياة الانسان، التي تحولت في لبنان الى جحيم حقيقي. وتوازياً مع هذه الفوضى، نطرح جملة ملفات تبحث عن مسؤولين قادرين على ايجاد حلول لها. ونبدأ مع ملف تشكيل الحكومة. فعلى الرغم من ان هذا الملف طواه المعنيون به، لتعذر الاتفاق على صيغة مقبولة تتولى تسيير شؤون البلد، فانه مطروح بالحاح تجنباً لجدل دستوري قد يحل قريباً، حول شرعية حكومة تصريف الاعمال، رغم ان رجال القانون يؤكدون ان لا وجود لنص قانوني يحرم هذه الحكومة من الشرعية. ومع ذلك فان التشكيل ضروري حفاظاً على الاستقرار.
اما ملف انتخابات رئيس جديد للجمهورية فيبدو هو الاخر مقفلاً حتى الساعة، رغم مرور اسبوعين على بدء المهلة الدستورية للانتخاب. والتأجيل مستمر بدليل ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وبدل توجيه الدعوة للنواب لانتخاب رئيس جديد وجه دعوة وبتأخير اكثر من تسعة اشهر عن موعد لمناقشة الموازنة العامة للعام 2022، ايام الاربعاء والخميس والجمعة. وهذا مؤشر على ان الاتصالات الدائرة بين الاطراف السياسية لم تتوصل حتى الساعة الى اتفاق حول الشخصية، التي يمكن ان تتولى الرئاسة الاولى، وقيادة البلاد لاخراجها من الازمة الساحقة التي تتخبط فيها. ففريق السلطة المعروف بفريق 8 اذار يسعى لابقاء هذه السلطة بيده، من خلال انتخاب رئيس من صفوفه، وهذا ما ترفضه المعارضة جملة وتفصيلاً، وهي تعتبر ان مجيء رئيس من 8 اذار يعني التمديد للازمة ست سنوات مقبلة. وتطرح السؤال هل ان لبنان قادر على تحمل ست سنوات اخرى في الوضع الذي وصل اليه؟
اما الفوضى القضائية فناشئة عن محاولة تعطيل التحقيق في جريمة انفجار المرفأ، حماية لبعض المتهمين. فتعرقل عمل المحقق العدلي طارق بيطار حوالي التسعة اشهر، وهو مستمر. وكانت اخر بدعة لضرب التحقيق الاقتراح الذي قدمه وزير العدل القاضي هنري خوري، رغم انه مخالف للقانون، باجماع المرجعيات القضائية على مختلف توجهاتها، ويقضي بتعيين رديف للقاضي بيطار، يتولى البت باطلاق سراح بعض الموقوفين وقد وافق مجلس القضاء الاعلى على هذا الاقتراح، رغم عدم قانونيته فاثار موجة استنكار ورفض عارمة، وحرك اهالي ضحايا المرفأ الذين وسعوا احتجاجاتهم، رفضاً لهذا الاقتراح. وهم مستمرون في تحركهم.
هذه الاوضاع المقلقة ترافقت مع اضطراب حبل الامن في عاصمة الشمال طرابلس، حيث وقعت جريمة نكراء ذهب ضحيتها اربعة قتلى. كما اشتعلت في مخيم عين الحلوة، وقد طاول اطلاق النار الكثيف عدداً من احياء مدينة صيدا. ويخشى ان تتوسع الاضطرابات الى اماكن اخرى. وكان لكل هذا الوضع المضطرب تداعيات على الحياة اليومية للمواطنين. فارتفع سعر صرف الدولار وتجاوز الخمسة والثلاثين الف ليرة وكل المؤشرات توحي بان هذا الارتفاع سيستمر، جارفاً معه كل اسعار السلع الحياتية والغذائية، التي فاقت بكثير قدرة المواطنين، واصبح الدخول الى المتاجر للاستطلاع فقط، دون التمكن من شراء الحاجيات، حتى الضرورية منها.
وموجة الغلاء هذه لا تقتصر على المتاجر، بل وتشمل ايضاً وسائل الاتصال، التي ادخلت عليها زيادات خيالية وتم ربطها بسعر صرف الدولار على المنصة، وبالتالي هي اخذة بالصعود تمشياً مع ارتفاع سعر العملة الخضراء. اما فواتير المولدات فقد فاقت كل التوقعات، وسط غياب تام للكهرباء، بعد انقطاع كل موارد الفيول التي كانت تغذي معملي ديرعمار والزهراني وليس هناك مسؤول قادر على تحديد الزمن الذي يعود فيه التيار الىي المنازل، ولو لساعتين يومياً.
وسط هذا الجو الملبد بالبؤس والقهر والفقر، تبدأ هذا الاسبوع السنة الدراسية الجديدة. ولكن كيف وباية شروط؟ فالمدارس الرسمية لن يكون التحصيل العلمي فيها افضل مما كان عليه العام الماضي. اضرابات وتعطيل واقفال واطفال في الشارع بعيداً عن المقاعد الدراسية. واما المدارس الخاصة فالوضع ليس افضل حالاً. فبعدما فرضت ادارات هذه المدارس قسطين على كل طالب واحداً بالدولار وقد وصل الى حد الالف دولار، واخر بالعملة الوطنية بعد مضاعفته عن العام السابق وبذلك تصبح كلفة السنة الدراسية مئات الملايين للطالب الواحد. هذا الوضع اللا انساني والذي رفضه البابا فرنسيس دفع الكثيرين من الاهل الى سحب اولادهم من المدارس الخاصة والحاقهم بالمدارس الرسمية، المقفلة اصلاً بالاضرابات. وهذا يعني ان الاطفال اصبحوا في الشارع. فهل هذا هو لبنان مدرسة وجامعة الشرق؟
ان الحل يبقى بان تفكر كل الكتل النيابية لبنانياً فتتفق على انتخاب شخصية لرئاسة الجمهورية تتمتع بالعزم والحسم، وقادرة على استرجاع الوطن، بعد ما جنح كثيراً خارج الاطر التي عرف بها، فيعود لبنان الى سابق عهده والى لعب الدور الذي مارسه على مر السنين، وكان اسمه عالياً بين الدول. فهل هذا كثير؟