سياسة لبنانيةلبنانيات

التشكيل الحكومي من تجميد الى تعثر والدولار الجمركي يحتل طليعة الاهتمامات

كوة صغيرة فتحت في جدار الازمات المتراكمة فوق رؤوس المواطنين، لم تؤشر كثيراً الى الامل المنشود بتشكيل حكومة جديدة، تنكب على معالجة الانهيار الذي يزداد يوماً بعد يوم. هذا التفاول الحذر جداً الذي ترافق مع الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي الى قصر بعبدا، بعد انقطاع دام حوالي الخمسين يوماً. سرعان ما تبدد، اذ عادت الامور الى سيرتها الاولى، وتوقف الحديث عن التشكيل.
اللبنانيون لم يتفاجأوا كثيراً، اذ اعتادوا، بناء على التجارب السابقة، ان يستغرق تشكيل الحكومات في لبنان اشهراً طويلة، بسبب الخلافات والمناكفات التي تبرز من هنا وهناك بعد تدخل الكتل النيابية المتعددة الاتجاهات والانتماءات. لقد قدم الرئيىس ميقاتي صيغة معدلة عن الحكومة الحالية، الا انها رفضت وانقطع الحديث عند هذا الحد. لان كثرة التدخلات والمطالب من بعض الاطراف افسدت الامور. واللافت كان ما صدر عن الوزير السابق سليم جريصاتي الذي قال ان رئىس الجمهورية بعد انتهاء ولايته لا يمكن ان يسلم فراغاً الى فراغ. وقد اختلفت التأويلات والتفسيرات لهذا الكلام، الذي كان مدار تعليقات سياسية، ذكّرت كلها بالنص الدستوري الذي يحتم على رئيس الجمهورية عند انتهاء ولايته مغادرة المقر الرئاسي. وشرح اخرون ان الحكومة الحالية هي حكومة تصريف اعمال، وفي حال تشكلت حكومة جديدة، فانها تصبح حكومة تصريف اعمال في اللحظة التي تنتهي فيها ولاية الرئيىس. اذاً في كل الحالات ان من يتسلم السلطة الرئاسية في حال فشل المجلس النيابي في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، في الفترة التي حددها الدستور، هي حكومة تصريف اعمال. لذلك لا مشكلة في تولي هذه الحكومة السلطة اذا اقتضى الامر.
نعود الى حكومة تصريف الاعمال الحالية التي ارتكبت خطأ جسيماً بمحاولة اقرار الدولار الجمركي، وتحديد سعره على 20 الف ليرة ارتفاعاً من 1500 ليرة في عشوائية مدمرة تقضي في حال اعتمادها على ما تبقى من حياة اللبنانيين، لانها تساهم في رفع اسعار مختلف السلع الكمالية والعادية ما بين 10 و25 بالمئة كما يؤكد الخبراء. واللبنانيون في وضع لا يستطيعون تحمل ليرة واحدة اضافية، بعدما امطرتهم الحكومة بسيل من الرسوم والضرائب الباهظة، في عشوائية لافتة وبلا اي تخطيط، دون دراسة تقويمية لتداعيات هذه الزيادات والرسوم. وفور تسريب خبر العشرين الف ليرة للدولار الجمركي حتى اشتعل سعر الدولار في السوق السوداء، وبلغ اكثر من 35 الف ليرة جارفاً معه كل الاسعار. فعلت الصرخات من كل حدب وصوب. وخوفاً من ردود الفعل الشعبية الغاضبة، لم يجرؤ احد على تبني سعر الدولار الجمركي، والقى رئيس الحكومة كرة النار الى وزير المالية الذي تهيب الموقف ورفض ان يوقعه الا اذا صدر عن مجلس الوزراء مجتمعاً. وهكذا تعثر القرار وبقيت تداعياته تلهب السوق.
الخبراء دخلوا على الخط وشرحوا ان تحديد سعر الدولار الجمركي يتم بقانون تشريعي يصدر عن مجلس النواب، وليس من اختصاص الحكومة ولا يحق لها التعاطي به. وبالتالي فان كل ما تسرب وقيل حول هذا الموضوع لا يمت الى الواقع بصلة. الا ان المتاجرين بكل ما يتعلق بحياة الناس، سارعوا منذ اللحظة الاولى الى رفع اسعار السلع، جميع السلع، وسط غياب كامل للرقابة، ولوزارة الاقتصاد بالتحديد، التي كان وزيرها قد هدد وتوعد بملاحقة كل من يتلاعب بالاسعار، الا ان تهديدات الوزراء ووعودهم لم تعد تعني احداً من المواطنين لانها لا تنفذ اما عن تواطؤ واما عن عجز. وفي النهاية وكما في كل مرة فان الشعب هو الذي يدفع الثمن.
بعد كل هذه الضجة، تراجع الحديث عن الدولار الجمركي الا ان الاسعار بقيت على ارتفاعها، كما تابع دولار السوق تحليقه متجاوزاً بكثير قيمته الحقيقية، الا ان تلاعب المافيات تأميناً لمصالحها وبهدف جني الارباح على حساب الناس تعمل على رفع السعر الذي لن يلبث ان يتراجع بعد تحقيق الغاية من رفعه.
كذلك تراجع الحديث عن تشكيل الحكومة، وعاد الاهتمام يتركز على انتخابات رئاسة الجمهورية، ومواصفات الرئيس الذي يمكن ان يتولى ادارة البلاد في هذه المرحلة. وكلما اقتربنا من اول ايلول ارتفعت حماوة النشاطات المتعلقة بهذا الاستحقاق. والمهم ان يلتف الجميع حول مصلحة البلد، بعيداً عن المصالح الشخصية، ليكون العهد الجديد منطلقاً لاعادة انهاض لبنان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق