ركود سياسي على بعد ايام من بدء فترة انتخاب رئيس للجمهورية فهل يقود الى الفراغ؟
بعد فترة ركود فرضتها ذكرى 4 اب بانفجار مرفأ بيروت، مروراً بذكرى عاشوراء وصولاً الى عيد انتقال السيدة العذراء، من المتوقع ان يستأنف النشاط السياسي والاداري في البلاد. ولكن عن اي نشاط نتكلم؟ فعلى الرغم من اننا اصبحنا على بعد ايام معدودة من بدء فترة انتخاب رئيىس جديد للجمهورية، لا تزال الحركة باردة باستثناء تحرك بعض نواب التغيير والمستقلين في محاولة لتوحيد الموقف والاتفاق على اسم مرشح للرئاسة الاولى، وحتى الساعة لم يتم التوصل الى نتيجة ظاهرة وكذلك تحرك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط باتجاه حزب الله. فعقد اجتماع في كليمنصو مقر جنبلاط حضره مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا ومستشار الامين العام للحزب حسين خليل، تناول بعض القضايا المطروحة، ووصف اللقاء بانه كان ايجابياً، وتم الاتفاق على مواصلة الحوار. وفي اليوم التالي ارسل جنبلاط نجله تيمور الى الديمان يرافقه وائل ابو فاعور واكرم شهيب واطلعوا البطريرك الراعي على نتائج لقاء كليمنصو. كما ارسل جنبلاط الوزير السابق غازي العريضي الى عين التينة للغاية عينها واطلاع الرئيىس بري على ما جرى. فهل تأخذ معركة الرئاسة الاولى طابع العجلة، وتنشط الاتصالات في الايام المتبقية لبدء فترة الانتخاب، ام ان الامور ستستمر في التباطؤ، مما يوحي بالرغبة في الوصول الى الفراغ؟
تباطؤ الحركة السياسية يقابله جمود في التحرك الاداري، بسبب اضراب القطاع العام، والذي بدأ يتعرض لانتقادات قاسية، لانه يكشف عن رغبة في التعطيل وعرقلة قضايا الناس. فالدولة اعطت هذا القطاع اكثر ما تستطيع، ولكن فئة من المضربين لا تزال تطالب بالمزيد، رغم علمها بان الدولة عاجزة عن تلبية كل المطالب. وهذه الفئة تعلم ماذا فعل الاصرار على سلسلة الرتب والرواتب التي اوصلت الاقتصاد الى الانهيار. فهل هذا هو المقصود من هذا التصلب في المواقف؟ ثم ما ذنب الشعب ليدفع دائماً الثمن، فتتعطل مصالحه؟
حكومة تصريف الاعمال ولجنة المال النيابية منشغلتان هذا الاسبوع بالدولار الجمركي. وحول هذا الموضوع كان لنائب رئيس الحكومة سعاده الشامي موقف لافت. قال: «ان الطروحات الحالية التي تنادي برفع سعر الدولار المطبق على الجمارك بالتدرج سيحرم الموازنة من الحصول على الايرادات، التي هي بامس الحاجة اليها لتحسين ظروف العاملين في القطاع العام، ولزيادة الانفاقات على القطاعات الاجتماعية والبنى التحتية، والتي ستعود بالنفع على اللبنانيين. ان رفع الدولار الجمركي بالتدرج سيزيد من الاستيراد والتخزين، وذلك بانتظار رفع السعر من جديد، وسيكون ذلك لمصلحة المستورد، وعلى حساب الخزينة ومعظم اللبنانيين» وخلص الى القول ان رفع سعر الدولار الجمركي يجب ان يتساوى مع سعر السوق، او اقله مع سعر الصيرفة، مما يخفف الطلب على الكماليات والسلع والمواد الفاخرة، وبالتالي على الطلب على الدولار، مع ما لذلك من تداعيات ايجابية على سعر الصرف وما يتركه ذلك من اثر اجتماعي ايجابي. وقال ايضاً ان الوقت حان لاقرار الكابيتال كونترول الذي اشبع درساً على فترة طويلة.
يستدل من هذا التصريح ان الحكومة لا تزال تتبع الطريقة عينها، اي مد اليد الى جيوب الناس لتعطيهم ما يطلبون من مالهم. فان رفع سعر الدولار الجمركي سيدفع ثمنه المواطن، فاين المشاريع الانتاجية التي تدخل المال الى خزينة الدولة بعيداً عن الجيوب الفارغة للمواطنين؟
الملف الاخر الملح هو اعادة النازحين السوريين الى بلادهم، بعدما اصبحوا عبئاً اكبر من ان تستطيع الدولة اللبنانية تحمله، لا على الصعيد الاقتصادي ولا على الصعيد الامني، الذي يسجل ارتفاعاً كبيراً في الجرائم بسبب التجاوزات التي يقوم بها النازحون، والتي تفاقمت وازدادت خطورة، وفق التقارير الامنية. ولهذه الغاية سافر وزير المهجرين الى دمشق وعقد اجتماعين الاول مع الوزير السوري المولج قضية النازحين، والثاني مع وزير الداخلية. وقد وضع لبنان مشروعاً تنظيمياً للعودة، يشمل كل شهر عودة خمسة عشر الف نازح. مع العلم ان عدداً كبيراً من النازحين يذهبون الى سوريا ويعودون في نهاية كل شهر لقبض المساعدات التي تدفعها المنظمات الدولية التي تعارض عودة النازحين، لا حفاظاً عليهم كما تدعي، بل خوفاً من ان يغادروا لبنان، ليتوجهوا الى الدول الغربية. هذه المنظمات تريد اغراق لبنان حفاظاً على مصالح دولها.
ويبقى ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل. وهذا الملف ينتظر عودة الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين، حاملاً الرد الاسرائيلي على المقترحات اللبنانية، ليبنى على الشيء مقتضاه. وهكذا الملفات تتزاحم على طاولة المسؤولين، باستثناء ملف تشكيل حكومة جديدة، وقد طوى نهائياً، ولم يعد وارداً في حساب احد.. وكذلك ملف انتخاب رئيس جديد للجمهورية الذي لا يلقى الاهتمام الكافي حتى الساعة مما يوحي بنتائج سيئة. اما الشعب صاحب الكلمة الفصل فلا يزال غارقاً في نوم عميق، عجزت كل المظالم التي تلحق به على ايدي المنظومة، من تحريكه وايقاظه. وهذا ما يطمئن المسؤولين ويدفعهم الى الاسترسال في مراعاة مصالحهم بعيداً عن مصالح المواطنين. فهل من اخر لهذا الليل الطويل الشديد السواد؟