تقريررياضةرياضة لبنانية

كأس آسيا: منتخب الأرز… نموذج الوطن الذي يريده اللبنانيون

في وسط الظلمة التامة التي تغرق فيها البلاد، وجد اللبنانيون ضوءاً صغيراً يلمع من بعيد، بمنتخب كرة سلة كان على أعتاب تحقيق إنجاز قاري تاريخي، رأوا فيه صورة الوطن الذي يحلمون به وينتشلهم من واقع مرير أثقل كاهلهم.
يعيش لبنان منذ أكثر من عامين أسوأ أزمة اقتصادية ومعيشية عرفها منذ عقود طويلة، عمّقها انفجار المرفأ المروّع الذي هزّ بيروت في آب (أغسطس) 2020 وتسبّب بمقتل أكثر من مئتي شخص وإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح، ملحقاً دماراً واسعاً بعدد من أحياء العاصمة.
وقع ذلك الإنفجار فيما كانت البلاد تحاول لفظ أنفاسها من انهيار مصرفي دهور سعر العملة المحليّة في عزّ تفشي جائحة كورونا.
وعند اندلاع احتجاجات شعبية في تشرين الأول (أكتوبر) 2019 بدأت بعدما ضاق المواطنون ذرعاً من الطبقة السياسية الحاكمة، انعكس ذلك على كل مفاصل الحياة في البلاد.
ومنها دوري كرة السلة المحلي الذي ألغي موسمه لاحقاً بشكل رسمي، ما دفع بعض اللاعبين إلى الاعتزال ومن بينهم لاعب المنتخب الحالي إيلي شمعون الذي أعلن ابتعاده عن كرة السلة للعمل في المملكة العربية السعودية قبل أن يعود لاحقاً عن قراره.

«من اللاشيء»

أزمة طاولت الجميع. لا كهرباء ولا ماء ولا دواء ولا وقود إلا في طوابير شلّت حركة البلاد على مدى أشهر وعززت الاحتكار في السوق السوداء بأسعار كانت في متناول قلّة قليلة.
لكن «في وقت نسأل فيه عن الكهرباء والمياه والوقود، نرى فريقاً برز من اللاشيء ووصل إلى ما وصل إليه»، بحسب ما يقول طوني (65 عاماً) الذي كان حاضراً مع كثيرين في مقهى شرق العاصمة بيروت، لمتابعة نهائي كأس آسيا الذي خسره لبنان أمام أستراليا بنتيجة 75-73.
يعتبر هذا المتقاعد أن ما قدّمه «رجال الأرز» هو «إنجاز وطني كبير للبنان كله. هذا مصدر عزّ لنا».
كان المقهى ممتلئاً بشبان وشابات من أعمار مختلفة، بعضهم يرتدي زيّ المنتخب اللبناني، وترتسم ابتسامات غابت طويلاً عن وجوههم.
كان الجميع موحداّ على فكرة شكر المنتخب الذي بات متنفساً لهم، على غرار نصري معلوف (26 عاماً) وهو مدرّب كرة سلة صاعد، أشرف على لاعبين عدة في المنتخب من بينهم نجمه وائل عرقجي وسيرجيو درويش.
يقول معلوف إن وصول المنتخب إلى نهائي كأس آسيا للمرة الأولى منذ 15 عاماً يعدّ «فخراً كبيراً للبنان. كنت متفائلاً منذ اليوم الأول».
وأضاف أن «هؤلاء أفنوا حياتهم للوصول إلى هذه المرحلة.. وقريباً إلى كأس العالم»، ذلك لأن لبنان بات قاب قوسين من التأهل إلى المونديال السلوي المقرر عام 2023، بعدما خطف صدارة المجموعة الثالثة في التصفيات الآسيوية بفوزه على الأردن 89-70 في الأول من تموز (يوليو) الحالي في بيروت، لكن لا يزال تأهله غير رسمي حيث يخوض بدءاً من شهر آب (أغسطس) المقبل غمار الدور الثاني بمواجهة الفليبين والهند.

«تحرر من العصابة»

تلك الإنجازات المتتالية، جعلت من لاعبي المنتخب «أساطير» فرح في وجه الطبقة السياسية.
ومن هؤلاء اللاعبين، صانع لعب المنتخب عرقجي الذي اختير أفضل لاعب في آسيا، وكان محطّ أنظار لردّه الأسبوع الحالي على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عقب تهنئته اللاعبين بالفوز على الصين في ربع النهائي.
وقال عرقجي في تعليق بالإنكليزية على فايسبوك «أخبروه (ميقاتي) أننا لا نريد منه التهنئة ونحن نحاول إصلاح ما أفسده مع رفاقه السياسيين».
استدعى ذلك رداً من دون تسمية من رئيس الوزراء بعد فوز لبنان على الأردن في نصف النهائي، إذ ألمح ميقاتي إلى أن صوت عرقجي ليس إلا «نشازاً».
وفيما يبدو أن تعليق رئيس الحكومة اللبنانية أظهر الشرخ الكبير بين السلطة والشارع الذي يقف خلف رياضييه، يرى كثيرون أن الرياضة هي أول الغيث في إيجاد نموذج تغييري.
يقول الأستاذ بمعهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت وسام اللحام «أنا لا أتابع الرياضة ولا تهمني لا من قريب ولا من بعيد، لكن قائد المنتخب اللبناني وائل عرقجي شخص شجاع وجميل بكل ما تعنيه هذه الكلمات».
وأضاف «كلا، فوز لبنان ليس بارقة أمل، كلا، لن يغيّر أي شيء من سيطرة العصابة على الدولة، الفوز مجرد تذكير أن قيمة كل مؤسسة تكمن في القيمين عليها. كما أن فريق كرة السلة كان ناجحاً، كذلك مؤسسات الدولة يمكن أن تكون ناجحة عندما تتحرر من العصابة».

ا ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق