سياسة لبنانيةلبنانيات

الدولار طار… والاسعار حلقت واللبنانيون سقطوا بالضربة القاضية

ماذا فعل التغييريون لماذا لم يحركوا الشارع لمواجهة هذه المافيا المدمرة؟

كادت سياسة المنظومة الفاشلة ان تسقط لبنان بالضربة القاضية، فاوصلت الانهيار الى مستوى بات يتطلب حكومة استثنائية، باسرع وقت وفوراً اذا امكن، لان الوضع لم يعد يحتمل التأجيل ولو ساعة واحدة. فقد حلق سعر صرف الدولار وبلغ حدود الاربعين الف ليرة، وهو مستوى لم يسبق ان وصل اليه قبلاً، فجرف معه اسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية وانعكس بصورة دراماتيكية على اسعار المحروقات والادوية والرغيف، وكل ما يتعلق بضرورات الحياة، فكأن المافيا المتلاعبة باسعار العملات الاجنبية والمحتكرين والجشعين من التجار، يشنون حرب ابادة على الشعب اللبناني، ولما وصلت الامور الى مرحلة الخطر الشديد، وتجاوزت كل الخطوط الحمر، تدخل مصرف لبنان واصدر بياناً دعا فيه جميع الافراد والمؤسسات الذين يملكون العملة اللبنانية التقدم من البنوك وتصريفها الى دولارات بسعر المنصة، مؤكداً ان الجواب على الطلب لا يتعدى 24 ساعة. وطلب من المصارف ان تفتح ابوابها وفروعها على مدى ثلاثة ايام، حتى السادسة مساء ليتمكن المواطنون من تقديم طلباتهم.
ماذا فعلت الحكومة لمواجهة هذا الوضع الخطير؟ لقد وقفت متفرجة، اما عن عجز واما عن لا مبالاة، ولم يتخذ اي تدبير يلجم هذا الفلتان، بل اكتفت باصدار تسعيرة للطاقة وصلت الى حدود مخيفة، وكذلك زيادة سعر ربطة الخبز. فكأن دور وزارتي الطاقة والاقتصاد يقتصر على تلبية طلبات اصحاب المحطات والافران. فكلما تحرك الدولار يجب ان يوازيه تحرك في اسعار المحروقات والخبز، حتى بات رب العائلة اعجز من ان يستطيع تأمين الرغيف لعياله… وبالسرعة القياسية عينها التي ارتفع فيها سعر الدولار، ارتفعت معه اسعار المواد الغذائية والاستهلاكية في السوبرماركت ولم يعد يظهر امام الرفوف سوى عاملات تبديل الاسعار التي فاقت بكثير جنون الدولار.
بعد ساعات قليلة من بيان مصرف لبنان، انخفض سعر الدولار اكثر من ثمانية الاف ليرة واستمر في الانخفاض حتى وصل الى حدود 27 الف ليرة اي انه خسر اكثر من عشرة الاف ليرة. ولكن هل حلت الازمة؟ بالطبع لا. اولاً لان الحل الجذري لا يكون عبر مصرف لبنان، بل انه يأتي عبر السياسة والاقتصاد، وفي ما عدا ذلك، فان ما يتخذ من قرارات هو حلول موقتة لن يلبث المتلاعبون باسعار العملات والمافيات ان يعيدوا تحريكه صعوداً، وفقاً لمصالحهم وحاجاتهم.
امام هذا التدهور الخطير وقع رئيس الجمهورية مرسوم تأليف المجلس الوطني لسياسة الاسعار، برئاسة وزير الاقتصاد وممثلين عن ادارات متعددة تابعة لعدد من الوزارات، بهدف ضبط الاسعار ومنع الفلتان، وقد لاقى المجلس، الذي صدر مرسوم انشائه في العام 1974، وبقي حبراً على ورق، الترحيب من عدد من الخبراء، والانتقاد من جهات اخرى. وكان من المتوقع ان ينعقد المجلس فوراً لتطويق الطمع والجشع ومنع الاسعار من تجاوز حدودها، الا ان وزير الاقتصاد لا يبدو انه مستعجل وارجأ الدعوة للاجتماع الى الاسبوع الحالي، ولكنه استعجل، وقبل ان ينخفض سعر الدولار، فسارع الى رفع سعر ربطة الخبز الى 15 الف ليرة. انخفض سعر الورقة الخضراء، وبقيت الاسعار التي رافقت ارتفاعه على حالها، ولم تنخفض ليرة واحدة. وهذه السياسة اعتاد عليها التجار والسوبرماركت، فهل يتمكن مجلس سياسة الاسعار من ضبط الامور واعادتها الى ما كانت عليه؟
والسؤال المطروح كيف تصرف النواب التغييريون الجدد حيال هذا الوضع؟ في الماضي فرضت زيادة على الواتساب لا تتعدى السنتات، فاشتعلت ثورة 17 تشرين. واليوم تفرض زيادات بمئات الاف الليرات على كل وسائل الاتصالات، وعلى المواد الغذائية والسلع المعيشية والرغيف وغيرها. وكان الناس ينتظرون من نواب التغيير ان يغادروا المجلس الى الشارع، ويسيروا على رأس تظاهرات صاخبة تقول لا لهذه المنظومة، الا انهم تصرفوا وكأن الامر لا يعنيهم وتناسوا ما وعدوا به، وما كان السبب في انتخابهم، لقد انشغلوا بتعداد المعارضين والموالين، تماماً كما تفعل المنظومة. هل جذبتهم الكرسي فتخلوا عن هدفهم الذي جاءوا من اجله؟ وهل هذا ما كانوا يعدون ناخبيهم به. قد يقول البعض يجب اعطاؤهم الفرصة، والجواب ان المكتوب يقرأ من عنوانه، ولو كانوا متمسكين باهدافهم المعلنة لكانوا اليوم في الشارع لا داخل البرلمان. فالنضال من الخارج اقوى وافعل من مماحكات الداخل التي تنتهي عند عتبة الخروج من المجلس، دون ان تترك اي اثر.
غداً يلتئم مجلس النواب الجديد وينتخب الرئيس بري رئيساً له للمرة السابعة على التوالي، ولكن باي عدد اصوات، غير مهم. فالاهم انه باق على رأس السلطة التشريعية. وستعطي هذه الانتخابات صورة واضحة عن الاصطفافات الجديدة وعن الاتفاقات التي جرت من تحت الطاولة. وستفضح المتلاعبين. وستظهر ما يتمتع به كل طرف داخل القبة البرلمانية، والانظار كلها متجهة الى التغييرين والسياديين وكل معارضي المنظومة. فان عرفوا كيف يتفقون ويوحدون مواقفهم من القضايا الاساسية والمصيرية، يعيدون الامل الى الشعب الذي انتخبهم، وان بقوا مشرذمين، وكل بضعة نواب في كتلة تعمل بعيداً عن الاخرين، يضيع كل امل بالتغيير، ويبقى على اللبنانيين ان ينتظروا اربع سنوات جديدة ليجربوا حظهم في قبع هذه المنظومة.
العالم كله يراقب من الامم المتحدة، الى الولايات المتحدة، الى الاتحاد الاوروبي، الى الدول العربية، وهم يدعون الى التغيير والى تشكيل حكومة سريعاً، واجراء الاصلاحات لتوقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. فهل يتجاوب المسؤولون والمنظومة كلها مع هذه الدعوات، ام يديرون الاذان الصماء كما اعتادوا ان يفعلوا؟ الايام القليلة المقبلة تحمل الجواب، مع عودة النواب الى ساحة النجمة بعدما ازيلت الحواجز والمطبات من حول المجلس النيابي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق