أبرز الأخبارتقريرصحة

للحصول على شهادة التطعيم والتملص من اللقاح… فرنسيون يتعمدون التقاط عدوى فيروس كورونا

يصر عدد من الفرنسيين على المضي قدماً في رفضهم تلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا رغم تشديد السلطات للقيود. وبعد أن كانت هذه الشريحة من السكان تكتفي بالرفض والاحتجاج أو إجراء الاختبارات التي لم تعد تصلح سوى في حالات استثنائية، باتت اليوم تفضل الإصابة بالوباء بشكل مقصود للحصول على شهادة التطعيم وتجنب تلقي اللقاح، غير آبهة بالمخاطر الصحية التي تترتب عن ذلك، فيما حذر وزير الصحة أوليفييه فيران من مغبتها واستنكرتها وزارته.
دخلت المواجهة بين السلطات الفرنسية والأشخاص الرافضين لتلقي اللقاح المضاد لفيروس وكورونا والمعارضين للشهادة الصحية التي تحولت لشهادة التطعيم بموجب قانون تم التصويت عليه مؤخراً، مرحلة جديدة من الصراع لا تبشر بحلحلة قريبة للأزمة.
فبعد أن كان هؤلاء يعارضون اللقاح، باتوا اليوم يفضلون الإصابة بعدوى الوباء بشكل مقصود للحصول على شهادة التطعيم والإفلات من اللقاح. وانضمت إليهم فئة أخرى هم الأشخاص الذين سبق أن تلقوا جرعتين ويرفضون تلقي الجرعة الثالثة المعززة من اللقاح.
وتمضي السلطات الفرنسية في استراتيجيتها الصارمة والتي تقضي بتشديد القيود والضغوط لتسريع وتكثيف وتيرة التطعيم ضد الوباء للأشخاص غير الملقحين، وأولئك الذين لم يتلقوا بعد الجرعة الثالثة.
فبعد بدء العمل بـ «الشهادة الصحية» منذ 21 تموز (يوليو) 2021، وكان بموجبها محظوراً على الأشخاص غير الملحقين أو الذين لا يثبتون تعافيهم من الفيروس أو يبرزون فحصاً سلبياً، دخول العديد من المرافق العامة، دخلت «شهادة التطعيم» حيز التنفيذ لتعوض «الشهادة الصحية» الإثنين، بعد أن أقرها البرلمان بغرفتيه، مجلس الشيوخ في 13 كانون الثاني (يناير)، والجمعية الوطنية في 16 منه، وأيضاً المجلس الدستوري في 21 من الشهر الجاري، بعد إدخاله تعديلات طفيفة وسط ضغط كبير من المعارضة.
وبموجب الإجراء الجديد، بات دخول المرافق العامة باستثناء التجمعات السياسية والمراكز الصحية مثل المستشفيات، محظوراً تماماً على الأشخاص غير الملحقين بشكل كامل، عدا حالات استثنائية محددة منها الأشخاص الذين أصيبوا بالعدوى ولديهم شهادة شفاء من الوباء.

مغامرة غير مأمونة العواقب

ومع تشديد الإجراءات الصحية، وظهور هذه الشريحة من الأشخاص الساعين عمدا إلى التقاط العدوى أملاً في الحصول على «مناعة طبيعية» على حد قول البعض، ومن جهة أخرى الحصول على «شهادة التطعيم» بالنسبة الى غيرهم، حذر أطباء من مغبة الإقدام على الإصابة بالوباء بشكل مقصود.
وفي هذا السياق، قالت مارينا كاريار دانكوس المذيعة والطبيبة الفرنسية إن «المناعة التي يمنحنا إياها اللقاح تنخفض مع مرور الوقت، ولهذا السبب تم وضع جرعات معززة. لكننا في المقابل، لا نعلم الكثير عن المناعة الطبيعية التي يكتسبها الجسم بعد الإصابة بالفيروس»، مضيفة: «عندما نقول إن سلالة أوميكرون تبدو أقل خطورة من سابقاتها، هذا لا يعني أنها غير مميتة. هناك مغنية تشيكية أصيبت بالعدوى عمداً وتوفيت بالأوميكرون».
وقالت فتاة فرنسية غير ملقحة ضمن ريبورتاج أعدته قناة فرانس-إنفو: «أصبت بالكوفيد عمدا لأن أهلي يرفضون اللقاح. عانيت من أعراض الفيروس مدة أسبوع ونصف، لكنني في غاية السعادة لأنني حصلت على شهادة التطعيم».
وأضافت الشابة التي تدرس بالثانوية وتبلغ 17 عاماً: «صديق لنا كان لديه أعراض (الإصابة بفيروس كورونا) وأجرى الفحوص. قمنا بتقبيله والمكوث بقربه بدون ارتداء الكمامات بهدف الإصابة بالعدوى والحصول على الشهادة لستة أشهر والخروج مع الأصدقاء والتمتع بالحياة الحقيقية». على حد قولها.
وفعلاً، ففي فرنسا تكفي شهادة التعافي من فيروس كورونا للحصول على شهادة التطعيم الصالحة لمدة ستة أشهر.

«غباء… لكنه الحل الوحيد»

وعلى عكس هذه الطالبة غير الملقحة، قال شاب فرنسي سبق أن تلقى جرعتين من اللقاح المضاد لوباء كوفيد-19، لكنه يطمح للإصابة بالعدوى بشكل متعمد: «يعاملوننا كالخرفان. ويجبروننا على أخذ الجرعات المعززة الإضافية شيئاً فشيئاً. آمل أن أصاب بطريقة طبيعية من دون أن أقوم بلمس أو تقبيل أصدقائي. الوقت كفيل بالقيام بكل شيء».
من جهة أخرى، رصد موقع Actu.fr آراء عدد من الفرنسيين الذين يرفضون تلقي التلقيح، ويفكرون في الإصابة بالعدوى عمداً. بونوا 42 عاماً من غير الملقحين، قال في هذا الصدد: «أنا لا أخشى الكوفيد، بالمقابل أخاف من اللقاح. للتهرب من الاستبداد المفرط للحكومة، فإن الإصابة بالكوفيد للحصول على شهادة التطعيم هو الحل الوحيد الذي وجدته أنا وزوجتي، ولو أنه غباء».
وتابع بونوا الذي يقطن في إقليم واز (شمال) وسبق أن التقط وباء كوفيد-19 في تشرين الأول (اكتوبر) 2020، أنه أصيب «بمرض كوفيد الطويل الأمد ولا يزال يعاني من فقدان حاستي الطعم والشم»، لكن الإصابة بالفيروس مجدداً لا تخيفه، مضيفاً: «إن كان هذا هو الثمن الذي يجب أن ندفعه، علماً بأنني لم أواجه مضاعفات بسبب الكوفيد، لا يزعجني أن أصاب به مجدداً».
وأردف المتحدث وهو يعمل كسائق لقطارات الشحن: «أنا مجبر على قطع مسافات طويلة جداً في قطارات «تي أو أر» (قطارات النقل الإقليمي السريع)، أو القيام بترتيبات مع أصدقائي للتنقل على متن قطارات نقل البضائع، بعد نهاية دوامي، هذا الوضع لن يسهل علي حياتي طبعاً. لكن حتى وإن بقيت شهادة التطعيم سارية المفعول، سأرفض اللقاح إلى النهاية».

«لأكون حراً وأستعيد وظيفتي»

بدوره، صرح نيكولاس البالغ 27 عاماً: «قلت ساخراً لأحد أصدقائي وابنته مصابة بالكوفيد حالياً، أن يعطيها حبة علكة ثم يناولني إياها»، حتى يصاب بالعدوى. ويؤكد نيكولا أنه ليس في الأساس من المعارضين للقاح، لكنه غاضب وناقم من الإجراء «السلطوي وغير الفعال». وقال الشاب الذي يتمتع بصحة جيدة: «لست معارضاً للقاح، لكني لن أرضخ لابتزاز الحكومة. لست معرضاً للإصابة بالحالات الخطرة للفيروس، لكني لا أفهم لماذا يجبر أشخاص في صحة جيدة على تلقي اللقاح».
نيكولاس، الذي كان يعمل كرجل إطفاء متطوع، قال أيضاً: «أنا مستعد لأن أصاب بكوفيد-19 بشكل متعمد حتى أكون حراً، وحتى أتمكن من العودة إلى وظيفتي».
أودريه هي الأخرى، من الأشخاص غير الملقحين الذين راودتهم فكرة الإصابة عمدا بوباء كوفيد-19. وقالت «لست ملقحة، هذا يناسبني تماماً. ومنذ دخول الشهادة الصحية حيز التنفيذ، أتدبر أموري، لا أخرج كثيراً وهكذا لا أواجه أية مشاكل». وتضيف الشابة الثلاثينية التي كانت تعمل مساعدة منزلية قبل أن تترك وظيفتها في حزيران (يونيو) 2021، وباتت تعمل في رعاية الأطفال: «أمارس بعض المهن الصغيرة هنا وهناك، وأتجنب العمل في وظيفة تجبرني على تلقي اللقاح».
لكن أودريه والتي ستعمل كنادلة خلال موسم الأعراس المقبل، أردفت بقولها: «أنا أعلم أنه سيتم إجباري على تلقي اللقاح. لهذا، إن أصبت بالفيروس الآن، سيكون لدي فرصة للعمل خلال الصيف بفضل شهادة التعافي» من الوباء. وهي أثارت أيضاً مسألة وضعها المالي، حيث قالت: «إن لم أستطع العمل في الأعراس، لن أكسب المال، علينا الحصول على المال. لو كان لدي الإمكانيات، ما كنت لأزعج نفسي بكل هذا».

الوضع الوبائي بفرنسا

وبعد أن أدركت السلطات خطورة هذه الظاهرة الجديدة، ناشد وزير الصحة الفرنسي أوليفييه فيران مواطنيه الابتعاد عن الإصابة المتعمدة بالفيروس، واتخاذ الاحتياطات الكفيلة بمنع إصابتهم بمتحور أوميكرون وغيره من سلالات فيروس كورونا.
وبحسب آخر أرقام نشرتها وزارة الصحة في 24 كانون الثاني (يناير)، وتتعلق بعدد الأشخاص الملحقين في البلاد، فإن 78،2 بالمئة من السكان تلقوا اللقاح بشكل كامل، فيما لا يزال 19،8 بالمئة من السكان غير ملقحين. وبحسب الإحصائيات، فقد بلغ عدد الإصابات اليومية الإضافية بالوباء في فرنسا الثلاثاء 501 ألف و635، 95،6 بالمئة منهم مصابون بمتحور أوميكرون.
هذا وأشارت الوزارة إلى أن عدد الأشخاص المعالجين في المستشفيات الفرنسية بلغ 16 ألفاً و385 شخصاً خلال السبعة أيام الأخيرة، فيما سجلت 1771 حالة في غرف العناية المركزة، مشيرة إلى أن الجائحة أودت في المجمل بحياة 129 ألفاً و489 شخصاً منذ ظهور الوباء مطلع 2020.

فرانس24

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق