رئيسيسياسة عربية

رسائل سياسية «عقابية» تثير القلق في بغداد

شهدت بغداد في الأسابيع الماضية سلسلة هجمات ضد مقرّات أحزاب ومصالح سنية وكردية لم توقع ضحايا ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها، ويرى سياسيون ومحللون أنها «رسائل سياسية» مثيرة للقلق خصوصاً أنها تأتي في سياق خلافات بشأن الحكومة المقبلة.
وفي بلد يُعتمد فيه منذ سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، نظام المحاصصة بين القوى السياسية النافذة، لا تخرج تلك التفجيرات عن سياق العنف الذي تلى الانتخابات النيابية المبكرة، في ظل توتر ناتج عن الخلافات حول تشكيل حكومة جديدة، لا سيما بين المكونات الشيعية، التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر من جهة، وقوى الإطار التنسيقي التي تضمّ أطرافاً موالية لإيران من جهة ثانية، وفق محللين.
وهزّ تفجيران بعبوتين صوتيتين ليل الأحد ليل بغداد، وأسفرا عن جرح شخصين، وقالت السلطات الأمنية العراقية إنهما استهدفا مصرفين يملكهما رجال أعمال مقربون من سياسيين أكراد في وسط العاصمة.
قبل ذلك، استُهدف منزل نائب في تحالف «تقدم» السني الذي ينتمي إليه رئيس البرلمان المنتخب لولاية ثانية محمد الحلبوسي، بتفجير بقنبلة صوتية، وسبقه استهدافان في الليلة نفسها لمقرين لتحالف «تقدم» و«عزم» السنيين. وسبق هذه الهجمات هجوم بقنبلة صوتية على مقر للحزب الديموقراطي الكردستاني في بغداد، كما أفاد الإعلام المحلي.
ويرى رئيس مركز التفكير السياسي والمحلل السياسي العراقي إحسان الشمري أن تلك «الهجمات جزء من الضغط السياسي»، مضيفاً «هي تفجيرات برسائل سياسية»، لكنها أيضاً «تفجيرات عقابية للقوى التي اشتركت مع السيد مقتدى الصدر بتشكيل الأغلبية في البرلمان».
ولم تكشف التحقيقات الأمنية عن الجهات المنفذة لتلك الهجمات، إلا أن مصدراً أمنياً وضعها في السياق السياسي نفسه. وقال لفرانس برس «الهجمات التي حصلت الأحد وقبله، تحمل رسائل سياسية من الأطراف الخاسرة بالانتخابات لتعطيل تشكيل الحكومة».

«مؤامرة»

وبينما حصد التيار الصدري العدد الأكبر من مقاعد البرلمان (73 مقعداً)، إلا أن الإطار التنسيقي يقول إنه تمكن من تشكيل الكتلة الأكبر من 88 نائباً عبر تحالفات تجعله الأَوْلى بتسمية رئيس للحكومة.
وانعكس هذا الإعلان مشادات في جلسة البرلمان الأولى في التاسع من كانون الثاني (يناير)، مع تأكيد كل طرف أنه يملك الكتلة البرلمانية الأكبر. وتوقفت الجلسة لنحو ساعة، وحين استؤنفت، قاطعتها القوى الموالية لإيران التي تقول اليوم إن مجرياتها لم تكن دستورية.
وانتخب محمد الحلبوسي، زعيم تحالف «تقدم» (37 مقعداً)، رئيساً للبرلمان، مع نائبين للرئيس، أحدهما من الحزب الديموقراطي الكردستاني والآخر من التيار الصدري.
وتعكس هذه التشكيلة التحالف بين الصدر والقوى السنية والحزب الديموقراطي الكردستاني، وتمهد لتشكيل حكومة أغلبية لا يزال الصدر مصراً عليها.
ومنذ أن صدرت نتائج الانتخابات النيابية قبل ثلاثة أشهر، رفضت القوى المنضوية في تحالف «الفتح» والموالية لإيران، والتي تراجعت حصتها البرلمانية من 48 نائباً في البرلمان السابق إلى 17 في البرلمان الجديد، نتائج الانتخابات بشكل قاطع، وندّدت بـ«تزوير» ونظمت تظاهرات في المنطقة الخضراء المحصنة في العاصمة حيث مقرات حكومية ودبلوماسية، وصلت الى حدّ محاولة اقتحامها.
وترى الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية لهيب هيجل أن «المقلق هو أن القوى الموالية لإيران تحاول الترويج لفكرة أن كل ما يحصل الآن هو مؤامرة لإحداث فتنة داخل البيت الشيعي، وهذا خطاب مقلق، لأنهم لا يقرون بهزيمتهم في الانتخابات، بل يدعون للعنف».

«منعطف خطير»

وفيما يتوقع أن تنظر المحكمة الاتحادية العليا الأربعاء بقضية طعن بدستورية الجلسة الأولى، تتواصل المحاولات على الجبهة السياسية من أجل «ردم الهوة» في البيت الشيعي.
وبرز ذلك في لقاء ضمّ زعيم تحالف «الفتح» وفصيل «بدر» المنضوي في الحشد الشعبي هادي العامري والصدر، صدَرَ في أعقابه بيانٌ للإطار التنسيقي شدّد فيه على عزمه «الاستمرار في الحوار مع القوى السياسية للوصول الى حل يخرج البلد من المنعطف الخطير الذي يمر فيه».
وترى هيجل في ذلك محاولة من الصدر «للتقارب مع العامري مع تهميش قوى أخرى داخل الإطار التنسيقي لديه خلاف معها لا سيما زعيم فصيل عصائب أهل الحق (المنضوي ضمن الحشد) قيس الخزعلي ورئيس الوزراء الأسبق وزعيم تحالف دولة القانون نوري المالكي».
وتضيف «بالتأكيد لا تفضل إيران هذا السيناريو لكن قد تقبل به… لا سيما إذا ضمّ ما يكفي من القوى الشيعية، لا سيما بعض فصائل الحشد الشعبي».
وسيقود هذا السيناريو «إلى حملة قاسية للتشكيك بالحكومة المقبلة ووضع العقبات أمامها» من القوى المستبعدة.
ويتزامن ذلك مع زيارة غير معلنة لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اسماعيل قاآني إلى النجف الأحد، كما أفادت وسائل إعلام محلية. وظهر قاآني في صور نشرتها مواقع تابعة لفصائل موالية لإيران جاثماً على ضريح نائب رئيس قوات الحشد الشعبي العراقي السابق أبو مهدي المهندس الذي قضى بضربة أميركية في بغداد إلى جانب سلف قاآني، قاسم سليماني، قبل عامين.
ويرى الشمري في هذه الزيارة محاولة «لردم الهوة بين القوى الشيعية لمنع مزيد من التدهور والانزلاق نحو الاقتتال المحدود».
في المحصلة، تعتبر هيجل أن استمرار العنف و«الرسائل» أمر محتمل جداً، مع «استبعاد حرب مفتوحة» بين القوى الشيعية.

ا ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق