سياسة لبنانيةلبنانيات

هل يسحب المجلس النيابي ملف المرفأ من القضاء بدلاً عن استقالة قرداحي؟

تتجه الانظار اليوم الى المجلس النيابي الذي تردد انه سيشكل لجنة تحقيق تتولى مساءلة الوزراء الذين ادعى عليهم المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، فيسحب الملف منه، على ان يتابع تحقيقاته مع الموظفين الامنيين والمدنيين. وتردد ايضاً ان اتفاقاً او صفقة تم التوصل اليها، وتقضي باستقالة وزير الاعلام جورج قرداحي، مقابل كف يد البيطار عن ملف انفجار المرفأ، او على الاقل انقاذ السياسيين من الملاحقة، لان المنظومة فوق القانون وفوق المساءلة، وهي تحمي نفسها بنفسها. عقود طويلة وهي تسيطر على كل مفاصل الدولة وقد رتبت كل شيء في الادارات الرسمية بحيث يبقى مفتاح الحل والربط في اي قضية يمكن ان تطاولها بيدها هي. فنأمل الا تكون هذه الاخبار صحيحة ويسود القانون ليطاول الجميع. فلا يفرق بين ابناء ست وابناء جارية.
بالامس رفضت اللجان النيابية مشروع قانون الكابيتال كونترول الذي فصل على قياس السياسيين واصحاب المصارف، وكان من شأنه ان يوجه ضربة قاضية الى المودعين، فيحرمهم حقهم من اللجوء الى القضاء للمطالبة بالامانات التي اودعوها المصارف، وهي جنى عمر الاكثرية الساحقة منهم. الا ان اللجان المشتركة رفضت هذا القانون الظالم، وبدا هذا الرفض ناجماً عن مصالح انتخابية وليس بهدف الحفاظ على اموال المودعين. فالمنظومة لا يعاكس بعضها البعض الا اذا تدخلت المصلحة الشخصية، وهذا ما حصل. فهل ينتفض النواب لمصالحهم ايضاً، والانتخابات على الابواب، فيرفضون العمل على تشكيل لجنة تحقيق هدفها الاول والاخير حماية بعض افرادها، وقبع البيطار الذي رفض كل التدخلات السياسية وتمسك بالقانون، وليس غير القانون، وقرر السير بالتحقيق حتى النهاية، الى ان يكشف من ارتكب هذه الجريمة النكراء في انفجار المرفأ التي ذهب ضحيتها حوالي 220 ضحية بريئة، فضلاً عن تشريد عشرات الالوف وتدمير نصف العاصمة.
الجريمة كبيرة، لا بل ضخمة، ولا يستطيع من ساهم في تنفيذها ان يتحمل وزرها الثقيل، لا تجاه الداخل واهالي الضحايا، ولا تجاه الخارج الذي يصر على استكمال التحقيق وكشف الحقيقة. فالحملة على البيطار والعمل بكل قوة لسحب الملف من يده ليس لانه مخطىء، وليس لانه مسيس كما وجهوا التهمة اليه، بل لانه تجرأ على المنظومة، وهي لم تتعود على احد يقف بوجهها، فهالها الامر لانه يفتح الباب امام القضاء لملاحقتها بتهم لا تحصى ولا تعد، وليس اقلها الفساد وهدر اموال الخزينة ومخالفة الدستور والقوانين.
في كل بلدان العالم الراقية يبذلون الغالي والنفيس لبناء قضاء نظيف وعادل، يحكم بالعدل ويعطي لكل طرف حقه. اما عندنا وحيثما برز القضاء العادل النظيف، تشن عليه الحروب، وتوجه اليه جميع التهم، ذلك ان المنظومة تعتبر نفسها فوق القوانين وكلمتها تعلو فوق كل الكلام. وهذا هو سبب الحرب الدائرة اليوم بين السياسيين والقضاء.
اذا صوت مجلس النواب اليوم على تشكيل لجنة تحقيق تتولى سحب الملف من القضاء، فان غضب الشعب لا اهالي الضحايا وحدهم، بل كل اللبنانيين، والدول الكبرى التي تراقب عن كثب وهي مصرة على معرفة من ارتكب هذه الجريمة النكراء، هذا الغضب سيكون كبيراً جداً. فاذا اردنا بناء وطن يقوم على الحق والعدل علينا ان نعزز القضاء، ونعطيه استقلاليته الكاملة بعيداً عن الالاعيب السياسية، التي لا تنطق الا بما يخدم مصالحها. لقد فتح البيطار، بحماية مجلس القضاء الاعلى المسؤول عن حماية الجسم القضائي، الباب امام بناء قضاء مستقل نظيف ينطق بالعدل وينصف المظلوم، فلا تضيعوا هذه الفرصة وسيروا معه الى النهاية. فلا بلد بدون قضاء عادل ونزيه ومستقل تماماً عن السياسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق