سياسة لبنانيةلبنانيات

الازمة الدبلوماسية كشفت فشل المنظومة سياسياً وامنياً ودبلوماسياً وفضائياً واقتصادياً

استعيدوا السيادة الضائعة وافرضوا السلطة والا طار البلد

لبنان يمر في ازمة دبلوماسية غير مسبوقة، لم يشاهد مثلها في تاريخه الحديث، الا ان المعالجات الرسمية ليست على المستوى المطلوب. لا بل انها شبه معدومة بسبب الشلل الذي يصيب السلطة، التي تقف عاجزة عن المعالجة، فاصبح البلد واقعاً اسير سلطات متعددة وقوى نافذة، لا يهمها سوى مصالحها الخاصة. هذه الازمة كشفت، وعلى المفضوح، تخلي السلطة عن مسؤولياتها، وسجلت فشلاً على الصعد كافة السياسية والقضائية والامنية والاقتصادية والمعيشية، واثبتت انها غير مؤهلة لمعالجة كل هذه الازمات المتراكمة. المسؤولون غائبون لا يسمع لهم صوت، وحدها اصوات القوى المتواجدة على الارض تعلو وتسمع، وهي تواصل الحملات ضد الدول التي وقفت الى جانب لبنان على مدى عقود، فدافعت عنه ودعمته وساندته حتى اصبح منارة الشرق، الى ان جاءت قوى اقليمية حولته الى ورقة مساومة لدعم قضاياها على حساب الشعب اللبناني.
لقد فشلت المنظومة سياسياً وعجزت عن بناء دولة تتمتع بالسيادة والسلطة، حتى وصل بها الامر الى عدم القدرة على تشكيل حكومة قادرة على تدبير شؤون البلد. فبدل ان يتم اختيار اشخاص ذوي كفاءة للوزارات، يتمتعون بالنزاهة والوطنية الخالصة بعيداً عن اي ارتباطات داخلية او خارجية، اصبح الوزراء حصصاً تتقاسمها الاطراف المتنازعة على الارض. فهذا الوزير يخص هذا الزعيم وذاك يخص الاخر، وهكذا دواليك، فتشكل وزارة هي اشبه بفسيفساء غير متجانسة، كل طرف فيها على ولاء للشخصية التي اختارته دون ان يكون له ارتباط بالوطن والشعب والمصلحة الوطنية. وهكذا في هذه الاجواء غير الطبيعية بدأت تتكون الازمات السياسية الواحدة تلو الاخرى. ومن كانوا يتمثلون بنا وينظرون الينا نظرة اعجاب، اصبحنا عندهم مادة سخرية وتندر. انه واقع اليم ولكن الحقيقة يجب ان تقال.
فشل على الصعيد القضائي، وهذا ثابت من الواقع الذي نعيشه اليوم، ويكفي التطلع الى التحقيقات بجريمة انفجار المرفأ، وكيف ان المشتبه بهم الذين استدعاهم المحقق للمثول امامه لاستجلاء بعض الامور، اقاموا عليه اربع عشرة دعوى قضائية دون تهمة واضحة او ثابتة، بل الهدف الهروب من التحقيق. كل ذلك والمنظومة تتفرج وتؤيد ما يقوم به المتهمون.
فشل على الصعيد الامني ويكفي ان نرى السلاح المتفلت الذي يستخدم يومياً تقريباً وترتكب الجرائم نتيجة هذا الانتشار، ولا من يستطيع ضبط الامور. هذا فضلاً عن عجز فاضح في ضبط المعابر الشرعية التي سرقت الاحتياطي الالزامي من المصرف المركزي وهربته الى سوريا، على حساب الشعب اللبناني الذي عرف الذل والجوع والفقر، والدولة عاجزة تتفرج. كيف لا وهي لم تستطع ان تقر استراتيجية دفاعية تعيد اليها السيادة المفقودة، وسلطتها محجوبة عن معظم الاراضي اللبنانية.
فشل على الصعيد الدبلوماسي والازمة الراهنة خير دليل. لقد تخلت المنظومة عن النهج الذي سار عليه لبنان منذ الاستقلال، لا بل قبل ذلك، وكان السبب في ازدهاره ونهضته، وكان محترماً بين الدول الشقيقة والصديقة، يحفظ مصالحها وتدعمه في كل قضاياه، الى ان حولت المنظومة هذا المسار وضربت هذا النهج وقادته في دروب وعرة مزروعة بالشوك، فافتقر شعبه وجاع وها هو يعاني الامرين من جراء بعده عن محيطه العربي. ولم تكتف المنظومة بذلك، بل ضربت علاقاته بالدول الغربية كلها، اكراماً لقوى اقليمية لا تهمها سوى مصلحتها، ولم يجن لبنان منها سوى الفقر.
فشل على الصعيد الاقتصادي وهنا يضيق بنا المجال اذا اردنا تفصيل السياسات الخاطئة التي اعتمدتها المنظومة واوصلت لبنان الى ما هو عليه اليوم. لقد اصبح معظم الشعب اللبناني فقيراً جائعاً، وعمت البطالة واقفلت الشركات ابوابها، وهرب الاستثمار، وبسرعة تحولنا من سويسرا الشرق الى جهنم. كل ذلك بفضل هذه المنظومة، التي سيكتب التاريخ عنها بالشحار الاسود. كل ذلك وهي ماضية في سياستها وكأن شيئاً لم يكن.
اخيراً ونحن على ابواب انتخابات تشريعية تليها انتخابات رئاسية. انها فرصة للتغيير، فاما ان يستيقظ الشعب ويقصي هذه المنظومة ويبعدها عن الواجهة السياسية القاتمة، لتحل محلها وجوه مشرقة نزيهة تتمتع بالكفاءة العالية وتهمها مصلحة الوطن، واما فان هذا الشعب غير جدير بالحياة وعلى لبنان السلام. وعلى المنظومة ان تستعيد السلطة والسيادة والا طار البلد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق