سياسة لبنانيةلبنانيات

مجلس الوزراء ازاح هموم المواطنين جانباً وانصرف الى محاكمة البيطار

الا يعلم قاضي التحقيق ان المنظومة فوق القوانين والمس بها ممنوع؟

مرة جديدة تعمل المنظومة على افهام الجميع ان المس بها ممنوع. فهي تستطيع ارتكاب المعاصي والفساد وليس مسموحاً لاحد ان يحاسبها. انها فوق المحاسبة وفوق القوانين كلها. ومرة جديدة تثبت الوقائع والاحداث ان القانون في لبنان يطبق على عامة الناس، اما الطبقة السياسية فلها قوانينها وهي ليست من هذا العالم، بل هي نابعة من مصالحها الخاصة.
انعقد مجلس الوزراء امس وكان في الاساس مخصصاً لبحث اقتراحات الوزراء ومشاريع كل وزارة، للخروج من الازمة الاقتصادية والمالية المدمرة. الا ان الجلسة تحولت الى محاكمة القاضي طارق البيطار الذي قامت القيامة ضده، لانه حاول احترام القوانين وتطبيقها على بعض افراد المنظومة. لقد كان عليه ان يعلم ان المس بهذه الطبقة ممنوع. وبدل ان ينصرف مجلس الوزراء الى معالجة مشاكل الناس وهمومهم، فيضع الحلول لازمة الكهرباء المستعصية، وايجاد حل لارتفاع سعر قارورة الغاز الذي وصل الى مئتي الف ليرة والاتي اعظم، وبدل ان ينصرف الى لجم سعر الدولار الذي تجاوز يوم امس العشرين الف ليرة وهو مستمر في الصعود والتحليق عالياً، رأى المجلس ان محاكمة البيطار اهم من كل ما عداها. ولم تكف جلسة واحدة لاصدار الحكم، بل مددت اجتماعاتها الى اليوم لوضع اللمسات الاخيرة على معاقبة من تجرأ واقترب من الممنوعات.
ولم تكتف المنظومة بهذا القدر من العبث بالقوانين، بل عمد المدعى عليهم الى شن حرب شعواء ضد البيطار، مستخدمين كل الوسائل المتوفرة لديهم لايقافه عند حده. ولم يتركوا محكمة من الاستئناف الى التمييز الا ولجأوا اليها لتحميهم من «ظلم» هذا القاضي. لقد افهموا الجميع انه ممنوع المس بالمنظومة تحت اي ظرف كان. ووضعوا حداً لامال الناس، بانه سيأتي يوم يحاسب فيه الفاسدون وناهبو اموال الخزينة، واعادة المال المنهوب، فهذه امور اصبحت من المستحيلات.
لماذا افتعلوا كل هذه الضجة وما هو وجه الغرابة في تطبيق القوانين؟ ففي كل بلدان العالم يرتكب مسؤولون وسياسيون الاخطاء، ويحاكمون عليها. واخر مثال على ذلك رئيس فرنسا السابق نيكولا ساركوزي. فلماذا يكون افراد المنظومة فوق القوانين؟ لقد اصبح الجميع يعلمون من ادخل نيترات الامونيوم الى المرفأ ومن حماها، وبات عندهم اجوبة على كل التساؤلات. ولكن المهم عند الطبقة السياسية الا يصدر حكم رسمي عن القضاء يدل على الفاعل لتبقى امام الطبقة فسحة معينة للاصرار على النكران.
ان المدعوين للمثول امام القاضي بيطار اعلنوا مراراً وتكراراً انهم ابرياء. فلماذا الخوف اذاً، ولماذا لا يمثلون امام القاضي ويدلون بمعلوماتهم فيبرأون انفسهم، ويرتاح اهالي الضحايا وارواح الشهداء؟ ان مثل هذا التصرف هو الامثل، فلماذا كل هذه الضجة؟ ولماذا لا ينصرف مجلس الوزراء الى معالجة مصائب الناس، وهي من صنع المنظومة اياها؟ المطلوب اليوم ان تعمد الحكومة التي لم تقدم بعد الا النكبات للمواطنين ان تبادر سريعاً الى ايجاد حل للكهرباء اساس كل العلل، وان تعالج ازمة اسعار الغاز لان هذه وحدها كافية لاشعال ثورة. وقبل كل شيء عليها ان تلجم جنون الدولار الذي اذا استمر في التحليق سيطيح كل ما يمكن للحكومة ان تنجز.
كيف ستنتهي هذه القضية المأساة. الظاهر ان الحل سيكون على حساب القاضي بيطار وعلى حساب السلطة القضائية كلها. وسيلحق البيطار بزميله فادي صوان وكلا الاثنين لم يرتكبا ذنباً سوى انهما ارادا تطبيق القوانين. اما رد اهالي الضحايا فغير مقرر بعد. اذاً لا بد من كبش محرقة وقد وجدته المنظومة سريعاً.
ماذا سيقول العالم بعد ذلك؟ ليس مهماً في نظر المنظومة التي اعتادت على الانتقادات اللاذعة التي تنهال عليها ولكنها ترد بان «الدني عم تشتي». فليقل العالم ما يشاء فهي مستمرة في مقاعدها الوثيرة وليقل الخارج ما يقول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق