أردوغان يدعو إلى شراكة مع مصر ودول الخليج تنطوي على «ربح متبادل»
يحذّر واشنطن من أنّها تخاطر «بخسارة صديق قيّم»
دعا الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الثلاثاء إلى علاقة شراكة بين بلاده وكلّ من مصر ودول الخليج العربية تنطوي على «ربح متبادل»، في وقت تسعى فيه أنقرة إلى تطبيع علاقاتها مع منافسيها الإقليميين.
وقال أردوغان في مقابلة مع قناة «تي آر تي» التلفزيونية الحكومية «نريد الاستفادة القصوى من فرص التعاون مع مصر، وتحسين علاقاتنا على أساس الربح المتبادل».
وأضاف «هذا ينطبق أيضاً على دول الخليج» العربية، في إشارة إلى السعودية والإمارات التي تتّسم العلاقات بينها وبين تركيا بتوتّر شديد.
وبعد أزمة دبلوماسية استمرت سنوات عدّة بين تركيا والدول العربية الثلاث، قادت أنقرة مؤخّراً جهوداً دبلوماسية حثيثة لإصلاح علاقاتها مع العواصم الثلاث، بدءاً بالقاهرة.
ووصلت العلاقات بين أنقرة والقاهرة إلى ما يشبه القطيعة منذ أطاح الجيش المصري في 2013 إثر انتفاضة شعبية الرئيس محمد مرسي الذي رشّحته جماعة الإخوان المسلمين ودعمته بعد فوزه تركيا.
وفي مطلع أيار (مايو) الفائت، زار وفد تركي كبير القاهرة لإجراء مباحثات هي الأعلى مستوى بين البلدين منذ 2013.
وفي مقابلته التلفزيونية حرص أردوغان على القول «أنا أعرف الشعب المصري جيّداً وأحبّه. علاقاتنا الثقافية قوية للغاية».
لكنّ طريق المصالحة بين تركيا ومصر لا يبدو أنّه سيكون سهلاً بسبب الكمّ الكبير من الملفّات التي تسمّم العلاقات بين البلدين.
وإلى جانب اتّهام أردوغان للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنّه «انقلابي»، أصبحت تركيا قاعدة خلفية لقيادات الإخوان المسلمين الذين فرّوا من مصر. وتتواجه أنقرة والقاهرة كذلك على صعيد الملف الليبي.
وتتزامن بداية الانفراج في العلاقة بين أنقرة والقاهرة مع حصول تهدئة في العلاقات بين مصر وقطر، حليف تركيا الرئيسي في المنطقة.
وتأتي بادرة الانفتاح التركي في وقت تسعى فيه أنقرة للخروج من عزلتها الدبلوماسية في شرق المتوسط حيث أدّى اكتشاف حقول ضخمة من الغاز الطبيعي في السنوات الأخيرة إلى شراكة بين الدول المطلّة على هذه المنطقة البحرية ترى أنقرة أنّها مجحفة بحقّها.
كما تسعى أنقرة إلى تحسين علاقاتها بكلّ من السعودية والإمارات اللتين تباعد بينهما وبين تركيا ملفات عديدة أحدها الوضع في ليبيا حيث كان حتى الأمس القريب يدور نزاع مسلّح بين طرف يسيطر على العاصمة طرابلس وتدعمه تركيا وطرف يسيطر على شرق البلاد وتدعمه الإمارات والسعودية بالإضافة إلى مصر.
كذلك فإنّ العلاقات بين أنقرة والرياض لا تزال مأزومة.
يحذّر واشنطن
كذلك وجّه الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الثلاثاء، قبل أسبوعين من القمّة المرتقبة بينه وبين نظيره الأميركي جو بايدن، تحذيراً إلى الولايات المتّحدة من أنّها تخاطر «بخسارة صديق قيّم» إذا ما سعت إلى «حشر» بلاده في الزاوية.
وردّاً على سؤال عن العلاقات التركية-الأميركية قال أردوغان في مقابلة مع قناة «تي آر تي» التلفزيونية الحكومية إنّ «أولئك الذين يحشرون الجمهورية التركية في الزاوية سيفقدون صديقا قيّماً».
ويأتي هذا التحذير قبل القمّة الأولى المرتقبة بين أردوغان وبايدن في 14 حزيران (يونيو) الجاري على هامش قمّة حلف شمال الأطلسي في بروكسل بهدف استرضاء العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة.
والعلاقات بين هاتين الدولتين العضوين في حلف شمال الأطلسي متوتّرة منذ 2016، وقد زادت تدهوراً منذ تولّي بايدن السلطة في كانون الثاني (يناير) خلفاً لدونالد ترامب الذي بنى معه أردوغان روابط شخصية.
وبلغ التوتّر بين البلدين أوجه في نيسان (أبريل) بعد اعتراف واشنطن بالإبادة الجماعية التي تعرّض لها 1.5 مليون أرمني في عهد السلطنة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.
وتركيا، وريثة السلطنة العثمانية، ترفض الإقرار بوقوع إبادة جماعية، وتعتبر أنّ ما شهدته منطقة الأناضول في حينه هو حرب أهلية ترافقت مع مجاعة مما أسفر عن مقتل ما بين 300 ألف و500 ألف أرمني وعدد مماثل من الأتراك.
وفي هذا الصدد تساءل أردوغان في مقابلته التلفزيونية «ما سبب توتّراتنا (مع الولايات المتحدة)؟ إنّه ما يسمّى بالإبادة الجماعية للأرمن».
وأضاف مخاطباً إدارة بايدن «أليست لديكم مشكلة أخرى تعالجونها سوى تأدية دور محامي أرمينيا؟».
وعدّد الرئيس التركي مواضيع خلافية أخرى بين واشنطن وأنقرة تسبّبت في اضطراب العلاقات بينهما منذ 2016، وفي مقدّمة هذه المواضيع الدعم الأميركي للميليشيات الكردية في سوريا والتي تعتبرها تركيا «جماعات إرهابية».
وقال أردوغان «إذا كانت الولايات المتحدة حليفتنا فعلاً، فهل ينبغي أن تقف إلى جانب الإرهابيين أم إلى جانبنا؟ للأسف، إنّها تواصل دعم الإرهابيين».
غير أنّ الرئيس التركي يعتزم خلال اجتماعه المرتقب مع بايدن أن يبذل جهوداً لتهدئة التوتّرات بين البلدين.
وكان أردوغان توقّع الأسبوع الماضي أن تفتح القمة المرتقبة «حقبة جديدة» في العلاقات بين أنقرة وواشنطن.
وأردوغان الذي يقود تركيا منذ 2003، ذكّر في مقابلته الثلاثاء بأنّه تمكّن على الدوام من العمل مع سيّد البيت الأبيض «سواء أكان جمهورياً أم ديموقراطياً».
ومنذ تسلّمه مفاتيح البيت الأبيض حرص بايدن على تسليط الضوء على السجل السيّئ لتركيا في مجال حقوق الإنسان.
وانتظر بايدن لمدة ثلاثة أشهر قبل أن يجري أول اتّصال بأردوغان، وقد كان ذلك لإبلاغه بأنّه قرّر الاعتراف بالإبادة الأرمنية.
وتوترت علاقات أنقرة مع واشنطن بعد شراء تركيا نظام دفاع صاروخياً روسياً يخشى حلف شمال الأطلسي أن يُستخدم لجمع معلومات استخبارية عن أجهزته العسكرية.
وفرضت واشنطن عقوبات على هيئة المشتريات العسكرية التركية بسبب هذه الصفقة في سابقة من نوعها، وهي المرة الأولى التي تفرض فيها عقوبات على دولة عضو في حلف شمال الأطلسي لشرائها أسلحة روسية.
ا ف ب