رئيسيسياسة عربية

دمشق: معركة القلمون تنسف التحضيرات لـجنيف – 2

بينما تصف المعارضة السورية المسلحة والتي تتشكل من الجيش الحر اساساً اي تقدم تحرزه القوات النظامية المدعومة من حزب الله بانه عبارة عن «مكاسب مؤقتة»، وتبدي ثقة بأنها قادرة على استرجاع اية مواقع يستردها النظام، يرد مسؤولون عسكريون في الجيش النظامي بانه لا يزال يمتلك قوته كاملة، وانه يستطيع فرض هيمنته على اي مكان.

تفيد تقارير عسكرية يجري تسريبها عمداً ان النظام يحاول «ادارة الصراع» عسكرياً باسلوب الموازنة ما بين استخدام القوة و«التهاون» وصولاً الى فرضية مفادها انه يستطيع التحكم بخواتيم الامور. وانه قادر على استعادة اي موقع من بين يدي الجيش الحر.                 هذه الفرضية التي يصر النظام على التمسك بها كـ «حقيقة» يراها البعض من المحللين مجرد دعاية يستخدمها في الترويج لنفسه. ويراها آخرون قريبة من الواقع في ضوء ما تعانيه المعارضة من خذلان من قبل المجتمع الدولي الذي يعلن غير ما يبطن، والذي يمارس اللعب باكثر من ورقة وصولاً الى مد الازمة الى اقصى امد ممكن، من خلال ادارة المساعدات المقدمة للمعارضة، وضبطها ضمن اطار المساعدات الدفاعية التي تمكنها من الدفاع عن النفس وليس التفوق على الخصم.
الى ذلك، ومع ان التحضيرات لمؤتمر «جنيف – 2» تراوح مكانها، وتصطدم بعقبات كثيرة وكبيرة، الا ان تطورات المواجهة في منطقة القلمون السورية نسفت تلك التحضيرات، وزادت من الشكوك حول امكانية عقده، او حتى الاتفاق على موعد له.
والوعود التي قطعها وزير الخارجية الاميركي جون كيري خلال جولته الاخيرة والتي تتحدث عن انه «لا دور للاسد في المرحلة الانتقالية في سوريا» اصبحت موضع شك على خلفية معركة القلمون التي تتواصل حالياً في منطقة ريف دمشق، والتي يخطط النظام لان تكون الفاصلة، وتنتهي بكسر عظام المعارضة.

مواجهات عنيفة
فالمواجهات تتواصل في منطقة القلمون بين الجيش النظامي مدعوماً بقوات من حزب الله، والجيش الحر الذي يخوض حرب تصفيات مع التنظيمات المتطرفة ومنها تنظيم دولة الشام والعراق الاسلامية «داعش»، والصحوة وغيرهما.
وتنبع اهمية تلك المواجهة من زاوية ان النظام يخطط لان تكون معركة فاصلة، ويصر على وضع كل ثقله فيها وصولاً الى كسر العمود الفقري للمعارضة. ويوظف كامل الدعم الذي يقدمه حزب الله لهذا الغرض. وكذلك من حيث العامل الجغرافي للنتائج التي يمكن التوصل اليها. فالسيطرة على منطقة جبال القلمون تعني تأمين طريق دمشق – حمص الاستراتيجية، والهيمنة على كامل المنطقة المتصلة بالحدود اللبنانية والتي كانت المعارضة تستغلها كممر مهم لجميع الاحتياجات، وكمتنفس لها يربطها بالخارج، وتحديداً بلبنان.
ويبدو ان ذلك الموقع جعل منطقة القلمون الممتدة من ريف دمشق، حتى الحدود اللبنانية ذات اهمية خاصة بالنسبة الى الطرفين، ودفع بكل طرف الى وضع كل ثقله في المواجهة التي يشبهها متابعون بـ «القصير» نسبة الى المواجهة السابقة في بلدة القصير التي شكلت خسارتها ضربة كبرى ليس من السهل تعويضها بالنسبة الى المعارضة.
وبحسب التقارير الواردة من هناك، تسببت حملة النظام على القلمون في نزوح آلاف السوريين إلى لبنان عبر بلدة عرسال الحدودية مع سوريا. فيما أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية أنها أطلقت حالة طوارىء على مستوى أجهزتها وعلى مستوى مختلف المؤسسات الدولية والمحلية العاملة في ملف النازحين لتقديم كل الحاجات الأساسية للعائلات الوافدة. ويصل النازحون عبر ممرات جبلية غير قانونية كانت تستخدم قبل الحرب لتهريب سلع على اختلافها. كما تعتبر متنفساً مهماً للسكان المقيمين في تلك المنطقة.
وفيما تتحدث الوزارة عن أن 1700 عائلة سورية نزحت إلى قرية عرسال في الأيام الماضية وزادت من معاناتها، فانها انتهت من عملية تسجيل 600 منها وتم تسليمها المساعدات الأولية الضرورية. وارتفع عدد اللاجئين السوريين الذين نزحوا خلال الأيام الماضية الى نحو 22 ألفاً ليصل إجمالي اللاجئين في القرية الى نحو 80 ألفاً بينما عدد سكانها الاصليين نحو 35 ألف نسمة.
الأنباء التي وردت مع النازحين تفيد بوقوع معارك خصوصاً في بلدة قارة التي تعد أكبر بلدات جبال القلمون السورية، الا ان جزءاً من أسباب حركة النزوح لا يتعلق بضخامة المعارك التي تقع حالياً، بل نتيجة المخاوف من وقوع معارك مستقبلية أكثر ضخامة.
وبالتزامن، وصفت وسائل الإعلام التابعة للنظام السوري معركة القلمون بـ «أم المعارك» وجرى الترويج لها بأنها المعركة التي ستطهر سلسلة جبال القلمون من المعارضة، وتؤمن الطريق بين الساحل السوري والعاصمة دمشق، وتقطع طرق التهريب من شمال لبنان عبر بلدة عرسال البقاعية ذات الاغلبية السنية المتهمة من قبل نظام الأسد وحلفائه في لبنان بالقيام بدور كبير في تهريب السلاح إلى المعارضة السورية.

مؤتمر جنيف
في تلك الاثناء يتسابق المحللون بالبحث في تأثيرات معركة القلمون على مؤتمر «جنيف – 2» الذي وافقت المعارضة على حضوره والمشاركة في اعماله في ضوء ضمانات اميركية مفادها انه لا دور للرئيس الاسد في المرحلة الانتقالية. بينما يرد النظام بأن مشاركته في المؤتمر لا تعني بأي شكل من الاشكال الذهاب من اجل «تسليم السلطة».
فالبعض من المحللين يرون ان المواجهة الدائرة في منطقة القلمون، والتي تتعمق وصولاً الى مرحلة كسر العظم من شأنها ان تعرقل أي اتفاق حول المؤتمر الدولي. وترى تحليلات اخرى ان النظام اختار هذا التوقيت لبدء المواجهة بهدف دفع المعارضة الى التشدد في مواقفها، ورفض المشاركة. وفي الوقت نفسه توجيه رسالة الى المعارضة والجهات المعنية بأنه يمتلك من عناصر القوة ما يكفي لبعثرة الاوراق من جديد، وتعطيل أي مشروع يمكن ان يحشره في زاوية ضيقة. ويحاول ايضاً التأكيد على الفرضية التي كان جيشه يروج لها والمتمثلة بأنه يدير العامل العسكري في الصراع بأسلوبه الخاص، وانه يترك للجيش الحر السيطرة على مواقع هامشية كما انه قادر على استرداد المواقع المهمة والاستراتيجية.
وبصورة اخرى هناك من يرى ان مواجهات القلمون التي يخطط النظام لها لأن تكون «الفاصلة» ستؤكد التحالف القائم بين النظام وحزب الله الذي يقال بأنه هو من يدير المعركة بكل ما اوتي من قوة.
الا انه ومهما يكن الامر، فالتقارير تؤشر الى ان المعركة ما زالت في بداياتها، وانها مرشحة للمزيد من التصعيد بحكم ثقل المعارضة فيها، واتساع الرقعة الجغرافية التي تغطيها، والتي تمتد الى عشرات الكيلومترات المربعة. والطبيعة الجبلية الوعرة التي تطلبت استدعاء طائرات سلاح الجو السوري للمشاركة في تطهير المنطقة.

دمشق – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق